المشروع الإيراني التوسعي في العراق والوطن العربي

وكيفية التصدي له

د. نزار السامرائي

يرى منظرو الدراسات العسكرية الاستراتيجية أن الحرب هي آخر صفحة من صفحات العمل السياسي لفض المنازعات سواء أكانت على مستوى الأفراد أم الجماعات أو الدول، ويتم اللجوء إلى الحرب بعد أن تصل كل المحاولات السياسية والدبلوماسية للتوصل إلى حلول ترضي أطراف النزاع الثنائي أو الجماعي إلى طرق مسدودة، ولكن الحرب تعتبر وبكل المقاييس أبرز شكل من أشكال صراع الإرادات ومحاولة فرض الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الغير بقوة السلاح، وهي بهذا الوصف لم تعد حالة اشتباك في ساحات القتال بل باتت مواجهة مفتوحة داخل الحدود وخارجها، ولأن الحرب الرسمية تبدو مكلفة جداً من النواحي القانونية والمالية والعسكرية والبشرية، فإن كثيراً من الدول لا تريد الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي ممثلاً في وقتنا الراهن بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والأمم المتحدة وميثاقها ومجلس الأمن الدولي الذي تناط به مسؤولية الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين من كل أشكال التهديد، فقد وجد كثير من الدول أن مصلحتها تتطلب منها نبذ خيار الدخول في حرب مباشرة مع دولة أو دول أخرى خشية من تداعيات سياسية وعسكرية واقتصادية لا طاقة لها بها، ولهذا وجدت من الأسلم لها أن تنتقل إلى الخيار الثاني من أساليب الحرب، طالما أنها ستؤمن لها نفس الأهداف المطلوب تحقيقها من الحرب المباشرة، فضلاً عن أنها لا تكلفها كثيراً من التضحيات مع أنها ستكون أطول بكثير زمنيا مما يعني إمكانية دخول عوامل طارئة عليها مع احتمال تغيير مسارها وأهدافها المعلنة إلى متاهات ومسالك متعرجة، ذلك أن أي تدخل خارجي من قبل أي طرف إقليمي أو دولي في شؤون دولة أخرى سيكون بداية لتدخلات لا حصر لها من أطراف لها مصالح لا يمكنها التغاضي عنها، مما يعني إحداث تبدلات متسارعة وعميقة على موازين القوى في البلد الذي كان هدفاً لتدخلات خارجية.

إن الحروب المعاصرة صارت تخاض بأساليب غير تحشيد الجيوش ودفعها إلى جبهات القتال للاشتباك مع بعضها أو توجيه الصواريخ أو الطائرات لقصف أهداف في أراضي الغير، مع كل ما يترتب على ذلك من مآس وويلات، وإنما باتت الحرب تخاض في ساحات أخرى تؤدي إلى نفس النتائج التي تسعى الحرب الساخنة لتحقيقها، وعلينا أن نتوقع أن تجنب الاشتباك المباشر بالأسلحة النارية بين الأطراف المتنازعة لا يعني أن العلاقات بين الدول في أحسن حالاتها، إذ إن الوصول إلى قرار الحرب لن يمر بسهولة بسبب تداعياتها المؤكدة على كل زوايا المجتمع، ولهذا لا يتخذ قرار الحرب إلا بعد استنفاد كل الخيارات البديلة، ولا يمكن الذهاب إليها إلا بعد أن تتهاوى كل الخيارات الأخرى، ويعد قرار الحرب من أخطر القرارات السياسية التي تتخذها قيادات البلدان وأصعبها، وهناك أساليب كثيرة يمكن أن تحقق جانباً من أهداف الحرب من دون الحاجة لدخولها، ولعل الذهاب إلى خيار العمل الاستخباري بكل مفرداته من زرع لشبكات التجسس أو الخلايا النائمة يشكل في الوقت الحاضر واحداً من أكثر الأساليب نجاحاً في تحقيق جانب مهم من أهداف الحرب، وتدلنا تجارب العلاقات بين الدول أن الحروب التي تخاض بالنيابة باتت من أخطر عوامل عدم الاستقرار في العلاقات بين الدول لاسيما إذا كان هناك تفاوت واضح بين إمكانات الدول العسكرية والاقتصادية والسكانية ذات العلاقة بهذا النوع من الحروب الحديثة، لكن هذا النمط من الحروب قد يتعرض للمساءلة القانونية من جانب المنظمات الدولية لأنه سيعد تدخلاً مباشراً في شؤون دول أخرى وهذا ما حرمه القانون الدولي وربما سيعد خرقاً للالتزامات الواردة في الاتفاقيات الثنائية.

ومع التطور الحاصل في قدرات البلدان الغنية والمتطورة ومع الاستقرار السياسي الذي تعيشه وانعكاسه على مستواها التقني، فإنها تتوسع كثيراً في اللجوء إلى الحروب بالنيابة فقد تم التوصل إلى خيار ثالث وهو تشكيل أحزاب وحركات سياسية ذات مناهج عقائدية متطابقة أو قريبة من الأفكار السائدة في البلد الذي يريد تمرير تدخله في الشأن الداخلي لبلد آخر وربما تجد الدول التي تريد التدخل في شأن بلد آخر في جالياتها في الدول الأخرى احتياطياً هائلاً للتدخل عند الضرورة، ويمكن أن يكون تدخلها بادئ الأمر مستنداً على قضايا مطلبية غير ذات قيمة من قبيل ظروف عمل رعاياها وشروطه والأجور والإقامة وما شابه ذلك من قضايا يمكن توظيفها توظيفاً إنسانياً قادراً على استقطاب التعاطف من جانب المنظمات الحقوقية والإنسانية وأجهزة الإعلام الدولية.

كما تذهب دول أيديولوجية إلى تشكيل أحزاب في بلدان أخرى كما كان الاتحاد السوفيتي يفعل، وذلك لضمان قاعدة شعبية تدافع عن سياساته وتعطي نيّات الهيمنة التي يريد فرضها على الدول الصغيرة، طابعاً نضالياً، أو مثل إيران التي أسست أحزاباً ذات منهاج طائفي معبر عن أيديولوجية شيعية في العراق وعدد من دول الخليج العربي، وعندما رأت تلك الأحزاب أنها اكتسبت شرعية العمل السياسي في بلدها أو أن لها قاعدة شعبية، حينذاك ستجد أنها مدفوعة بإغراء امتلاك القوة ستذهب إلى تشكيل مليشيات مسلحة مستغلة الظرف السياسي والقانوني الذي يتيح لها ذلك، وتلحق بها منظمات شبه مسلحة لتكون مصدراً لإمدادها بالعنصر البشري بعد تهيئته وإعداده عقائدياً لقبول فكرة الانخراط في أي مهمة توكل إليه، فتكون هذه المؤسسات المرتبطة بدولة خارجية أداة تتحرك بموجب تعليمات تلك الدولة وبما ينسجم مع مصالحها.

