عصفور

طار في ليل العاشرة الذي يلونه نور قمر لم يكتمل في أفق الشرق ، وتهيم فيه بعض الغيوم   . فرح بسلامته وحريته . لم أعلم اتجه يمينا أم يسارا . أينما اتجه سيبيت ليلته آمنا . في اليمين بستان زيتون خلف سور يوازي الطريق ، وفي اليسار مزارع باذنجان وملوخية وبامية، وفي البستان والمزارع ماء وغذاء وظلال ، وأمان قد تهدده أحيانا بعض القطط القليلة التي تبحث في الشجر والمزارع  عما تأكله  ، لكنه يظل موفورا . عندما بارحت مكان العمل لقيته يطير متخبطا في ممر الدور الحادي عشر من البرج قريبا من المصعد . بدا مرهقا فزعا . لا ريب في أنه سلف عليه شيء من الوقت في هذه الحال السيئة .

. كيف انتهى إلى هذا المكان ؟! لعله ولج من النافذة الغربية لعتبة الدور العاشر ، واندفع إلى ممر الدور الحادي عشر . أمام النافذة فلل في بعض أفنيتها الأمامية والخلفية شجرة أو شجرتان من شجر الظل والزينة أو الثمر . ربما  قدم من أحد تلك الأفنية المشجرة . بيئة لا تلائمه مهما صلحت . لم يطل فراره مني . انحشر في زاوية الممر الجنوبية ، فأمسكت به . زقزق فزعا . أين سأحرره ؟! لا مقام له في المدينة ولا حياة . دسسته في جيب خال من الحقيبة الرباعية الجيوب ، واستبقيت جزءا من الجيب  مفتوحا حتى لا يموت مختنقا . لا أعلم له اسما محددا وإن رأيت صنفه  من قبل . ليس مهما . الأهم أنه الآن في أمان . في بيئة حاضنة حانية . شجر وماء وغذاء . كان غريبا في المدينة الحجرية القليلة الشجر . زلته انتهت به إلى البيئة الصواب . في الثامنة  من صباح اليوم التالي رأيت عصفورا من نفس فصيلته بين شجيرات الباذنجان في يسار الطريق . أيكون هو ؟! ما من سبيل للجواب إيجابا أو نفيا ، والمؤكد  أنه سعيد في هذه البيئة ،  وأنني سعيد لسعادته .

***

سمعت صوت سيارة خلفي ، فالتفت ، كانت سيارة جاري زيد . ركبت جواره ، فقال :

رأيتك وافقا تنظر إلى الباذنجان !

فحكيت له حكاية العصفور ، فقال : وما أدراك أن له عشا في المدينة ، فتكون حرمت صغاره من رعايته ؟! ستموت جوعا . رب قاصد نفع ضر .

وسوم: العدد 875