أَنَّى الفِرَار

د. محمد ياسين العشاب - طنجة/المغرب

[email protected]

سَئِمَ الحياةَ وعَافَهَا وتَوَارَى

قلبٌ لَكَمْ أَهْدَتْ إليهِ صَغَارَا

ما بالُها لا تَسْتَقِيمُ على هُدًى

ما بالُها تُرْدِي النفوسَ جَهَارَا

تَغْشَى السَّعيدَ بحُزْنِها حتى يُرَى

يَحْيَى وقد أضْحَى الظَّلاَمُ سِتَارَا

مِحَنٌ هِيَ الأطوادُ مَلَّ عَذَابَهَا

مَنْ شُتِّتُوا في العالَمِينَ حَيَارَى

حَفَّتْ بِهِمْ ظُلَمٌ فما عَرَفُوا بها

نورًا ولا رَشَدًا ولا أسرارا

وأَشَدُّ ما يُصْمي الفؤادَ مَتَاهَة ٌ

للعيشِ تَسْقِيهِ الضَّنَى مِدْرارَا

ما مِنْ مَشَقَّتِها فِرَارٌ يُرْتَجَى

أَوَ يَرْتَجِي عَبْدُ الحياةِ فِرَارَا؟

مَلأَ الفضاءَ ضَجِيجُها حتى غَدَا

لَيْلاً، وما بَرَحَ النَّهَارُ نَهَارَا

أَنَّى الفِرَارُ وما لِعَانٍ رَاحَةٌ

ومَرَامُهُ مِمَّا شَجَاهُ انْهَارَا

أَنَّى له وفؤادُهُ مُتَوَقِّدٌ

لَوْ زَادَهُ مَاءً لَزَادَ أُوَارَا

أَوَ كُلَّما رَامَ النَّجاةَ بدا لَهُ

في الأُفْقِ بَحْرٌ يَحْمِلُ الأَخْطَارَا

أَنَّى لِعَانٍ أنْ يُوَاجِهَ مَوْجَهُ

أَنَّى لِعَانٍ أن يَخُوضَ بِحَارَا

إنْ أَغْرَقَتْهُ شُجُونُهُ في يَمِّها

وخِضَمِّها الطَّامِي قَضَى مُحْتَارَا!

*  *  *

ما بالُنَا نَقْضِي الحياةَ بأَسْرِهَا

في حَيْرَةٍ نَتَرَقَّبُ الأخْبَارَا!

والأرضُ تَغْلِي بالحَوَادِثِ لا تَنِي

مِنْ شَرْقِهَا للغَرْبِ أَضْحَتْ نَارَا

حَمَلَتْ على الكربِ النُّفُوسَ فأَصْبَحَتْ

لمْ تَلْقَ غيرَ أسى الحياةِ خِيَارا

وتَعَقَّبَتْها فاسْتَذَلَّتْ عِزَّهَا

وكَفَى بِهَا لِمُعَذَّبٍ إنْذَارا

إنَّ الْمَوَاجِدَ إنْ تَثَاقَلَ حِمْلُهَا

سَلَبَتْ مِنَ العاني هُدَاهُ فَحَارا

ما كان أَتْعَسَ أنْ تَضيعَ فضائلٌ

مِنْ هذه الدنيا سُدًى وخَسَارا

كُنَّا بها تَعْنُو الحياةُ لِعِزِّنَا

واليومَ صِرْنَا للحَيَاةِ أسَارَى

*  *  *

يا أُمَّتِي أَضْنَاكِ كُلُّ مُدَاهِنٍ

أهْدَى إليكِ عُيُوبَهُ وعِثَارا

وهَجَرْتِ نُورًا كَمْ سَمَوْتِ بفَضْلِهِ

وسَأَلْتِ مَنْ ظَنَّ الظَّلاَمَ مَنَارا

ومتى أضاءَ الليلُ أو رَفَعَ الأسى

أُفُقٌ تَدَثَّرَ بالسَّوَادِ شِعَارا

نَسِيَ المَكَارِمَ كُلَّها، ولَطَالَمَا

جَعَلَ المَكَارِمَ والفَضَائِلَ عَارا

وأَشَدُّ ما يُضْنِي فؤادِيَ أنَّها

ظَنَّتْ خَصَائِصَ أصلِهَا أَوْزَارا

وتَحَكَّمَ الأوغادُ في خَيْرَاتِهَا

وأَحَلَّتِ الأَشْرَارَ لا الأَخْيَارا

والظُّلْمُ يَعْقُبُهُ الدَّمَارُ فَحَاذِرِي

يومًا تَرَيْنَ به الحياةَ دَمارَا

إِلاَّ تَعُودِي للرََََّشَادِ و تُقْبِلِي

صِدْقًا على الرَّحْمَانِ زِدْتِ صَغَارَا!