لقد وجدت إيران منذ عهدها السابق وليس في عهدها الجمهوري الذي وصل إلى الحكم في شباط 1979 فقط في الجاليات الإيرانية وفي أكثر رجال الدين الشيعة باستثناء القلة النادرة منهم، قوة منظمة وذات توجهات عقائدية تربط موضوع الولاء لإيران بالولاء للمعتقدات الشيعية ولمذهب (أهل البيت) ربطاً محكماً حتى يبدو الخروج عن الولاء لإيران وكأنه خروج على الولاء لآل البيت.

تم تأسيس حزب الدعوة الإسلامية من جانب محمد باقر الصدر "وإن كان قد تراجع عن موقفه في دعم الحزب لاحقاً وعدد من الأشخاص من التبعية الإيرانية وبتوجيهات مباشرة من شاه إيران وجهاز السافاك السابق في تاريخ وقعت بشأن تحديده اختلافات كبيرة،  ليكون ذراعاً إيرانية في المدن الدينية العراقية مثل النجف وكربلاء والكاظمية مدعوماً بالفتوى الدينية (للحوزات العلمية) التي تتألف في أكثر من 90% من عناصرها من الإيرانيين، ويتوزع الباقون على الجنسيات العراقية والخليجية واللبنانية والأفغانية والباكستانية والهندية، وقد كانت قيادات حزب الدعوة من الفرس وحملة الجنسية الإيرانية والهوى مثل مرتضى العسكري (زعيم الحزب في مرحلته الثالثة في تاريخ حزب الدعوة) ومحمد مهدى الآصفي (حالياً يمثل وليّ الفقيه في العراق بعد أن كان الأمين العام لحزب الدعوة قبل تسليمها لإبراهيم الجعفري وعلي زندي (الأديب) وغيرهم كثير، ولا شك أن هذا الثقل الإيراني الكبير في العراق مع وجود جالية إيرانية فيه أثناء حقبة ما قبل السبعينيات من القرن الماضي، إذ كان يبلغ عدد السكان من التبعية الإيرانية في العراق قبل 17 تموز 1968 نحوا من مليون نسمة، سيعني جيباً خطيراً يتحرك وفقاً للإملاءات التي تأتيه من مركز التوجيه في (قم) وهي العاصمة المذهبية لإيران ومن (طهران) العاصمة السياسية لها، على الرغم من أن (النجف) هي المقر المعترف به للمرجع الأعلى للشيعة في العالم والذي عادة ما يكون إيرانياً إلا في الحالات النادرة جداً، ويتم اختياره وفق سياقات وطقوس شبيهة بانتخاب بابا الفاتيكان، ومع وجود أعداد من رجال الدين الشيعة المختلفين مع شاه إيران السابق في النجف بمن فيهم الإيرانيون مثل آية الله الخميني، إلا أن هذا الموقف السياسي بالنتيجة النهائية لا يشكل سبباً في أي اهتزاز للولاء الشيعي لإيران بصرف النظر عمن يحكم فيها، فالولاء عقائدي راسخ ولا صلة له بالمتغيرات السياسية التي تشهدها الساحة الإيرانية.

ولكن وصول آية الله الخميني إلى الحكم في 11 شباط 1979 لم يكن حدثاً إيرانياً داخلياً فقط، بل كان إعصاراً قارياً عصف بإيران أولاً ثم بدأ يتنقل إلى كل دول المنطقة ليحرّض الشيعة فيها على قطع الصلة بأوطانهم ونقل الولاء إلى دولة الولي الفقيه، تحت وابل من التحشيد الطائفي الذي كان يخاطب العاطفة دون العقل، فتحت شعارات يا لثارات الحسين، تم نشر الفوضى في عموم الشارع العربي من خلال رعاع الشيعة المتطرفين وانتشرت صور الخميني في شوارع كثير من المدن العربية لتنافس صور زعمائها الوطنيين والتاريخيين بل وتتفوق عليها بحجمها وأعدادها، فالتقطت الزعامة الإيرانية الجديدة هذا المشهد الحماسي رغبة في تحويله إلى علاقة منظمة تأخذ أصولها من الموروث الشيعي حول فكرة المظلومية التاريخية التي ظل الشيعة أسرى لها طوال أربعة عشر قرناً، بحيث حولوها إلى مشاهد درامية تستمر طيلة شهر محرم من كل سنة عن استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنهما تستنهض مواجع الشيعة التي صنعوها لأنفسهم عبر التاريخ وتحرضهم على الثأر ممن سلبهم حقهم في الحكم، إن الجيل الجديد تم استلاب عقله وتعطيله تماماً، وتم حشوه بكل الأفكار التي تكفّر الآخر وتستبيح دمه وتعتبر لعن أمهات المؤمنين والصحابة رضي الله عنهم جزءاً من عقيدتهم لا يستقيم الدين إلا به، ولهذا لم يتأخر الخميني عندما شرّع دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في 24/10/1979 ليحدد المهمات الموكولة إلى الزعامة الإيرانية في علاقاتها التفاعلية مع شيعة العالم.

ورد في الفقرة 16 من المادة الثالثة من ذلك الدستور: أن من بين أهم واجبات الجمهورية الإسلامية في إيران "تنظيم السياسة الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين، والحماية الكاملة لمستضعفي العالم"، وهذا معناه أن إيران وسعت من دائرة وصايتها فشملت كافة مسلمي العالم ولم تقصرها على الشيعة فقط، إذ منحت نفسها حقاً في تمثيل من تسميهم "بالمستضعفين" في كل أنحاء العالم، وهذا مدّ جغرافي للولاية الإيرانية باسم الدين ثم لتتحول مع الوقت إلى ولاية تستند على خرافات عفا عليها الزمن، وكان الأصل في مساعي إيران إثارة الأزمات في الوطن العربي والعالم الإسلامي لأنها على سبيل المثال لن تستطيع التحرك على مستضعفي الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي على سبيل المثال خشية اتهامها بالإرهاب، فهي والحال هذه تتحرك وتغدق بكل أشكال الدعم العسكري والمادي على تشكيلات عسكرية وشبه عسكرية لتحريكها استناداً إلى مصلحة إيرانية محضة ومن حقنا أن نفترض أن الهدف الرئيس من المادة الدستورية آنفة الذكر هو التأكيد بأن حدود إيران تمتد إلى آسيا وأفريقيا بل تتجاوزها متى ما شعرت إيران أنها قادرة على التأثير في المناطق الأخرى من العالم.

