يا مغرب الغد المضيء
15أيلول2007
حسيب كيالي
للشاعر الكبير: حسيب كيالي
دعي الشاعر إلى المعرض الدولي للسياحة، وهو من بلدة في شمال الشام اسمها "إدلب" معروفة بكونها غوطة زيتون وكرمة فكتب يقول:
رأيـت فـي الـربـاط ما ذكرني "بإدلب" مـديـنـتي الحلوة في الشام وجدي وأبي أيـام لـم يـلـعب بها الإسمنت كل ملعب مـسـتـبـدلاً بقلبها الحنون نصل مثقب وبـالـغـصـون الـملد أوتاد حديد صلب فــولاذه مـن حـرق وشـرر ولـهـب وبـالـرنـا المؤنس قدح نظرة من غضب يـحـصـبك الوالي بها ويا له من حصب يـحـيـل كل مخصب طلول ربع مجدب أو نـظـرة سـادرة مـنـهوكة من تعب تـنـظـرها مقلة شعب لم يفق من رهب نـظـرة مـن أذعـر من حلم هني مدهب عـلـى شـريد من منى وضائع من أرب عـلـى أسـى يـلهب شغافيه متى يلتهب أي ضـنـى فـي ضيعة الحلم وأي نصب وأي عـي شـل مـن ذاك اللسان الذرب الـعـيـن، مـالا دمـع تـسـح للمنقلب يـرمـي الـذؤابات العلى في بلقع مخرَّب حـتـى تـوارى أصـيد وأروع بالحجب وجـف بـرعـم عـلى صدر ندي حَدِب وغـاضـت الـحمرة من مدملج مخضب وتُـوِّج الـغـث مـليكاً في السراة النجب وحـصـد الـمـوت النبالات فلم ينتخب لـم يـبـق غـيـر ذاهل من الدمار ترب وسـامـنـا الـخـسف لئيم ودخيل وسبي وأُفـردَ الـنـجـيب إفراد البعير الأجرب ونُـصِّـبَ الـمـدخولُ في حسبه والنسب يـقـودنـا من خطمه إلى البوار الأجنبي ذكـرنـي بـالـتين والزيتون بين العنب وكـرز مـطـعـم عـلـى فروع محلب لـيـس له مضارع في الشام أو في حلب لـو ذقـت مـنـه حبة يوماً فلا تستغرب إن بـقـيـت نـكـهته من صفر لرجب ومـشـمـش بعسلٍ يسرب أطلى مسرب أشـهـى مذاقاً في الحلوق من لذيذ الرطب يـدعى "اشكر الواهب" فاطعم وتعلل وهب! هـذا هـو الـكـرم الذي ذكراه لما تغب عـلـى دبـوب الشيب في اللمة والتشيب إنـا إلـى الـكرم هربنا من هموم المكتب إلـى الـحـيـاة كـاعباً والعمر لمّا يكعب إلـى الـربـى صبية ونحن برعوم صبي نـهـرب مـم؟ أيـها الرفقة، مم نختبي؟ مـن أهـلنا وحصص الحساب كالمحتسب: - اضـرب ثـلاثة بتسعة سريعاً، اضرب! - منذا الذي يعلم علم الحاصل المستصعب إلا عـلـى مـعـلـم شاخ لطول الطلب وجـاء يـلـهو بالتلاميذ الصغار الزغب؟ يـقـول إذ يـبـصـر في أعيننا بالرعب هـا أنـت لـم تـعرف فثق بفلقٍ كاللهب يـشـعـل فـي رجـليك نار منقل مرتب هـذا الـذي نـعـلـمه، ما فيه أي ريب وهـو الـذي ألـجـأنا إلى سبيل الهرب! مـا الـحـل يـا رفاقنا لكل هذي الكرب؟ أنـحـن قـادرون أن نـقضيَ في التهرب سـنـتـنـا، والـصف في سير له ودأب حـتـى يـقـال إنـنـا فزنا بأحلى لقب: "مـبـرز في الجهل والهروب والتسيب؟" أنـا وجـدت الحل: أن نصيد فحل جندب لا جـنـدب يا أيها الفهيم، أعني يا غبي.. مـا الـحل في عناكب ولم يكن في عقرب الـحـل فـي الحرباء، في دم لها مجرب نـقـتـلـها ونمسح الرجلين حتى الركب فـدَمُـهـا وقـاء جـلد في الحساب مذنب نـحـن بـه تحت العصا كأننا لم نضرب! سـبـقت في الحيلة يا عفريت كل ثعلب! * * * نـهـرب أين؟ لا تسل عصبتنا عن مهرب رَحْـبٍ كـما أرواحنا النشوى من التوثب نـجـري إلـى سبح بماء عكر مضطرب مـاء مـن الـطين ومن حشائش وقصب لـلازورد فـيـه لـون خـشـن كالقنب لـكـنـنـا نراه أصفى من دموع السحب يـا ماء قد عدت إلى طينك هذا المطرب.. نـهـرب أيـن؟ لا تَـعُـدّ حيلاً وتحسب فـفـي الـكـروم ما تشاء من لُهَى ولعب فـيـهـا الزرازير التي تقنص دون عطب نـقـنـصـهـا سـليمة، رفيقة في اللعب مـن بـعـد تعليم لها ليس يرى في الكتب مـن يـك زرزور لـديـه جـيدُ التدرب يـحـسـده كـل أبعد من صحبه وأقرب حـسـبـك أن تـعلم علم الطائر المدرب تـطـلـقـه، يـطير ما شاء، فلا ترتعب لأنـه الـعـائـد مـهـمـا يبتعد يقترب ولـلـغـراب طـرقٌ إن تـتبع لا تَخِبِ فـهـو نجيب مثلما الزرزور: صِدْ وجَرِّب تـجـده إن تـصبر عليه في الشداة النخب وبـعـد ذا يـقـال إن متعاً في المكتب؟! روحـوا العبوا بعقل غيري، فأنا من "إدلب" لا ولـد مـن بـلـدة كـبـيـرة كـحلب لـم يتركِ الدرس وفي كرومنا لم يضرب! * * * ويـكـبـر الـطفل على الكروم والتهرب يـصـبـح في شوق إلى الدعاب والتحبب وشـامـةٍ فـي الـخد تحت مفرق معقرب ومـطـرف مـهـفـهـف ومبذل مقصب وسـهـر فـي الليل حتى الفجر في ترقب إن يـنـجب الليل وكان الليلُ خيرَ منجب لابـد مـن جـنـيـة تشق جوف الغيهب وتـرتـمـي فـي حضنه قائلة: عليك بي خـلـقـتُ من نور ونار فاستضئ والتهب هـا هـو ذا حصان أهلي مثل ثلج أشهب يـحـمـلنا إلى قصور في المدى المغيب جـدرانـهـا مـن دهـش وحـلم ورغب هـذي قـصـور قومنا الجن وأملاك أبي وهـو الـذي أعـجب منك بالمحيا الطيب وهـو الـذي أرسلني قال: هلمي فاخطبي هـواكِ مـنـذ أنـت بَغو طفلة لم تكعب.. واسـتـأنـفت تقول في محبة لم تنضب: "هـذا الذي كان حبيب القلب، لا تستعجب. إنـيَ أهـواك فـقـلب الجن كالإنس حُبِي بـسـورة الـخـمرة إما ثرثرت بالحبب" وقـالـت الـبـلدة في سخرية: "لا تسهب شـبـب بـنـيَّ بالندى والورد إن تشبب وحُـلَّ مـا شـئـتَ من الأحلام ثم ركب فـنـصـفُـك الجني لن تراه إن لم تجلب ما يكسر الصلب.. فلا تكسر عظام الصلب انـسـب بـمـن تشاء ما تشاء أو فانتسب شـبب وأنشد، لا تخف، لنرجسٍ أو طحلب أمـا الـوصـال فـهو حظ ثعلب وأرنب عـروسـه ليس لها غير الهوى من مطلب أو جـالـس عـلـى تـلال فضة وذهب وحـظ مـن خـلا وِفـاضاً مهنة الترهب! فـيـم أدِّكـاري عـالماً ما زال بي معذبي ولـم أزل أحـبـه عـلـى مرير الوصب ولـم أزل أحـلـم أن يرقى متون الشهب؟ رجعى إلى المغرب يا مغرب ما فعلت بي: تـبـعـت في الرباط بنتاً مثل غِرْدٍ أزغب تـحمل فوق رأسها العجين.. يا دين النبي: أهـذه الـعـادة مـا تـزال لـم تـستلب ولـم يـزل خـبز الفقير والغني المغربي دقـيـقـه مـن قمحه لم يُستعَرْ أو يُجلب؟ وضـحـك الخباز من هذا المسن العجب، وقـالـ: في عمري لم أبصر بشيخ يحتبي بـروح مـن لـم يبتعد من الصبا أو يشب عـلـى فضول هو من دأب الصغار متعب وأطـرقـت بـنـيـتـي في خفر منتسب إلـى حـيـاء هـو مـن جـداتها محتقب وكـان عـن يـمـيـننا سبيل ماء أعذب جـدرانـه مـن الـرخام بالنقوش القشب وفـيـه آي مـن كـتاب الله أو قول النبي تـدعـو لمن أهدى ومن حسا بخير مشرب * * * يـا مـغرب الخيرات والنعمة أنت مغربي أيّ مـغـانـيـك الحسان مهجتي لم يَخلب أيَّ مـكـان فـي رباك الخضر لما يطب قـلـبـي لـلـحب وروحي لقديم مأرب: وصـل الـذي أنـبت ورث من قديم سبب سـبـحـان من وحدنا من مشرق لمغرب هـاك اعـترافاً: زورتي كانت لهذا الطيب زورتـي الأولـى عـلـى شوقي والتذوب وفـرحـتـي بالخل ألقى وجهه عن كثب كـأنـنـي ولـدت فـي حماة لم أغترب ولـم أطـف بـغـيـر بستان له وسبسب لـقـد تـعـرفـت الأغاني ورفيع الأدب وعـلـقـت روحـي ثرى جنينة وسهب نـاصرت لاعبيه في الشارع أو في الملعب نـقـرت عـن أصالة الوجدان لم نُخرّبِ بـرغـم وثـب مـسـبع مستنمر ومذنب سـئـلت: هل كان لما شهدته في المغرب مـشـابـه من بلد في الشرق كان منشبي كـان غـنـيـاً بـالسماح والمنى والنشب وكـان.. اسـكت لا تكن صناجة التذبذب! مـا كل من يخطب يعني دردبات الخطب شـقـشـقـة بِحَسَب تخفي خُمول الحسب قـد يـدعـي الـنـسبة للنبي أعداء النبي ويـدّعـي لـتـغـلب العتيق مولى تغلب إن الأصـيـل رافض الخراب من مخرب يـقـول عـن شيخوخة تأصلت في يعرب وهـو الـذي شـاخ ولـم يرشد ولما يُلببِ * * * يـا وطـني المطحون بالدخيل والمغتصب يـا أيـهـا الـمطعون في مهجته بمخلب أغـمـدْه كـالـخنجر في الوالغ والمجلبب بـالـكـذب من منبته الدنيء حتى العقب هـبَّ إلـى ثـأرك يـا جـريحنا لا تَهَبِ قـطـعـانه ليست بجيش في الصدام لجب لـكـنـهـا الكلاب تشفى بالردى من كَلَب ربـرب هـذا المغرب الكريم كان ربربي وسـعـده سـعـدي ومـا يُنَبْ بشر أَنُبِ وأرضـه هـي الـشذى وبكر زبد الحلب تـنـبـت كـل شـجر من نخل وغَرب مـن كـسـتـنـاء ماس من لدانة وقبب إلـى مـلاح الـشوح والبلوط بين القبقب هـذا الـذي نـعـرفه من صفحات الكتب لـكـنـنـا لـم نـره قـط ولـم نحتطب إنّـا رأيـنـاه هـنـا مـكـتـحلاً للهدب فـشـاقـنـا وزادنـا مَـيْلاً إلى التشبب لـم أك بـالـمـغرب بالجار البعيد الجنب بـمـقـلـة الرضى أراه فأرى ما يستبي رجـالـه همو الخميس في الوغى لم يغلب أطـفـالـه انـظـرهمو في غزة والنقب يـهـدمـون مـا بـنى العدو من مخرّب ويـرسـمـون الـغد دون كلمٍ مصطحب مـثـل الـطـبـل لا يفزعك إن يدردب وفـي وريـف الـسلم هم زينة كل موكب ولـلـنـسـاء رونـق لـيس لوجه متعب فـي الـغـرب قد أنهكه نُوابُه في كوكب مـهـدد بـالـهـوج مـن رياحه والنكب سماؤه أيضاً هي الأحلى وعجب والمعجب والـشهب في خضرائه ليست ككل الشهب شـهـب السوى من فضة وهذه من ذهب والـديـن عـنـد أهله خلا من التعصب ديـن كـمـا الـهواء والزاد لجسم سغب يسري سرى الدماء في العروق أو كالعصب مـا أحـد يـقـولـ: إنـي صائم فرحب ولا تـقـصـر بـدلالـي وافتتن وأحبب مـا أحـد بـعـابـس كـلا ولا مـقطب بـل نـاعـم بـطـاعـة الله وبـالتقرب يـا أيـهـا الـمغرب يا مأمل كل عربي.. شُـعّ لـنـا فـي أفقنا الحزين، لا تحتجب وثـب بـنـا إلى مدى من المروءات ثب فـالـخـيل حمحمت وآن اليوم آنُ مطلب تـصـلـى لهيبه القرون من أسى وحرب وغـربـة فـي مـذهب ليس لنا بمذهب وهـجـرة لـقـومنا عن الحمى المغترب يا مغرب الغد المضيء السمح أنت مغربي |