حي الصالحية وحي المهاجرين في دمشق..

 حكاية الصالحية

بعد الحرب الروسية على الدولة العثمانية، قصد دمشق عدد كبير من النازحين من الأرجاء العثمانية التي هجر الروس أهلها.. واتجهوا جميعا إلى حي الصالحية المشهور باستضافة اللّاجئين.. فوفده أولا نازحون شركس سنة 1864، ثم من البوسنة والهرسك وألبانيا سنة 1890، ثم من الروملي في بلغاريا سنة 1896، ثم من كريت سنة 1900، ثم من البخارية سنة 1917، ثم العائلات التركية من الموظفين الذين آثروا البقاء في سوريا بعد 1919.. واستمر توافد النازحين إلى حي الصالحية ولم ينقطع حتى الحرب العالمية الثانية حين وفد عليه يونان وقبارصة وألمان فاستقروا فيه..

في عام 1895 رأى الوالي العثماني ناظم پاشا أن سيل النازحين دافق لن ينقطع.. فاستأذن الپاشا الفريق "صادق المؤيد آل عظم" أن يستعمل أرضا له على الشرق من الصالحية لإسكان النازحين.. فتبرع المؤيد پاشا بأرضه وصارت تسمى البيوت فيها حي المهاجرين.. ولكثرة ما اشتغل الوالي ناظم پاشا بحي المهاجرين الجديد بنى فيه مقرا للإدارة العثمانية أقام فيه، وهو القصر المشهور اليوم باسم قصر المهاجرين.. وركز الوالي كل جهده آنذاك لمساعدة اللاجئين على الاندماج في بيئة دمشق سريعا وبيسر، فلا يكون اللجوء باباً لمشاكل جديدة، إنما خدمة داعمة لنهضة دمشق ومنفعتها..

خلال القرنين 19 و20 نما في حي الصالحية واحد من أهم أسواق دمشق.. وهو سوق كان يتداول فيه الناس يوم الجمعة بالمداكشة، أي بالمقايضة والمبادلة، وليس بالمال.. فقد تجد نفسك في هذا السوق تبادل أرضك ببيت في مدينة غير دمشق، وتتخلص من الفائض في بيتك بمداكشته بما يلزمك.. واشتهر هذا السوق لأن الفقير المعوز دائما ما يفلح في تجارة فيجد ما يأكله في آخر النهار، وكل ما عليه هو العثور على شيء يستحق المداكشة، ثمّ يفلح بالمفاصلة، أي التفاوض التجاري..

وينبغي التمييز ما بين حي الصالحية، وحي طريق الصالحية في دمشق.. فالأول هو الحي على سفح قاسيون بعيد نسبيا عن دمشق القديمة، أما الثاني فهو حي تجاري نشأ نهاية القرن 19 للتجار المتعاملين بالتجارة الإنگليزية ما بين دمشق وحي الصالحية حيث كان وادي عتمة..

ولحي الصالحية ومدينة دمشق قصة عاطفية طريفة يتداولها الناس حتى اليوم بصورة أهزوجة مسرحية شهيرة جدا بين الناس.. إذ أن فتاة دمشقية تزوجت برجل صالحاني وأقامت معه في بيت أهله في الصالحية.. لاحقا وبسبب خلاف لا يد للزوجين فيه، سحب أهل الفتاة ابنتهم من بيت زوجها إلى دمشق مقاطعة لأهل الصالحية..

الزوجة الوفية لحبيبها، وقد اشتاقت، كسرت مقاطعة أهلها وخرجت بنفسها دون متاعها تقصد بيت زوجها في الصالحية بشجاعة.. وكانت طريق الصالحية آنذاك بساتين لا بيوت ولا أسواق فيها، اشتهرت باسم وادي عتمة، ذلك الوادي المحاذي لزقاق الصخر، طريق مرعبة على فتاة تسير فيها لوحدها..

تكرست الحادثة أهزوجة مسرحية تغنيها بنات دمشق في كل مناسبة، إذ يسأل الناس الفتاة: "لك صالحة! وين رايحة؟" فترد الفتاة:

"عالصالحية ومصالحة

لا تقولولي وينك يا صالحة

ما غمضت عيوني من مبارحة

لشوفة حبيبي أنا رايحة

جابلي وجابلي

يا ماما، جابلي"..

فيقول لها الناس مكررين:

"عالصالحية يا صالحة

لا تقولو وينها هالصالحة

ما غمضت عينها من مبارحة

لشوفة حبيبها رايحة

جابلا وجابلا

يا بابا، جابلا"..

فترد الفتاة للإقناع:

"حاكاني شي؟ لا والله

زعلني شي؟ لا والله

وأنا لعندو رايحة

عالصالحية ومصالحة"..

ويكرر عنها الناس:

حاكاها شي؟ لا والله

زعلها شي؟ لا والله

وهي لعندو رايحة

عالصالحية يا صالحة"..

و يسعد مساكم و أيامكم جميعها 

وسوم: العدد 955