أما المادة الحادية عشرة من الدستور الإيراني فقد نصت على ما يلي:

"يعتبر المسلمون أمة واحدة، وعلى حكومة جمهورية إيران الإسلامية إقامة كل سياستها العامة على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها، وأن تواصل سعيها من أجل تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية في العالم الإسلامي".

وإيران هنا تريد أن تستغفل مسلمي العالم بشعارات لها قابلية الاستقطاب العاطفي، ولكنها من جانب إيران تنطوي على نيّات سوء لا مثيل لها فضلاً عن أنها تريد حذف دور شعوب العالم الإسلامي في اختيار النظام السياسي والاجتماعي الذي يناسبها، وكذلك تريد أن تنوب عن حكوماتها في إدارة شؤونها، بل نصبت نفسها قيماً عليها ترسم لها ما تشاء وترفض لها ما لا تريد هي وليس هذه الشعوب، وهذا المنطق المنحرف الذي دفع المدرسة السياسية الفقهية إلى تشريع الدستور الإيراني، الذي يجعل من الولي الفقيه المطلق الولاية حاكماً باسم حاكمية الإسلام على جميع مسلمي العالم بصرف النظر عن انتماءاتهم المذهبية يجعل كل مخالف لهذه الولاية خارجاً عن الدين وفقاً للتفسير الذي تتبناه السلطة الدينية المطلقة في طهران، بعبارة أخرى: إنه يريد أن يحكم أكثر من مليار ونصف مليار مسلم ويخضعهم لسلطة تنظر إليهم ككفار أصلاً، على الرغم من أن ولاية الفقيه لم تثبت أقدامها حتى الآن في (قم) نفسها وهي المركز الذي يتواجد فيه كبار المعميين الشيعة.

ولما كان الدستور وثيقة متكاملة في مقاصدها وغاياتها فإن بعضه يفسر بعضاً، على ذلك نستطيع القول من دون تردد: إن المادة الخامسة منه تحدد طبيعة العلاقة بين الزعامة الإيرانية وبين المسلمين في شتى أرجاء العالم وليس داخل إيران فقط ومن دون أن تحصر هذه الولاية بأتباع المذهب الجعفري الاثني عشري الذي تعتبره إيران مذهباً رسمياً للدولة، فالمادة الثانية عشرة تنص على أن "الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثني عشري" وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير.

وتنص المادة الخامسة على: (في زمن غيبة الإمام المهدي "عجل الله تعالى فرجه" تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل المتقي البصير بأمور العصر الشجاع القادر على الإدارة والتدبير)، أما الفقرة الخامسة من المادة الثانية فتنص على: (يقوم نظام الجمهورية الإسلامية على أساس الإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة ودورها في استمرار الثورة التي أحدثها الإسلام)، أي أن هذه النصوص تريد فرض المذهب الجعفري الاثني عشري على كل مسلمي العالم بصرف النظر عن المذهب الذي ينتمون إليه، وهذا أسوأ أنواع الإرهاب الفكري مما يتعارض مع نص الآية الكريمة "لا إكراه في الدين" لأن هذا النهج يصادر حرية الاعتقاد والفكر، وهذه القواعد الدستورية هي التي أوجدت الأساس القانوني والسياسي لتدخل إيران في كل الساحات التي وجدت لنفسها فيها ثغرة طائفية لتتسلل منها وتعصف بالوضع الأمني من خلال أدواتها المحلية ولتوجد لنفسها موطئ قدم ثم لتوظفه في الدخول كوسيط وبالتالي تصبح رقماً لا يمكن الاستغناء عنه في المعادلة السياسية للبلدان التي أسست لها تنظيمات فيها، سواء في إثارة الأزمة أو في البحث عن حل عادل لها.

وجد حزب الدعوة الإسلامية فرصته التاريخية في نجاح "الثورة الإسلامية، في إيران لاستقطاب الشباب الشيعي في العراق الذين أخذتهم شعارات الثورة الإسلامية العابرة للحدود وظن الحزب أنها فرصته التي لا تعوض لتوسيع قاعدته التنظيمية، ولكن الحزب كان موضوعاً في العراق على لائحة الحظر بقانون حد من قدرته على الانتشار فاعتمد التنظيم السرية أساساً لعمله السياسي، وهذا ما دفع قيادته لشن حرب شاملة على مؤسسات الدولة الأمنية وخاصة على المقار الرسمية لحزب البعث العربي الاشتراكي، ولم تقتصر فعاليته على هذا الجانب فقط بل وصلت حد شن عمليات إرهابية على مؤسسات الدولة المدنية والاقتصادية والدبلوماسية في الخارج.

وعلى الرغم من أن سلطة الخميني الجديدة كانت تنظر إلى حزب الدعوة الإسلامية كصنيعة من إنتاج شاه إيران المعزول في الساحة العراقية، إلا أنه من المعروف عن إيران أنها لا يمكن أن تفوت فرصة وجود قوة تعرض خدماتها المجانية لأي نظام حكم فيها من دون أن تستغلها إلى أبعد الحدود، ولما كان نظام الحكم الجديد في طهران يسعى إلى حشد أوسع قاعدة شعبية وراء شعاراته فقد وجد في حزب قديم في الساحة العراقية وعلى استعداد أن يصطف إلى جانب الثورة الإيرانية فرصة غير قابلة للإهمال، ذلك أن إيران وعبر تاريخ طويل ظلت تمتلك مرونة غير متصورة أخلاقياً ودينياً لمد جسور التعاون مع كل طرف يمتلك قدرة على مساعدتها في خططها لنشر التشيع في كل مكان، تحت لواء فكرة ولاية الفقيه التي كانت في طور الإعداد الدستوري لها من قبل الفريق المحيط بالخميني، لأن هذه الولاية لم تكن قد حصلت على إجماع رجال الدين الشيعة في إيران نفسها، وهذا هو الذي أدى إلى انعكاس ذلك الرفض في الأوساط الشعبية التي رأت فيها تفويضاً لحكم مطلق يوظف الدين لمآرب سياسية.

