من قصائدي القديمة

من قصائدي القديمة

أ. د. فاروق مواسي

[email protected]

ثمة قصائد تتكهن أو تتنبّأ أو تستشرف قالها شعراؤنا لينبهوا أو ليحذّروا، والشعراء لديهم "مجسات" استشعار، يبحثون عن الأجمل والأمثل لهم ولمن حولهم، يحفزون الهمّة، ويبحثون عن الخلاص.

هذه القصيدة تذهب في رأيي إلى هذا التوجّه، فجعلت من لقيط الإيادي قناعًا للتعبير.

لقيط الإيادي كان كاتبًا عربيًا في ديوان كسرى، وقد لاحظ لقيط أن كسرى يعدّ العدة ليهجم على بني إياد قبيلة الشاعر، فيرسل لهم رسالة مطلعها:

ألا أبلغ إيادًا وخلِّلْ في سراتهم *** أني أرى الرأي إن لم أُعْْصَ قد نصعا

ألا تخافون قومًا لا أبا لكم **** أمسوا إليكم كأمثال الدَّبى سَرَعا

تقع القصيدة في يد كسرى، ويدفع الشاعر حياته ثمنًا لها.

وبقيت القصيدة منذ القرن السادس الميلادي، وما أجملها.

كانت القصيدة القديمة مدعاة لأن أقول:

.....................................................................

العَوْدَةُ إلى حِكايَةِ لَقِيطْ

سَوْطُ حَظِّي ذابَ في حَرْفِي مَشَقَّهْ

دَلَّني دَرْبًا خَفوتَ الأُخرَياتْ

كانَ في دَرْبِيَ خَصْمًا

يَدُهُ َزْرقاءُ

لَفَّها بين الثَّنايا الواجِماتْ

حِقْدُ سِكِّينٍ تَلَظَّى

(وَقعُهُ خَلْفَ العُيونْ

كادَ أَن يَغتالَ رِقَّةْ)

- بعضَ صَبْرٍ بَعْضَ تَأساءْ!

       ***

الدَّبَى أَمْسَوا سِراعْ

والإيادي لا يُجابْ

قومنُا وُقْرُ السَّماعْ

- أَينَ شَهْمٌ جاهِدٌ رَحْبُ الذِّراعْ

يَبْذُلُ النُّصحَ بلا غِلْ

(قَدْ أبَنْتُ النُّصْحْ)

يَسْتبينوا النُّصْحَ بَعْدَ الذُّلْ؟

- أيْنَ شَهْمٌ جاهِدٌ رَحْبُ الذِّراعْ

يَبْذُلُ النُّصحَ بلا غِلّ

يَمْزُجُ الأشْواقَ بالأشْواكْ

في سَماءٍ أَرْيَحِيَّهْ

في أراضٍ عَبْقَرِيَّهْ

عُمْقَ تَسبيِحِ الرُّؤى

عَبْرَ تمزيقِ السُّدودْ

يَسْكُبُ المَزجاتِ غَلَّةْ

يَجْمَعُ الأحْزانَ فُلَّهْ

كادَ يَسْقينا البِحارْ

في روابي ثأرنا نَهْلَهْ

أَينَ شَهْمٌ جاهِدٌ رَحبُ الذِّراعْ ؟

                              ***

ظَلَّتِ الأسفارُ تَذروني هَزائمْ

                وَتمائمْ

وَطَفَتْ في جَبْهَتي كُلُّ الظِّلالْ

               والدُّوارْ

واستَفَقْتُ اليومَ في عِزِّ النَّهارْ

كنتُ مَخذولاً كعبدِ اللَّهْ

(صَغيرِ الأنْدَلُسْ)

ساعةَ التَّرحيلِ لاحْ

بَعْثَرَتهُ النَّكْسَةُ الشَّوهاءْ

في دُموعٍ رَغْمَ أنْفِهْ

واسْتَفَقْتُ اليومَ في أبهى صَباحْ

واشْرَأبَّتْ جَبْهَتي

نَبْضُها عادَ بِمَوجْ

سِرُّهُ أعْتى جِبالْ

.......................................

من ديواني الأول "في انتظار القطار". نابلس: جمعية عمال المطابع- 1971، ص 20.