حل وسط

محمد الخليلي

[email protected]

كان أبو محمد يذرع الممر الطويل جيئة وذهابا منتظرا بشرى الممرضة بمقدم  ابنه البكر محمد ، مردداً بينه وبين نفسه : نعم محمد لأن أباه اسمه محمد وجميع أصحابه ينادونه ياأبا محمد، وهل أجمل من اسم محمد(صلى الله عليه وسلم)؟

إن زوجه لها رأي آخر ،لكنه هو الرجل ومن حق الرجل تسمية ابنه وقد أحسن اختيار اسم ابنه الأول منذ أن أظهر جهاز السونار أن جنس الجنين ذكر .

ضغط على ورقة العشرين دينارا التي في يده والتي يعدها إكراما للمرضة التي ستبشره بالمولود قائلا لنفسه : المهم أن تقوم أم محمد بالسلامة وأظنها لن تتشدد بكنيتها (أم أسامة) .

كانت تنتابه وساوس شتى تذكره بخلافاته مع زوجه فيما يتعلق بتسمية المولود وغيرها من الخلافات الكثيرة بسبب عناد زوجه أم محمد وتشبثها برأيها في كثير من الأحيان،ولكنه كلما تذكر هذه المواقف غير المحمودة قال لنفسه : ليس هذا وقت عتاب واجترار للذكريات ،بل المهم أن يسلم محمد وأمه .

فُتح الباب فجأة وهمست الممرضة في أذنه :هات الحلوان يا أبا أسامة. أشاح بوجهه عنها موحيا لها أنه ليس الرجل المقصود فأردفت قائلة : أظنك ستتنكر لي وتبخسني الحلوان بعد أن ولد ابنك البكر أسامة وقامت أم أسامة بالسلامة . أجابها أبو محمد : من قال لك إنني سأسميه أسامة؟

الممرضة : أمه التي ولدته هي صاحبة الحق في تسميته . فهي التي حملته تسعا في بطنها كرها ووضعته كرها ، وان أعرَفُ الناس باعتباري عاملة في قسم الولادة عن الخطورة التي تعاني منها الأمهات ساعة المخاض . لاأرى ياأبا أسامة إلا أنك ستأكل علي َّ حلواني ، وأردفت (منك لله ياأبا أسامة) .

دس أبو أسامة القطعة النقدية ذات العشرين دينارا في جيبه الأمامي  وأخرج محفظته من جيبه الخلفي ودفع إليها بخمسة دنانير ،فالتقفتها متمتمة : أول مرة في حياتي أرى رجلا يُرزق طفلا ويتراجع عن الحلوان . فكل الذين تراجعوا سابقا كانوا ممن قد رزقوا بنات .

كان الشوق لرؤية نجله الأول يغمر قلبه ، حتى إن زوجه قد شغفه حب الاطمئنان عليها .

بعد ساعة فُتح الباب على مصراعيه وخرج السرير المتحرك يحمل زوجه فبادرها بالسلام قائلا :الحمد لله على سلامتك ياأم محمد، فأشاحت بوجهها عنه قائلة :بل إنني أم أسامة ، ولقد اتفقنا على ذلك قبل مجيئي للمستشفى ، انتهى الجدال ، كان يمشي بجانب السرير المتحرك والممرضتان تدفعان به في الممر نحو المصعد ، فأضاف قائلا :على أية حال سنتفاهم على ذلك في البيت .

قالت : لاتفاهم .

في البيت كان الجميع ينتظرون الخبر على أحر من الجمر .

قالت أمه : طمئني يا محمود عن ابنك محمد .

قالت أمها : كيف ابنتي ؟ وصغيرها أسامة ؟

وقف الرجل مشدوها ينظر يمنة ويسرة مرة إلى هذه وأخرى إلى تلك . ابتلع ريقه واستجمع قواه وهدأ من ثورته قائلاً : لاتحزنا ، سنسميه محمد أسامة .

تمتمت حماته قائلة : (إذا كان ولا بد فليكن أسامة محمد) .

وفي اليوم السابع حُلق شعر الصبي وذهب أبواه لتسجيله في السجل المدني  .

قال الموظف لوالده : مااسم المولود ؟

قال محمود : محمد أسامة .

قالت الزوجة  : ( بل أسامة حاف ، بدون محمد ) .

قال الموظف : وراءكم طابور طويل ، أرجو منكما أن تصطلحا على الاسم ثم تأتياني متفقين.

بعد مشاورات ومحاورات ومشاجرات في ردهات الدائرة ، رجع محمود إلى الموظف قائلا : لقد اتفقنا على حل وسط .

سأل الموظف : الحمد لله ،وما هو؟

قال : سنسميه أسامة .

ضحك الموظف ضحكة عالية قائلا: هذا ليس حلا وسطا ، بل هو حل من طرف واحد!!

صاح محمود في وجهه : نعم إنه حل الوِسِط ، وما أدراك ما حل الوِسْط ؟ ألم ترَ أن زوجتي قد أنهكت مني عِطفيَّ ، وأتعبت مني كشَحَيَّ ؟؟

شهر كامل ونحن في جدال وخصام حول اسم المولود .

نعم ، اكتب أسامة ، وهذا هو حل الوسط .

مشى محمود في دهليز الدائرة متجها نحو الباب الرئيسي وهو يتمتم بينه وبين نفسه : نعم إن الممرضة على حق ، فأنا لم أحمله كرها ولم أضعه كرها ...ولم .....ولم .....لذا فإن العقل يقول :إن التسمية من حق الزوجة .