وبسبب حداثة فكرة ولاية الفقيه داخل إيران نفسها وعدم رسوخ جذورها عن وعي حقيقي وإدراك عميق حتى لدى طبقة رجال الدين الشيعة الكبار، التي تعاني من بطالة تعوضها باستغلال الطبقات الفقيرة والأمية في المجتمع، وقد وجد هؤلاء في ولاية الفقيه توظيفاً سياسياً يراد منه سحب البساط من تحت أقدامهم في المجتمع الإيراني بقوة الدولة وما تمتلكه من مال سياسي وأجهزة أمن وحرس ثوري وجيش وهو يحرمهم قطعاً من كل رصيدهم المستند على الأموال الشرعية القادمة من الخمس خاصة وسائر الأموال الشرعية الأخرى والذي سيتم تحويله إلى الولي الفقيه حصرا، وهذا ما أدى إلى تعثر انتشارها في أوساط المراجع الشيعية الكبار خارج إيران وداخلها.

ولذلك سعت الزعامة الإيرانية الجديدة إلى إيجاد تنظيم جديد في أوساط العراقيين من التبعية الإيرانية في إيران قادر على تقديم خدمات أفضل مما قدمه حزب الدعوة، وكان لوجود محمد باقر الحكيم في طهران، وهو نجل المرجع الشيعي السابق محسن الحكيم، الفرصة المواتية للخميني الذي كان على خلاف مستمر مع الحكيم الأب بسبب خصوصية العلاقة التي تربط الأخير مع شاه إيران السابق، ليوظف رصيد المرجع السابق في التحرك على الشارع الشيعي العراقي والقول بأن صفحة الماضي السلبي بين الخميني والحكيم أصبحت جزءاً من الماضي، فقرر تأسيس تنظيم سياسي عسكري بأمر مباشر منه، أسماه "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" في 17 تشرين الثاني 1982، ووضع على رأسه محمود هاشمي شاهرودي وهو مواطن إيراني كل ميزته أن يجيد التحدث باللغة العربية، وقد أصبح لاحقاً رئيساً لمجلس القضاء الأعلى في إيران، وعندما سئل الخميني عن أسباب اختيار معمم إيراني لهذه الوظيفة، قال إنه يريد الإشراف المباشر على هذا التنظيم وتسهيل متطلبات نهوضه.

ومن أجل ألا يظهر المجلس إيرانياً في أشخاصه وولائه فقد جيء بمحمد باقر الحكيم ليكون متحدثاً رسمياً باسمه، ونشط المجلس في أوساط الأسرى العراقيين من خلال أساليب التعذيب والإكراه غير المعهودة التي تعرضوا لها، لإيجاد ظاهرة "التوابين" من بين صفوفهم مقابل إغراءات مادية وعن طريق الشحن الطائفي، وبالفعل فقد انهار كثير منهم إما لضعف في المقاومة أو لدوافع طائفية كانت مختفية تحت ستار (التقّية) وارتبطوا بالمجلس، الذي لم يكتف بتشكيل تنظيمات مدنية أو ثقافية أو دينية فقط، بل تم تشكيل أول فوج قتالي من صفوف الأسرى لخوض الحرب ضد القوات العراقية التي كانت تواجه حشداً عسكرياً إيرانياً من الجيش والحرس الثوري والبسيج، وفي البداية أطلق اسم فوج بدر على هذه الجماعة، ومع الوقت تحولت إلى لواء ثم فرقة ثم فيلق بدر، وفعلاً شاركت تلك القوات في بعض المعارك في مختلف الجبهات وخاصة في منطقة أهوار الجنوب، وكانت تلك المشاركة مفروضة عليهم لأن معظمهم تأسروا خوفاً على حياتهم وإذا بهم يزجون في معركة يمكن أن يكون في طرفها الآخر الأخ أو ابن العم أو أي قريب آخر فأصبحوا كمن يهرب من الموت إليه.

ولم يقتصر دور فيلق بدر على المشاركة في معارك الجبهات في حرب الثماني سنوات، بل كان له دور كبير في أحداث ربيع عام 1991 بعد خروج القوات العراقية من الكويت في أحداث الفتنة الداخلية التي شهدتها عدة محافظات عراقية ذات أغلبية شيعية، وربما كان هذا الدور هو الأساس الذي شُكل المجلس من أجله، ما حصل في تلك الفتنة من جرائم قتل وانتهاك لكرامة الإنسان واعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وتم خلالها تدمير وإحراق مؤسسات الدولة العراقية وخاصة ما يتصل بسجلات النفوس ودور التسجيل العقاري كان عملاً مقصوداً لتهيئة مسرح العمليات العراقي لما سيأتي من أحداث فيما بعد، وما كان للمجلس الأعلى أن يزج بعناصره في الأحداث لولا القرار الإيراني القاطع مع تقديم التسهيلات اللوجستية والغطاء العسكري الكامل، وأمام ضغط القوات المسلحة العراقية تراجعت قوات بدر التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والمدعومة بضباط استخبارات الحرس الثوري الإيراني إلى داخل الأراضي الإيرانية بعد أن تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، بما في ذلك أسر أكثر من 160 ضابطاً من ضباط الحرس الثوري الإيراني والذي اشترطت إيران إطلاق سراحهم مقابل إطلاق ما بقي لديها من أسرى عراقيين مخفيين، وهذا ما تم فعلاً إذ تم تبادل وجبتين من الأسرى العراقيين مقابل أولئك الضباط، الأولى كانت في الثاني والعشرين من كانون الثاني 2002 وكان الباحث من بين أفرادها وكانت تضم 650 أسيراً، أما الثانية فكانت ليلة العدوان الأمريكي في 19 آذار 2003 وكانت تضم أكثر من 600 أسير حرب عراقي، ومع كل ما بذلته قوات بدر فإنها لم تحقق شيئا من أهدافها ونواياها التي كانت تخطط لتسلم محافظة جنوبية أو أكثر لإقامة نواة حكم الشيعة في العراق، وهذا حصل في المراحل الأولى للغزو الأمريكي للعراق عام 2003، إذ عبر الآلاف من عناصر فيلق بدر- بداية الغزو الأمريكي - الحدود العراقية الإيرانية من منطقة الشلامجة باتجاه البصرة من دون أن تتخذ القوات الأمريكية والبريطانية ضدهم إجراء ما لمنعهم من تنفيذ أعمال انتقامية واسعة النطاق طالت الآلاف من العراقيين.

