أين الخلل؟

رسالة المنبر - ٥/ ١٠/ ٢٠١٨م

المحاور:

 يعيش الإنسان ويموت وهو يبحث عن سبب الأزمات والمشكلات التي تمر به، ويسأل عن الخلل.

 كلنا يجد بدل الإجابة إجابات على هذا السؤال الخطير، ولكن كثير منا لا يملك الجرأة الكافية أو القدرة المناسبة أو الفرصة المواتية للوصول إلى الحلول.

 يحاول المعتاشون على أزمات ومشكلات الآخرين صرف أنظار الناس عن الخلل الحقيقي أو السبب المباشر لمشكلاتهم وأزماتهم؛ ليتيه الناس في حلول وعلاجات وهمية أو ثانوية، تزيد الطين بلة والمرض علة.

 يحرص المفكرون المصلحون الناصحون لأوطانهم وأمتهم على تبصير الناس وتوجيه أنظارهم إلى الأمراض والأعراض .. ولا يكتفون بذلك بل يصفون العلاجات المناسبة، ويرشدون الناس إلى البدائل في حال ضاقت مخارج الأدوية الأصيلة أو غلا سعرها وعجز الناس عن تناولها.

 من بين عدد من أسئلة الحفريات عن جذور الأزمات والمشكلات لاكتشاف الخلل، يمكننا طرح ما يأتي من أسئلة .. ونضع بعض الاحتمالات المتعاضدة أو المتعارضة لأسبابها .. ثم نترك الإجابة لكل قارئ يجيب من زاوية نظره الكريمة، وهذه الأسئلة هي:

- ‏أين الخلل في نتاج أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هل هو في الرأس أم في القلب أم في سائر الأعضاء؟.

- أين الخلل في تحول أمتنا من مرتبة السيادة والريادة إلى الذيلية والصفرية، هل هو في المنهج أم في الممارسة والتطبيق؟!.

- ‏أين الخلل في ضياع مقدساتنا واستلاب حقوقنا وهتك أعراضنا وتشريد أهلنا وأسر إخواننا، هل هو في ضعف أحوالنا أم في قوة وتماسك أعدائنا؟.

- ‏ أين الخلل في عقوق وضياع أبنائنا والغش الذي تسرب إلى حجاب وذوق نسائنا وبناتنا، هل هو في غيابنا أم في ثقل حضورنا؟.

- ‏ أين الخلل في انتزاع البركة من صحتنا وأموالنا وأوقاتنا، هل هو في تكاسلنا عن الأخذ بأسباب الكسب المشروع أو في اعتمادنا على الأسباب بالكلية، أم في التساهل في تناول الكسب المشبوه والحرام؟.

- ‏ أين الخلل في إساءة الجوار وتقطيع الأرحام والميل إلى الاعتزال، هل هو في طيبتنا الزائدة أم في سرعة انفعالنا وعدم قدرتنا على استيعاب من حولنا؟.

- ‏أين الخلل في عدم استجابة دعائنا وشعورنا بعدم قبول أعمالنا، هل هو في خبث كسبنا وتركنا لنصيحة من حولنا أم في عجزنا عن إدراك آفاق رحمة وحكمة ربنا؟.

- أين الخلل في ضعف شعورنا بالأمن وتسرب الخوف إلى أرواحنا، هل هو من ضعف إيماننا ويقيننا أم أنه بسبب تسلط المستبدين والمفسدين من حولنا؟.

- ‏أين الخلل في كثرة النفاق في مجتمعاتنا، هل هو من شدة الجبن والخوف على أرواحنا وأرزاقنا أم أنه من كثرة الطمع في تحصيل مكتسبات تزيد عن حقوقنا؟.

- ‏أين الخلل في تسرب البدعة والشذوذ والإلحاد في مجتمعاتنا وجامعاتنا، هل هو من شدة نشاط أعدائنا أو أنه من ضعف أداء دعاتنا؟.

- ‏أين الخلل في ضعف خشوعنا عند تلاوتنا ودعائنا وصلاتنا، هل هو في عدم أدراكنا سبب مشروعية هذه الطاعات وأنها شرعت لرفع حوائجنا لخالقنا أم أنه بسبب تشتيت طاقة تركيزنا بكثرة الشواغل والملهيات حولنا؟.

- ‏أين الخلل في هرولة  زعمائنا في خدمة أعدائنا، هل هو في صدق ولائهم وانتمائهم لعالم الأعداء أم أنه مجرد جبن وضعف فهم أسود علينا وفئران على الأعداء.

- ‏أين الخلل في هجرة العقول من بلادنا، هل هي بسبب عجزنا عن احتوائها واستيعابها واحترامها وإكرامها أم لأنها تكبرت لما كبرت ولم تصبر بل جحدت من كان سببا في اكتشافها وتنميتها.

- ‏أين الخلل في الحال الذي وصلت إليه مناهجنا وبرامجنا، هل هو عقم التفكير وعجز الإنتاج لدى القائمين على إعدادها أم أنه توجيه مقصود لإنهاكها ومسخ رؤيتها ورسالتها.

- ‏أين الخلل في الحال الذي وصلت إليه جماعات وتيارات الصحوة، هل هو بسبب الاختراق المقصود من أعدائها أم أنه بسبب التنافس على لعاعات الدنيا والخوف من التجديد عند زعمائها.

- ‏أين الخلل في الحال الذي وصل إليه بعض النخب والعلماء، هل آمنوا بالباطل فنطقوا به أم ارتابوا في أمره فسكتوا عنه أم خافوا منه فلم ينصروا من أوذي منهم لأنه صرح أو ألمح بقبحه وبطلانه؟.

أزماتنا كثيرة كثيرة .. وأسبابها عميقة ومتشعبة .. والزمن أصبح جزء من المرض .. ولمعالجة الخلل ومداواة تلك العلل، لابد من:

١. الاستعانة المطلقة واليقين التام واللجوء الصادق إلى الحكيم القدير الخبير سبحانه.

٢. تحديد الرؤية وضبط البوصلة. 

٣. ترتيب أولويات العمل.

٤. الحذر الشديد مع الاستعداد للتضحية.

٥. المرونة في التعامل مع الفرص والتحديات.

٦. التمييز بين الأمراض والأعراض والتركيز على الأمراض. 

٧. إعادة توزين حجم الدار التي نسكن فيها قياسا على حجم الدار التي سنرحل إليها.

ويبقى القرآن العظيم والسنة النبوية الشريفة بمثابة كشافات عن أمراضنا وعللنا .. فمن تمسك بهما (حاكما كان أو محكوما) نجا وفاز، ومن أعرض عنهما هلك وخسر، قال تعالى: (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (الاسراء: 10). 

وختاما:

سنظل نحن الخلل (المشكلة والداء) إن لم نكن نحن الحل والدواء، وسنبقى نحن مصيبة أهلنا وأوطاننا وأمتنا إن لم نكن نحن الفرج والفرح وبوابة الأمل لهم وللبشرية كلها .. ونحن من نختار؛ إما إلى جنة وإما إلى نار.

وسوم: العدد 793