هل عودةٌ للشام؟؟
عبد المنعم مصطفى حليمة
"أبو بصير الطرطوسي"
[email protected]
جدرانَ بيتي وما حُمِّلتِ من كتبي
فقد بَنيْتُكِ يا جدرانُ من تعبي
ما رملةٌ منك إلاَّ أُشربت عَرَقي
سبعونَ عاماً مضت والجِدُّ يدفعني
وما ملكتُ، ولم أحلُمْ بممتلكٍ
فكم تقضَّت ليالٍ ما غفوتُ بها
يعدو نهاري وكم تتلوهُ إخوتُهُ
أمضي وهمُّ بني قومي وعزَّتُهم
إصلاحُ ما بينَ قومي والسمُوُّ بهم
فاللهُ حبَّبَ في إصلاحهم تعبي
نسيتُ في عِزِّهم نفسي، نسيتُ به
لا همُّ قومي الذي أحياهُ مُنتصباً
وها أنا اليومَ أحيا ذلَّ مغتربٍ
جُدرانَ بيتي وما حُمِّلتِ من كُتبي
ألمْ أُعاهدْكِ أن نحيا على أملٍ
فألثمُ الأرضَ عرفاناً بمنَّتِهِ
فكلُّ ثانيةٍ في الشَّامِ أحسبُها
وإنَّ رؤيةَ من غادرتُ من وَلَدي
فإنَّهمْ في وجودي سرُّ بهجتِهِ
وإنَّ بسمةَ أحبابي تُجدِّدني
وشَمُّ ما زرعت كفَّايَ من شجرٍ
وكلُّ ما سوفَ ألقى فيه تذكرةٌ
فلا أَحَبَّ ولا أغلى على كبدي
في الشَّامِ يوقظني، في حمصَ يجذبني
بهِ تعودُ إلى نفسي بشاشتُها
يا ربّ هل عودةٌ للشامِ تُكرمني
يا ربّ طالت بنا يا ربّ غربتُنا
فإن قضيتُ ولم أظفرْ بمسألتيإنِّي على العهد مهما امتدَّ مُغتربي!!
ومن ضياء عيوني سُطِّرتْ كُتُبي
وما كتبتُ سوى ما ذابَ من عصبي
فعشتُ من تعبٍ أمضي إلى تعبِ
غير الذي ألهمَ الرَّحمنُ من أدبِي
ولم أُبالِ بما عانيتُ من وصبي
ولم أساومْ على ما عزَّ من طلبي
تشدُّني لمزيدِ الجدِّ والدَّأَبِ
ما غبتُ عنهُ، وعنّي قطُّ لم يَغِبِ
فقد وقفتُ على إصلاحهم أدبي
أهلي لعلِّي أرى الإعزازَ في عقِبي
ولّى، ولم أكُ يوماً غيرَ منتصِبِ
فلا تُطِلْ يا إلهَ العرشِ مُغتربي
لا تحسبي أنني استسلمتُ للهربِ
بهِ إليكِ يُعِزُّ اللهُ مُنقلبي!
فإنْ شممتُ تُرابَ الشَّامِ عدتُ صبي
دهراً به عشتُ في أمنٍ، وفي طربِ
تفوقُ عنديَ ما في الأرضِ من ذَهَبِ
فحسْنُ طلعتِهمْ أنسى بهِ وصبي
فكلُّهم مُسعدي في البُعدِ والقُرُبِ
أُحسُّهُ النورَ مُنساباً إلى هُدُبي
تعيدني لزمانِ الجدِّ والتَّعَبِ
من "الأذانِ كلحنِ الخلدِ منسكبِ"
يا شوقَ قلبيَ كم أرجوهُ من حَلَبِ!
وما ابتُلينا بهِ قد بات في كُتبي
قبلَ المماتِ بها أزهو على الحِقَبِ!
فَكُنْ مُجيريَ مما حلَّ من كُرَبِ
فعودُ جسمي لأرضي مُنتهى أَرَبي