ولم تكتف إيران بوجود فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق كمليشيا متطابقة عقائدياً معها (كان المجلس الأعلى للثورة الإسلامية قد تبنى نظرية ولاية الفقيه وكان يعتبر أن آية الله الخميني هو مرجعه في التقليد استناداً إلى عقائد الشيعة التي تلزم الشيعي بأن يقلد مرجعاً حياً يؤدي إليه كل الحقوق الشرعية مقابل أن يدله على واجباته وعباداته، ثم حل محله علي خامنئي بعد وفاته، ولكن المجلس عاد عن تلك القناعة ولو من باب التقية، إذ غير اسمه من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وأصبح اسمه المجلس الأعلى الإسلامي وأصبح يقلد آية الله السيستاني وذلك في سنة 2007)، إذ إن إيران وجرياً على عادتها فإنها كانت على استعداد لمد الجسور مع جميع القوى والأطراف التي تظن أنها قد تنفعها في وقت ما حتى لو كانت تلك القوى متصادمة مع بعضها أو متصادمة معها في ظرف من ظروف العلاقة القائمة بين التابع والمتبوع، ومن أجل ألا تضع طهران بيضها كله في سلة واحدة، فقد أوجدت في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عدة تشكيلات سياسية مسلحة مثل جيش المهدي، ومليشيات ثار الله، وحزب الله، وجيش المختار، وكانت هي المبادرة في تدريب عناصرها وتجهيزهم بالسلاح والمال اللازم، ومع ذلك فإن مليشيا بدر التي كان يرأسها هادي العامري قد انشقت عن المجلس وانحازت إلى ائتلاف دولة القانون الذي يقوده حزب الدعوة، وعلى الرغم من هذا الموقف فإن المراقبين يؤشرون على الدور الإيراني في إعادة ترتيب الاصطفافات داخل التحالف الشيعي الحاكم، وتغذي الخلافات بين أطرافه إلا أنها حريصة أشد الحرص على أن تكون هي التي تتحكم بالقرار السياسي لأي من القوى الداخلة فيه.

وربما تمتلك الولايات المتحدة أدق المعلومات بشأن التحركات الإيرانية في العراق بحكم وجود القوات الأمريكية في العراق مع نشاط مكثف لوكالة المخابرات المركزية، ففي حديث أمام ملتقى ضم المهتمين بالدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، قال القائد السابق للقوات الأمريكية في العراق الجنرال جورج كيسي الذي عمل في العراق في الأعوام 2004 إلى 2007 "إن إيران دربت الميليشيات الشيعية التي أججت العنف في العراق، مبيناً أن قواته عثرت على مخازن أسلحة إيرانية الصنع لدى الميليشيات الشيعية تحمل كتابة باللغة الفارسية بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006، وحمل الجنرال كيسي إيران المسؤولية عن" مصرع المئات من قوات التحالف والآلاف من المواطنين العراقيين".

وذكر في كلمة ألقاها بمؤتمر عقد في ولاية أريزونا الأمريكية في بداية شهر أيار 2014 وشارك فيه مسؤولون أمريكيون وشخصيات بارزة، وتناول الأزمة النووية الإيرانية وانتهاك حقوق الإنسان الذي تمارسه إيران:" أن الشرق الأوسط في حالة عدم استقرار بدءاً من باكستان وانتهاء بالمغرب، ففي الشام هناك "الحرب السورية الأهلية" التي تدخل عامها الرابع، وهناك 170 ألف شخص قتلوا وتشرد ثلاثة ملايين آخرين، والعنف الطائفي مازال مستمراً وبشكل لافت في العراق وكذلك في لبنان، وأكد كيسي أن إيران اعتمدت عدة أساليب في التدخل في شؤون العراق، منها أن النظام الإيراني يواصل استخدام الإرهاب لتحقيق أهدافه السياسية، والثاني دوره في تدريب وتجهيز الميلشيات الشيعية العراقية باعتبارها العامل الرئيس في الاحتفاظ بالعنف الطائفي في العراق من عام 2006 إلى عام 2008 ومازال يتواصل حتى يومنا هذا، إنهم يعملون نفس العمل في سوريا ولبنان.

وقال القائد العسكري الأمريكي السابق إنه عندما كان قائداً للقوات الأمريكية في العراق بين أعوام 2004 -2007 رأى بشكل مباشر وعن كثب كيف يعمل الإيرانيون وكيف ينشطون إذ أن النظام الإيراني كان يمارس لعبة مزدوجة، ففي البداية ومن أجل أن يكسبوا النفوذ السياسي قدموا مساعدات مالية للأحزاب السياسية والقادة السياسيين، وبالتالي فإنهم كسبوا نفوذاً لافتاً في العراق، ثانياً إنهم سعوا بمرونة لكسب تعاطف المواطنين العراقيين معهم من خلال الدعم الاقتصادي خاصة من خلال المساعدات الاقتصادية في القسم الجنوبي للبلاد لكي يجملوا وجههم، وكانوا يعملون ذلك بشكل مباشر.

وأضاف: "والأمر الثالث أنهم كانوا يزعزعون استقرار العراق عبر تدريب وتجهيز المنظمات الإرهابية "وهنا يقصد المنظمات السنية أي أن إيران عندما تفكر بمد يد المساعدة لطرف ما فإنها تفكر أولاً وأخيراً في كيفية التأثير فيه ورسم مسار حركته على هواها هي"، ويضيف الجنرال كيسي: ومع مرور الزمن وجدتُ ارتباطاً وطيداً بين (قوة القدس) التي هي الذراع العاملة خارج الحدود الإيرانية للحرس الثوري وبين الميلشيات العراقية وقد عثرنا على بصمات عميل لقوة القدس، حيث كان ينقل أحداث النجف بشكل مباشر عبر الهاتف إلى مقر قوة القدس في إيران، وأكد كيسي أنه تأكد بشكل واقعي من بصمات للنظام الإيراني كان في ملف تفجير الحرمين العسكريين في سامراء (125 كم شمال بغداد) في شباط/ فبراير 2006، فالميليشيات الشيعية خرجت إلى الشوارع، وتم العثور على مزيد من المخازن من الأسلحة وعثرنا على أسلحة وصلت من ايران بوضوح.

