مواجعُ خضرٌ
في رثاء عبدالكريم الهيتي
عبدالكريم الهيتي |
خليفة بن عربيّ |
توقّفْ هناكْ
فهذي الحقولُ تسائلنا أين أنت؟
وهذي الطّيور تعاتبنا .. أين أنت؟
وصحفة شمس النّهار تساورنا .. أين أنت؟
توقّفْ
ولا تُكْمِلِ الفصلَ فصلَ الرّحيلْ
ولا تستثرْ قبّراتِ المساءْ
لكيما تؤدّي إليك العزاءْ
يقولون قد عظّم الله أجرك فينا
فنحن مواتٌ وأنت البقاءْ
* * *
تجمّل فقد مال وجهُ الخريفْ
وأرخى بأهدابه الحانياتِ
على دمعةٍ فوق شَطِّ العربْ
وبغدادُ تمشي بكفٍّ تضرّج حِنّاءَ شوكٍ
تلفّعُ وجناتِها البائساتِ برملِ السُّحبْ
تصافحُ وجهَ المنامةِ غرقى بأحزانها
وأيّامها
وآلامها
فتنفضُ كلّ ابتساماتها عن لحاف الرّجاءْ
وضجّت نوارسُ هذي الشّواطئ ِ
تغسل عن وجهكَ المستنيرِ
-بعطر الوضوءِ - بقايا الألمْ
بقايا مواجعك الخضرِ
يومَ تلفّعت بالسّفر الأسمر المستضيءِ
بحلمِ الرّجوعِ ونجوى القفولِ
لأرضِ الفراتين والملتزمْ
فتطويك سجّادةُ الموجِ درًّا
ولؤلؤ وجدٍ
وأصدافَ محبرةٍ في القِدمْ
سترحل كلُّ السّواحل نحو جبينكْ
ونغفو على راحة الحبّ منك
ونجوى عيونك
سنأتي
ولكنّنا حين نشرد في الأفقِ
نغرق بين التآم الجروح وصحو يقينكْ
فنفتح أستار أعمارنا عند حدّ القوافي
وها إنّني الآن ممتلئٌ بالقصائدِ
بالشّعر متّهمٌ والرّثاءْ
على شيبة النّهر أرقم شعري
ومن سُوْرةِ الحزنِ أنشدُ ترتيلَ سِفريْ
وأحلبُ غيمَ البكاءْ
* * *
أبا مخلفٍ يوم كنتَ الغسقْ
وذكراك في نُسْغِ أحلامنا
مرايا سطورٍ
صهيلُ الورقْ
تشاطرُنا كلّ يومٍ رذاذَ ملامحنا النّاحلاتْ
لتشعل فيها بروقَ الطّوالعِ بالمضحكاتْ
فياما امتطينا صدى قهقهاتكِ
تحدو مآذن ألحاننا
وتهدي ضميرَ الصّباح الجسورِ
لعُشّ الدّياجي بأرواحنا
وكم قد سحبنا بساط الرّياح لآمالنا
نهاجر في كلّ حرفٍ تقولْ
ونخطو على أثرٍ من تهادي خطاكْ
وننشق فيك السّماءَ البتولْ
تُصوِّفُ أيّامَك الحالماتْ
بتبتيل أحلامك الباسماتْ
فتضحك منّا بملء الحياةْ
ونضحكُ نحن بملء المماتْ
وتسخر منّا سيوفُ الأفولْ
* * *
يإنُّ الخليجُ
وغابات نخلٍ لسيّابَ تمشي إليكَ
على ضفّة البحرِ
حيثُ الكرومْ
وحيث القمرْ
يرجُّ المجاذيفَ عند السّحرْ
ويبكي المطرْ
لأنّك جزءُ القصيدةِ لم يكتملْ
وسيّابُ سرّح فوق نجوم لياليك َ..
كلتا يديهْ
فسحّ الدّموعَ..
وضاع الضّبابُ الظّلامُ الضّياءُ..
وصاح: خليجُ ..
فيُرجع منه الصدى .. يا خليجْ
أيا واهب اللؤلؤاتِ الرّدى
ومر الخليج على قبرهِ ...
فردّد قبل قليل صداه:
سأودعكم قلبَ عبدِالكريم ..
ليسكن كلّ قصيد المطرْ
ليُكملَ صورةَ ليلٍ تثاءب في ثغر غيمٍ
يسحُّ الدّموع الثّقالْ
فينثرَ فينا الهباتِ الكثارْ
ويصبحَ ضوءًا لدمع الجياع العراةْ
وبرءًا لقطرة دمِّ العبيدْ
ومبسمَ فرحٍ جديدْ
وحلمةَ ضوء تورّدُ فوق شفاه الوليدْ
ويهطلَ جودًا
كغيث المطر .