بومبيو : يحذر تركية من نتائج مدمرة لأي عمل أحادي في سورية

أين كان هذا التحذير يوم تدخل الولي الفقيه ويوم تدخل بوتين !؟

في لقاء وجاهي بين وزيري الخارجية الأمريكي والتركي ، يطلق وزير الخارجية الأمريكي تصريحا بل تحذيرا إلى نظيره التركي يفتقر إلى الدبلوماسية فيقول : إن على الجانب التركي أن يحذر من النتائج المدمرة لأي عمل أحادي في الشمال السوري .

إن التحذير أو التهديد الأمريكي الفظ والمباشر والمفتوح يشمل فيما يشمل أي فعل تركي يقتضيه الموقف للدفاع عن الأرض التركية والشعب التركي وليس فقط الأمن القومي في الجوار التركي .

وبعيدا عن مداولات الصراعات الفوقية عن منظومة ( اس 400 ) الروسية ، وعن ( اف 35 ) ومنظومة ( البتريوت ) الأمريكية يجب أن نستحضر في سياق هذا التهديد الفظ والمباشر إقدام الولايات المتحدة الأمريكية على تزويد ميليشياتها الإرهابية على الحدود التركية بالمزيد من الأسلحة ، لإدخال الخلل على المعادلتين المتعانقتين بحكم التاريخ والحضارة والعقيدة والجيوسياسة ؛  المعادلة القومية - الوطنية السورية والمعادلة القومية -الوطنية التركية .

ثلاث نقاط مهمة يجب أن نركز عليها في سياق هذا التصريح ( التهديد أو التحذير ):

النقطة الأولى : ليس جديدا ..

وإذا عادت بنا الذاكرة إلى 2011 و2012 ، وإلى المواقف التركية القوية المرتكزة على قواعد القانون الدولي ، ومبادئ حقوق الإنسان ، والتي كانت تحذر بشار الأسد وحلفاءه  من ارتكاب مجازر جماعية بحق الأبرياء السوريين ، وتحاول في الوقت نفسه أن توجد مخارج عملية لما صار إليه الوضع في سورية ..ثم تذكرنا إلى ما آل إليه هذا الوضع حتى شهر 12 / 2016 يوم سقطت حلب ندرك بالبديهة أن مثل هذه التصريحات (التهديدات والتحذيرات) قد وصلت منذ الأيام الأولى للقادة الأتراك ، لكي لا يقدموا على عمل يليق بدورهم وبمكانتهم وتقتضيه منهم قواعد القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار .

على المستوى الاستراتيجي كان هناك موقف دولي مريب وواضح أن الخمسة الكبار لا يقبلون فكرة تعزيز قاعدة التناصر الإسلامي . ولا يقبلون أن يزداد قائد مثل أردوغان مزيدا من الألق على المستويين العربي والإسلامي ، بحجم الألق الذي يتمتع به على المستوى التركي !!

وعندما أقدمت الدولة تركية على إسقاط الطائرة الروسية – حسب ما تقتضيه قواعد الاشتباك في إطار القانون الدولي ؛ تخلى الجميع عنها ، لتكتشفت فجأة أنه لا حلفاء الناتو  ولا القانون الدولي ولا مبادئ حقوق الإنسان يمكن أن تكون قاعدة حقيقية تبنى عليها العلاقات..

ومقابل التهديدات والتحذيرات الخفية التي كانت تصدر إلى تركية كانت التطمينات وعملية التفويض المطلق تصدر إلى بشار الأسد  من كل الأطراف : اقتلهم بكل سلاح ما عدا الكيماوي . كل هذا بعد أن فُرضت على الشعب السوري  معركة غير متكافئة ، وطلب منه أن يخوضها مكتوف اليدين كما هو شأن عبيد روما ، وذلك بحرمانه من الصواريخ المضادة للطائرات في معركة كان الطيران هو السلاح الفاعل الأول فيها...

النقطة الثانية في تحذير أو تهديد بومبيو :

نتساءل أين كان هذا الموقف الأمريكي إزاء التدخلين الأحاديين الإيراني والتركي؟!

ومن حق أن نسأل : كيف تتلقى تركية عضو النانو الأصيل مثل هذا التهديد أو التحذير من حليفها الأمريكي المفترض ولا تتلقاه دولة – تزعم الولايات المتحدة عداوتها في الليل والنهار – مثل إيران ؟!

أين كان وزير الخارجية الأمريكي ، ووزير الدفاع الأمريكي ، ووكالة المخابرات الأمريكية ؛ وحزب الله يسبق إلى التدخل الأحادي في سورية ، وأين كان كل أولئك والحشد الشعبي العراقي والفاطميون من الأفغان والزينبيون من الباكستانيين وغيرهم وغيرهم يتم تجييشهم تحت رايات : "يالثارات الحسين " من قبل قاسم سليماني الذي يزعم الأمريكيون أنه عدوهم اللدود ثم لا نسمع منهم همسا ..!!

هل فعلا أن الأمريكيين يصغون إلى " الأذن الأسدي " وهل أعطاهم بشار الأسد الأذن حقا لترسيم اغتصاب الجولان بعد عملية الاغتصاب الفعلي منذ نصف قرن ؟!

وإذا كان الروس وزعانف الصفويين قد دخلوا إلى سورية بإذن أسدي ، والأتراك لا يتمتعون بهذا الأذن ، فهل تمتع به الأمريكيون وقيادات ميليشياتهم وقواعدها من نزلاء جبال قنديل وسنجار ؟!

ومن الصمت الأمريكي على الدور الطائفي الصفوي بأبعاده ننتقل إلى الصمت الأمريكي بل التماهي الأمريكي مع الدور الروسي في كل ما يدعم بشار الأسد ويصادر حقوق السوريين . ليس من عجب أن يعلق محلل أمريكي على لقاءات : لافروف – كيري بقوله :  كلما التقى لا فروف وكيري في الشأن السوري خلع كيري قطعة من ملابسه حتى لم يبق على جسده ما يخلعه !!

النقطة الثالثة : وماذا بعد ...

أما نحن السوريين فقد أيقنا منذ انتهاك الخط الأحمر الأول ، أن معركتنا معركة الذئب مع الحمل . وأننا محاسبون على تلويث رأس النبع حتى لو شربنا من أسفله . وأننا يجب أن نستمر في معركة وجودنا على ضوء المستجدات والمعطيات ..

فهل سيدرك جيراننا بعد كل الذي رأوا وسمعوا أن معركتهم في جوارهم هي معركة وجودهم على أرضهم ؟!  وأن دولة " البي واي دي " التي يريدها بومبيو هنا  ستكون امتدادا لمعركة " البي كة كة " التي يعد لها عندهم ؟!

الخاتمة :

جميل من السياسي أن يطاول وأن يداور وأن يناور ولكن عليه أن يعلم أنه في المعارك الصفرية الوجودية غالبا ما تضيق أو تنعدم الخيارات .

تصريح وزير الخارجية الأمريكي بومبيو عن التداعيات المدمرة والتي واجه بها نظيره التركي ، أو تحذيره أو تهديده ...هو من النوع الذي يعدم أمام الصادقين كل الخيارات ..

المحارب لا يختار الحرب دائما . بل كثيرا ما تفرض الحرب نفسها عليه ؛ هذا ما يتجاهله الكثير من أدعياء التحليل لمدخلات الثورة السورية .

لا تسمحوا للأمريكيين أن يطعموا الأسدَ الشعبَ السوري ولو كان الشعب السوري هو الثور الأبيض ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 819