إن ما جاء في حديث الجنرال كيسي قائد القوات الأمريكية السابق في العراق لا يعدو عن كونه الجزء الظاهر من كتلة الثلج بشأن حقيقة التدخل الإيراني في العراق، لأنه كان يتحدث على ضوء ما يصل إليه من تقارير ميدانية عن الدور الإيراني الذي كان يحتل حيزاً محدوداً جداً من اهتمامات الولايات المتحدة في العراق مقابل تركيزها على نشاط المقاومة الوطنية العراقية المسلحة، ومع ذلك فإن ما أشار إليه كيسي يعد وثيقة في غاية الأهمية لأنها أشار ت بإصبع الاتهام إلى إيران بالمسؤولية عن أخطر حدث شهده العراق وكان بداية لاقتتال طائفي دامٍ ذهب ضحيته مئات الألوف من العراقيين في حرب إبادة جماعية على الهوية.

 إن إيران التي جعلت من نفسها ممثلاً عاماً للمذهب الجعفري الاثني عشري في العالم وقيماً عليه وبوصلة تحدد صواب سلوك الآخرين من خطئه، وجدت في ذلك فرصتها الذهبية للهيمنة على مسلمي العالم بهدف جعلهم أدواتها في كل معاركها السياسية وغيرها مع المجتمع الدولي بما في ذلك استخدامهم في عمليات إرهابية، كما أن خططها لنشر التشيع في محيطها الإقليمي كان يقع ضمن هدف الهيمنة على سياسات دول المنطقة عبر التلويح لها بملفات الفتن الطائفية الداخلية، ومن باب تأشير الحقائق فإن الثورة السورية أدخلت التشيع الإيراني والعراقي واللبناني في حالة إلى نفق مظلم نتيجة الصدام الحاد مع السنة ليس في هذه الدول وإنما في شتى أرجاء العالم، وأسهمت في الحد من ظاهرة التحول المذهبي التي اجتاحت كثيراً من أرجاء الوطن العربي، نتيجة لتوظيف الملفات السياسية التي تحمل بريق ووجاهة الممانعة، مثل ملف الحرب على لبنان عام 2006 التي تم توصيفه كانتصار لحزب الله اللبناني على إسرائيل على الرغم من حجم الدمار الذي لحق بلبنان وهو ما دفع بحسن نصر الله إلى القول "لو كنت أعرف أن النتائج ستكون على هذه الحال لما فكرت بالإقدام على خوض الحرب" مع ما يتركه ذلك الوضع من تساؤلات مشروعة عن أسباب نجاح حزب في معركة واحدة عما فشل فيه النظام العربي الرسمي في كل المواجهات التي دخلها مع إسرائيل منذ عام 1948، ولا شك أن الثورة السورية على الرغم من فداحة الثمن الذي قدمه الشعب السوري، إلا أنها أصبحت سداً منيعاً أوقف سيل التشيع لدى السذج من الناس الذين لا ينظرون أبعد من أرجلهم عند حدود اليأس التي وصل إليها في بلاد الشام، لكن هذا يجب إلا يغرينا بالوقوف أمامه وكأنه نصب تذكاري للجندي المجهول، لأن المواجهة في سوريا والعراق والتي كشفت زيف شعارات "حوار التقريب بين المذاهب" لم يكن إلا كذبة كبيرة أريد لها أن تستدرج السنة إلى جيب مهلك تفقد فيه كل رصيدها من الحق والصواب لصالح البدع والأساطير والخرافات الضالة، تحت وابل من وقع السلاسل التي تضرب ظهور الشيعة.

إن أخطر ما يواجه الجيل العربي المسلم السني في الوقت الحاضر، هو التهديد الذي يتعرضون له من جانب "البعثات التبشيرية الشيعية" والتي تنتشر تحت أغطية كثيرة كالواجهات السياحية والمراكز الثقافية والجمعيات التعاونية والتي تنظم زيارات شبه مجانية إلى المدن الإيرانية والتي تتضمن عقود زواج المتعة مما يربط الشخص المعني بخيط لا يستطيع الفكاك منه، إن هذه المؤسسات تحتاج إلى تنمية الوعي بخطورتها قبل اتخاذ قرار سيادي بإغلاقها ووقف نشاطها، إن الزعماء الدينيين للطائفة الشيعية في قم والنجف وبدعم الدولة الإيرانية مضافاً إليها في الوقت الحاضر ثقل الحكومة العراقية بما يدخل البلد  من موارد هائلة من صادرات النفط، وعبر الوكلاء المنتشرين في شتى أرجاء العالم على أتم الاستعداد لمقايضة أتباعهم الجدد ببضاعة عليهم تسديدها فورية وبصفة لا تقبل التراخي، بمقابل جزأين من الثمن الذي يمنحه رجال الدين الشيعة، الأول دنيوي يتلخص بصدق الاتبّاع والولاء والانقياد الأعمى لإرادتهم وتوجيهاتهم، وللمتحول الجديد حق مفتوح بزواج المتعة واتباع الشهوات وارتكاب الموبقات من دون رادع ديني أو أخلاقي، أما الجزء الأخروي فإن صكوك الغفران الجديدة المشابهة لصكوك الكنيسة في القرون الوسطى والتي تمنح للشيعي ولا يطلب منه أكثر من دمعة يذرفها على الحسين، حتى لو أهمل كل العبادات المفروضة أو مارس الموبقات كلها. 

