سقط القناع

محمود النجار

في الشام يكتظ المساءُ دماً 

تؤازره الدموعْ 

نهرين ينسربان من ليل المهانة والخنوعْ

في الشام ينتحب الحمامُ 

ولا يفيق من اللهاث على ترانيم الأذانِ

ولا على وقعٍ لأقدام الصغارْ 

يتقاطرون إلى مدارسهم فراشاتٍ ملونةً

تفيض من الحنايا والضلوعْ 

في الأفق فوضى وارتعاشاتٌ 

وهجسٌ والتفاتاتٌ مريبةْ

ريحٌ تفِحُّ وألف أفعى هاجمة

في الأفق ترتعش الجريمةُ ؛

وقعُ ألسنة اللهيب تؤز مبتدأ الحريقْ

نار .. وما فيها مؤانسةٌ 

إذا اقتبس النبيّ لقومهِ 

بل تلك نيران المجوس على الطريقْ

القتل صار على الهويةْ

شبح الغريب عن الديارِ

ووجهه الزنديقُ 

يقترفان مفتتح القضيةْ 

القتل أضحى من حديث الأمهات إلى الأجنةْ

من أهون الكلمات في خوف الصغارْ

من أكثر الأنباء نزفاً في لُغى النشراتِ 

والصحف الطريدة 

ودم تنزّ حروفهُ 

فوق المقالة والقصيدةْ

ودم يضج على الجدار كلوحةٍ

تحكي بطولات الذئاب مع القطيعْ

ودم لشيخ طاعنٍ يأبى الخضوعْ

ودم لأم لم تطع جلادَها

ودم على رضّاعة الطفل الصريعْ

ودم الصبايا الطاهراتِ

على يدَيْ وغدٍ خليعْ

لم ينتهِ الوجع النبيلْ .. !

فدم الضحايا لم يزلْ 

في حمص يرقب ما سينزف في حلبْ

والشام كل الشام ترقب في دمشقَ اليومَ مفتتحَ الغضبْ

درعا وإدلبُ والشغورُ كما حماةُ اليومَ تصرخ : يا عرب ... !

والعُرب ينتظرون يأتي الرأي من خلف البحار

سيموت حتما آخرونَ 

وبالخيانة للأعادي يُرجمونْ

والصابرون المتعبون من المذلة

يصرخون

يا أيها الأعراب ماذا قد تراكم فاعلون ؟!

 

يا شام قد كذبوا علينا ، 

واستباحوا حرمتي :

لما أشاعوا في البلاد نشيدهم:

"سورية يا حبيبتي

أعدت لي كرامتي"

ما عدت أدري ما الكرامة يا وطن .. !

لا صون في بلدي لعرض أو كرامة !!

لمّا يعد في الشام عصفور يغني 

أو حمامةْ

خنقوا الحناجر واستعاروا ألف حنجرة مزورة 

وأبواقا تبث الزيفَ .. 

تقترف النوايا السود والدم والقتامة 

ونظامها الدموي يجترح الجرائم في الديار

لكي تدوم له الزعامة 

وعلى جدار الصمت ترقد حسرتي

ويروعني أن العروبة غادرت وطني بليلٍ

فاستباح النذلُ موطنَ عزتي

سقط القناع عن الوجوهِ

تكشّف الوجهُ الرديْ

صمَتَ الرعاةُ على انتهاك الذئب عرض بنيّتي

فغدت حياتي حسرةً تغتال روحي 

كلمّا السفاح أوغل في دمي 

وعدا على بيتي وأهل مودتي

 

يا أيها الثوار يا ملح البلادِ

ويا تراتيل الصباح ِ

ويا مواويل الجراح ِ

ويا نزيف الأبطح ِ

شمس الخيانة أقفرتْ

أنتم مطالعها ليوم أمجدِ

لا ترجعوا حتى يواري بطنُ هذي الأرض

تجارَ النخاسة والدم المتبلدِ

أنتم صقور الشاهقات

ومرفأ الجرح الندي

قولوا معي : 

"الله أكبر فوق كيد المعتدي 

والله للمظلوم خير مؤيد"