عُنواني الدائم...

عُنواني الدائم...

شعر: د. محمد وليد  

في يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من شهر يوليو تموز 1997 كنا في وداع زميلنا الدكتور سعد فهمي الذي غادر مستشفى بخش في جدة ليتفرغ لعبادته الخاصة في الإسكندرية بين أهله وذويه.ووفاءً لحق الصداقة والزمالة دعاني لزيارته في مصر وأعطاني عنوانه الدائم في الإسكندرية، وطلب مني أن أعطيه عنواني الدائم؟ وقد كان لسؤاله البريء وقع الصاعقة على نفسي.. ومتى كان للمهاجرين في هذه الأرض عنوان؟

عنواني الدائمُ؟

عنواني؟

أو تسألني عن عنواني؟

يا ويح العصر..

وويحَ قوافل هذا العمر..

وويحَ فؤاديَ وجَناني..

*  *  *

عُنواني الدائمُ تطلبهُ؟

ما أعجَبَهُ مِنْ عنوانِ!!

عُنواني يَسكنُ بين النهرِ

وبينَ الحَوْر..

وبين تحدي ظلم العصر

وبين سُطور الأحزانِ..

*  *  *

عُنواني طيرٌ بَحري..

يَشكو من هجرِ الشُّطآنِ..

وَمَحارةُ حبٍ هائمةٌ

تاهتْ في شُعَب المَرجانِ

أُضمومُة وردٍ ذابلةٌ..

تشتاقُ لِعَودة نيسانِ

وقصيدة حُبٍّ غاضبةٌ..

تَزأرُ في وجهِ الطّغيانِ...

عُنواني يُبحرُ فوقَ الموجِ..

وتحت الموجِ..

وفوقَ المَدِّ..

وتحتَ الجَزْرِ..

وعند صخورِ الخُلجانِ..

لا مرفأُ أبدأ يقبُلهُ..

كي يرسو عند الشطآنِ..

*  *  *

عنواني غادرَ مَسكنه..

قد هاجرَ يحلمُ بالثوراتِ.. وبالجنّاتِ..

وبيتٍ بين شعاعِ الشمسِ..

وضوءِ البدر النُّوراني..

قد هاجرَ يحلمُ ببلادٍ..

تسمو بحقوق الإنسانِ..

وتدين بشرع الرحمنِ..

ما زال يُحلِّقُ في الأجواءِ

ويَسبرُ أغوار الأعماقِ..

يُجدِّف بين النيرانِ..

*  *  *

عنواني يبحثُ عن بيتٍ

عنواني يبحثُ عن وطنٍ..

حٍُرٍ.. أهواهُ ويَهواني..

*  *  *

عُنواني يصحو وَسْط ظلام الليلِ..

يَجوبُ الأرضَ..

ويركبُ خيلَ الحُلْمِ..

ويَصهلُ فوق بيوتِ الشام..

يُقبل عِطر الغُوطةِ..

يَرقُدُ عند حقول المُشْمُشِ..

يقطفُ زهر اللوزِ..

ويسقي وردَ الجيرانِ..

يا سعدُ أتطلبُ عنواني؟

عنواني الدائم يا سعدُ..

في عُمُق الهمِّ الإنساني..

وإذا ما سِرتَ بهذا الكون..

ولاح بقلبِ الظلمة نورٌ..

يَهتِكُ ستر الليل..

ليولدَ نورُ الفجر...

يُفَتِّحُ ورقَ الوَردِ..

ويعصرُ قلبَ الشَّهدِ

ويعقدُ حبل الوُدِّ الرَّوحاني..

فاخْشع للنورِ وخالقه..

واضمُمْهُ فذلكَ عنواني..

*  *  *

وإذا أبصرتَ رؤى طفلٍ..

عند المرفأِ..

يحملُ طهرَ الموجِ..

وعمقَ البحر..

وصحو البحرِ..

وصحو الفجرِ..

فقبل عينيه طويلاً..

واحضُنْه فذلك عنواني

*  *  *

عنواني يقطن بين سطور العِزِّ..

وبين تراثِ المجدِ..

وبين رماح الهندِ..

وبين شعابِ الإيمانِ..

وتراه هنالك مَحفوراً..

في قلب الصخر..

بِظفر الصبر..

ونبض القلبِ..

وبَوح الحُبِّ..

وفي أشعار الرُّكبانِ..

*  *  *

يا سعد أتطلبُ عنواني؟

اِغفر لي يا سعدُ جحودي..

ما كان جحودي من شأني..

إني لا أملكُ عُنوناً..

عنواني الدائم خِلاني..

عنواني فُلْك من أملٍ..

قد أبحر عبرَ الطُّوفانِ..