ونستطيع أن نفترض أن النصوص الدستورية الإيرانية المعبرة عن غاطس النوايا الإيرانية الموجهة نحو المنطقة هي التي أطلقت يد فيلق القدس ليتمدد في العراق وسوريا ولبنان، وقد جاءت تصريحات رسمية لعدد من كبار المسؤولين الإيرانيين من المعممين والسياسيين والعسكريين لتعزز من دورها في هذه الساحات، منها ما جاء على لسان نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، العميد غلام علي رشيد، من تصريحات أكد فيها أن بلاده تساند سوريا بلا حدود لأنها تمثل جبهة الدفاع الأمامية عن الثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية على حد وصفه، وأكد أن سقوط النظام في سوريا سيعني بداية للإطباق على إيران وجرها إلى حرب مفتوحة على كل الاحتمالات، واسترسل غلام علي رشيد في تحليلاته مبرراً وجود الحرس الثوري الإيراني في سوريا، ومعرباً عن قلق بلاده من سقوط نظام الرئيس السوري فيما لو لم تقدم إيران الدعم له، معتبراً أنه لو حدث ذلك فإن حزب الله اللبناني سيكون هو الصفحة الثانية من خطة تطويق إيران عن طريق قطع أذرع الأخطبوط الذي زرعته في لبنان وسوريا.

الاستراتيجية الإيرانية لم تعد خافية على أحد وخاصة دول الخليج العربي الطرف الأكثر ضعفاً في بنيتها الدفاعية وفي تماسكها الاجتماعي بسبب وجود عمالة إيرانية تزيد نسبتها على نسبة السكان الأصليين، والأكثر شعوراً بمخاطر التوجهات الإيرانية المنفلتة والتي تسعى لتوظيف إنجازاتها في برنامجها النووي وتجاربها الصاروخية لفرض واقع جديد على المنطقة، وذلك من خلال إشعار دول الخليج العربي بالتهديد المستمر إن هي وقفت بوجه التمدد الإيراني، وتعتمد إيران سياسة التلويح بالعصا الغليظة على المديين المتوسط والبعيد للانتقام من دول الخليج العربي وعلى هذا الطريق تمارس نوعين من الإرهاب، الأول تجنيد الخلايا النائمة وتحريكها كلما اقتضت الضرورة الإيرانية لإشعار دول الخليج بأنها ليست بعيدة عن المطرقة التي تمسك بها قبضات تزداد قوة مع الوقت، وأن من الحكمة عدم الدخول في مغامرات غير محسوبة معها قد تجر على دول الخليج العربي ويلات غير قادرة على الخروج منها، لاسيما بعد دخول الحلف الخليجي الأمريكي في خريف قد يطول كثيراً وبعث الحرارة في العلاقات الأمريكية الإيرانية بعد إزالة الجليد من المسالك السرية والعلنية بين واشنطن وطهران، والثاني عن طريق وضع الدول العربية مجتمعة في حالة جلد للذات عن أخطاء الماضي التي ارتكبتها ضد إيران وخاصة في دعم العراق خلال حرب الثماني سنوات وإشعارها بعقدة الذنب غير القابلة للمغفرة الإيرانية، ومن المرجح جداً أن إيران ماضية في هذا التوجه ما لم تشعر أن بيتها غير محصن بما فيه الكفاية من التهديد الداخلي القادم من المكونات القومية والمذهبية المتعددة في إيران والتي إن نسقت مواقفها فقد تحصل على دعم عربي سيجعل إيران في ظرف صعب قد تكون في حالة دفاع عن وحدة أراضي الدولة التي تضم فسيفساء قابل للتصدع عند أول ضغط جدي قابل للاستمرار، فتخويف العرب لمنعهم من تقديم العون المطلوب للعراقيين والسوريين في ثورتهم ضد نظم الحكم المرتبطة بإيران وذلك بتوجيه التهم لهم بأنهم يدعمون الإرهاب مع ما يجره ذلك عليهم من تداعيات دولية لا طاقة لهم بتحمل أعبائها المكلفة سياسياً ودبلوماسياً وأمنياً، وبإشعارهم أنها لن تنسى موقفهم هذا وستثأر لنفسها عندما تحين الفرصة، يعد بضاعة إيران الرائجة التي تستخدمها لممارسة أقصى درجات الضغط على الآخرين.

 إن أخطر ما يواجه العرب هو عدم وجود استراتيجية جماعية مضادة لحماية الأمن القومي العربي من الأخطار المحدقة بالأمة العربية أو لوقف مد التشيع الذي بدأ أخطر تهديد يواجهه المسلمون داخل أرضهم، لأنهم متهمون بالإرهاب لمجرد أنهم يريدون إبعاد النفوذ الإيراني عن مجتمعاتهم لاسيما أن هناك نحو 60 فضائية شيعية تجاهر بهويتها هذه ولا توجد فضائية سنية تدافع عن القيم الإسلامية الأصلية بوجه الانحراف والضلالة، وتستطيع المملكة العربية السعودية ومعها مجلس التعاون الخليجي حتى في حال عدم تجاوز أزماته الداخلية، لعب الدور الكبير وخاصة إذا ما ارتقت علاقاتها مع مصر وباكستان وتركيا وماليزيا إلى مستوى استراتيجي فعال يأخذ بنظر الاعتبار أن الأمن الإقليمي الذاتي بين قوى تجمعها مصالح مشتركة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، أكثر أهمية ورسوخا وثباتا من الضمانات الدولية التي كانت الولايات المتحدة تقدمها لمنطقة الخليج العربي التي تبخرت مع أول ارتفاع لدرجة حرارة في العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة خصوصاً والغربية عموماً، كما أن الموقف الدولي الذي يجسده التردد الأمريكي والأوربي تجاه المخططات الإيرانية وتركيز الغرب على الإرهاب الذي تمثله القاعدة أو داعش أو الأجنحة المنشقة عنها أو التي تعمل لحسابها، وتجاهل الإرهاب الحقيقي الذي مارسته وما تزال إيران تمارسه حتى اليوم بواسطة التنظيمات الشيعية المؤمنة بولاية الفقيه مثل حزب الله اللبناني وحزب الدعوة الإسلامية العراقي وبقية المنظمات التي تناسلت بعد وصول آية الله الخميني إلى الحكم في إيران، وخاصة بعد تأسيس مكتب حركات التحرر الذي رأسه هاشمي رفسنجاني زمناً ثم انتقلت مسؤوليته إلى محمد هاشمي صهر آية الله حسين علي منتظري الذي ظل يشغل منصب نائب "الإمام الخميني"، فأصبح مركز عمليات دولي لإدارة العمليات الإرهابية الشيعية في العالم.

