الحسين صديقاً

عصام الدين محمد أحمد

أتعبني المشوار،ازدحمت غرفتي بذكريات النساء والخمر.

 أتسمعني يا أمام؟

أترضى بصداقتى؟

لا أظنك تقبل!

لم أجد ونيسا،أتشاركني الشاي؟

اختر المقهى الذي يعجبك،لن أدوشك،سألتزم بالسكون.

احك لي عن يزيد،بل سأترك لك حرية اختيار الموضوع.

الناس يقولون أنني معتوه وفاسق وقليل الأدب،هكذا أُوصف لتعرف حقيقتي ولا تندم علي التبسط.

الحيارى والمساكين يفترشون رصيفك،يبيعون السبح والعطور والطراطير والطبول،يستأنسون بك،يعتقدون أنك واحد منهم،وأنا أستودعك آثار جريمتي،فأصحاب المقام الرفيع يطاردونني،يقولون إن لساني زالف ويجب قطعه.

ألوذ بك هرباً من واقع ضبابي.

حركة بطيئة لشاب،بخور المسك يتسلل إلى أنفي،همهمات وخشوع،صوت يردد:

مدد

بنبرة منحبسة أهذي:

"تهزمني الكوابيس كل مساء،تركل النعاس،أختبئ خلف الساتر الترابي،رفست السيارة الرمال،تحاصرني كالنحلة،أتسلق الكومة،أفاجأ بالذئب متربصا،أهبط كالصاروخ،العربة تسخر من حركتي المتشبثة بأهداب الحياة،أنكفئ علي وجهي ،تتدلي رأسي بين ركبتي،استهلكني الوقت المأزوم."

قل لي بعضا من دلالات التفسير،سيارة وذئب وسد ترابي ومطاردة.

ارحمني يا شيخ وقل شيئا.

رجل في ملابسه الخشنة يدفعني،ألتفت قائلا:

حاسب.

أمارات الجد تكسوه،ينهمك في البحث عن شيئ،قال:

ساعدني لإيجاد خاتم ضاع منذ سنوات.

أردد في سريرتي:

ما بال هذا العبيط،أشت الناس؟

وكأنه قرأ ما جال بذهني،فلكزني قائلا:

هذا الخاتم مزدان بفص عقيق.

شكله الخارجي ينم عن نزوحه من الصعيد،دماغي يا ناس،الكهرباء تمس جسدي،أرتعش،أنتفض،يريم فمي،آه..آه..ياخلق يا هوووه:

"رميت بجسدي الناحل في بطن القطار،في العربة أكتاف،وأذرع،وقفف،وأقفاص،وأبدان لا تحذر الاحتكاك،أحشر الشنطة المصنوعة من شكاير الكيماوي أسفل الكرسي،زمجرت القاطرة،تلاكمت العجلات مع قرني الأرض المتوازيين،يتطاير الشرر،يهتز كاهلي بعنف،حائط القطار أوجعني بعصاه،الريح تلوي شواشي الذرة،الفلاحون العائدون ينكسون رءوسهم،أفول القطار يجر في ذيله السهر والحكي،الشفاه يابسة،الوجوه مكشرة،جلدي متيبس،وكأنهم يسحبونني إلي المشنقة،وكأنهم يغررون بي لهتك كينونتي،أسياخهم تكويني،حديدهم المنصهر يبخرني،نار..نار."

أفتح عينّي،أجدني في حجر رجل الملابس الخشنة،تستردني الحياة،يقطر فمي ببق مياه،الدماء تدور في عروقي،لطع الصقيع تلتصق بالساق،أرتجف:

"ستي حميدية تحتويني في صدرها،تمسك بيدها اليسرى ورقة،وباليمني مقصا،تقص عروساً،وأنا بين ذراعيها مبلول بخوفي،تركن المقص أسفل ساقها،تفلت الأبرة من طرحتها،تشكشك العروس بالسن،تفّقأ مئة عين وعين،عيون الجد والجدة والعم والعمة والأب والأم والأخوال والخالات والأخوة،وكل من سمع اسم النبي ولم يصل عليه،تقرأ المعوذتين،توسدني الأرض،تشعل النيران في العروس،تلطخ جبهتي وخدي بالهباب. "

طال غيابي أم قصر،لا أدري!

المخاوف العنكبوتية تسطو علي راحتي،لم يغادرني الشيطان منذ أمد،هيئته قبيحة،مزوقة بمكياج داعر تارة ومحافظ الأخري،يميت كل من يلمسه،هكذا ظننت،ماذا تريد؟

لم يجبني،مخالبه تقترب مني،أنكمش خلف جروحي،أتصدق أنني جريت خلفه في الحواري،أهدده،يستغيث،وينقذه صحوي من نومي.

ماذا فعلت حتي أظل مطارداً؟

أخبط رأسي في الأرض،صراخي يتوالي،شاب الجلباب الأبيض يقول:

في أحلامنا دواخلنا.

قاطن الجلباب الخشن يستأنف:

ألم يجد أحد خاتما؟

الأرض جافة،أردد بشكل هستيري:

لن تهزمني أيها اللعين.

سأبلل قطنة بالسبرتو الأبيض،سأرش أنفي بنقطتي الكولونيا،ألا تكفيني سكرة مناجاتك؟

والآن قل لي لماذا قتلوك؟

والناس لماذا تخلوا عن نصرتك؟

البيت والناقة وكرم النخيل ثمنهم تسليم رقبتك للسياف.

آسف يا برنس فأنت في ساحة القتال استشهدت.

ربما تكون معلوماتي غير دقيقة،للفول المدمس وظيفة مسح الذاكرة،ملعقتا فول بالزيت الحار أشد فتكا من زجاجة مية النار.

أراك ظمآناً،وجنود يزيد يحاصرونك،قتلوك.

أجريت الخيل عليك؟

أدهكوا جسدك؟

لماذا السفر في الزمن؟لماذا التذكر؟وكأن من وظائف التاريخ الإيلام!

أُوضع رأسك بين يدي يزيد في طست؟

أقلب ثنايا الرأس بالقضيب؟

أأعمي الصولجان يزيد عن حرمتك؟

ازدحم المقام بالزوار،الهسيس والحفيف والدعوات يعزفون موسيقي الابتهال.

هاأنت تجد جعبتي فارغة من سهام الشكوي،سأغادر وأسافر بين الأنام،لعلي أشتري سهاماً أخري،ولعلك لا تنصت لي كالعادة.

معذرة يا سادة ،ألم يلمح أحدكم حذائي؟

وسوم: العدد 841