 إن الوقت ليس وقت وقوف عند الخلافات البينية فالخطر قادم ولن تستقر إيران إلا عندما ترى قبضات عناصر الحرس الثوري وهي ترتفع في المسجد الحرام وشعاب مكة والمسجد النبوي الشريف بالهتاف للولي الفقيه وأخذ البيعة له هناك كما حاولت ذلك عام 1987، وهي مصممة على أن تنتزع هذه البيعة إن تمكنت من إنجاح خططها لتطويق المملكة العربية السعودية التي ترى إيران أن ولايتها على مسلمي العالم لن تتم إلا في حال استكمال السيطرة على الجزيرة العربية أرضاً وثروات ومقدسات، ثم لتطرح نفسها بعد ذلك بأنها حاضنة لمقدسات المسلمين كلها.

إن موقف إيران الصريح في التعبير عن استراتيجيتها الإقليمية والدولية في الهيمنة والتوسع، لم يتوقف عند حدود مقبولة من أي من الدول التي تحترم استقلالها وسيادتها وخياراتها السياسية، فقد أصبحت تعد بكل المقاييس السياسية والدبلوماسية، استفزازاً للمجتمع الدولي بكامله، ويتم التعبير عنها بين آونة وأخرى عبر رسائل سياسية وسط زوابع كثيفة من الغبار السياسي الذي يراد منه وضع الأسرة الدولية في حيرة كاملة عن الموقف الحقيقي الذي تلتزمه إيران في علاقاتها الدولية، فالخارجية الإيرانية كانت على الدوام تطرح موقفاً يمتاز بدرجة عالية من الدبلوماسية والتحريف وكأن ذلك كاسر أمواج يوضع قرب السواحل التي تعاني من أمواج عاتية، بهدف امتصاص ردود الفعل الغاضبة من الجهات التي تشعر بالخطر القادم من النوايا المبطنة والتي يتم الإعلان عن بعضها بين آونة وأخرى لتكون بالونات اختبار لقياس ردات الفعل الرسمية والشعبية على المستوى الإقليمي والدولي، ولعل أدق ما يمكن تناوله بالبحث هو ما ورد في الآونة الأخيرة من تصريحات متتالية من عدد من قادة الحرس الحاليين أو السابقين ولكنهم يشغلون مناصب رفيعة في الوقت الحاضر.

الفريق يحيى رحيم صفوي القائد السابق للحرس الثوري الإيراني والمستشار الأعلى لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، اعتبر أن حدود بلاده الحقيقية ليست كما هي عليه الآن، بل تنتهي عند شواطئ البحر الأبيض المتوسط وعبر جنوب لبنان، وأوضح صفوي قصده بالقول إن حدود إيران الغربية لا تقف عند الشلامجة على الحدود العراقية غربي "الأهواز" كما هي مثبتة على الخرائط الإيرانية والدولية، بل تصل إلى جنوب لبنان وهذه هي المرة الثالثة التي يبلغ نفوذ إيران سواحل البحر الأبيض المتوسط على حد وصفه، في إشارة إلى حدود الإمبراطوريتين الإخمينية والساسانية الفارسيتين اللتين حكمتا قبل الإسلام، وفي إشارة إلى متانة العلاقات التي تربط بين إيران في عهدها الجمهوري وسوريا في عهد الرئيس حافظ الأسد، أشاد صفوي بمواقف الأسد الأب لصالح نظام خميني وقال "أثناء الحرب العراقية الإيرانية سافرت بمعية محسن رضائي، القائد العام للحرس الثوري في ذلك الوقت إلى سوريا وليبيا بتوصية من آية الله خامنئي الذي كان حينها رئيسا للجمهورية، لاستلام صواريخ أرض- أرض من البلدين"، موضحاً أن حافظ الأسد قال لهما إن روسيا أخذت عهداً على بلاده أثناء توقيع صفقة السلاح، على ألا يتم تسليم الصواريخ لطرف ثالث، إلا أن الرئيس السوري الراحل أكد أنه رغم ذلك سيزود طهران بالصواريخ ضد بغداد، وسيتعهد بتدريب الإيرانيين على استخدامها، كما كشف أن الزعيم الليبي معمر القذافي زوَّدهم بـ 20 صاروخ أرض- أرض لغرض قصف المدن العراقية، وهذا ما حصل بالفعل، على الرغم من عدم وجود خصومة سياسية بين العراق وليبيا في ذلك الوقت تدفع العقيد القذافي لاتخاذ ذلك الموقف العدائي.

أما الجنرال حسين همداني، القائد السابق لفيلق محمد رسول الله في الحرس الثوري الإيراني فقد كان أكثر صراحة من غيره فقد قال في حديث صريح وواضح، نشرته وكالة أنباء بارس، وذلك عندما أكد أن بشار الأسد يقاتل نيابة عن إيران وأوضح، منعاً للالتباس: إننا في حالة حرب، لأننا ندافع عن مصالح الثورة الإسلامية في سوريا وأوضح أن 130 ألفاً من قوات التعبئة الشعبية (البسيج) تتهيأ للتوجه إلى سوريا للقتال هناك، ومع ما في هذا الإعلان من اعتراف بأن إيران تتحول تدريجياً إلى شرطي يتدخل بقوة حيثما رأى أن متطلبات الأمن القومي الإيراني تستدعي ذلك فإنه لا يتردد في التدخل من دون إقامة وزن لردود الفعل الإقليمية والدولية، وفي هذا الخصوص نستطيع تأشير حقيقة أن هذا النهج الإيراني الجمهوري يعد تطويراً لمفهوم دور دركي الخليج العربي الذي كان شاه إيران السابق يريده لبلاده، وهو دور متواضع بالقياس إلى ما تريده إيران الجمهورية لنفسها، وما كان لإيران أن تفعل ذلك لولا العجز العربي وموقف اللامبالاة الذي تتبناه دول الخليج العربي والتزامها حالة دفاعية ساكنة بدلاً من الانتقال إلى حالة الدفاع المتحرك.

وكشف عن تشكيل الإيرانيين لحزب الله السوري، وهو الثاني بعد تشكيلها حزب الله في لبنان والذي تحول عن أهدافه المعلنة بمواجهة إسرائيل ليتحول إلى مليشيا مسلحة تنفذ الأجندة الإيرانية في شرقي المتوسط ولتبتز المجتمع الدولي بقدرتها على تحريكها متى شاءت وبالكيفية التي تريد، وذكَّر القائد الإيراني خلال حديثه مع اللجنة الإدارية بمحافظة همدان، بالدعم السوري لإيران في الحرب مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي واصفاً ما قام به الأسد الأب لدعم المجهود الحربي الإيراني حينها بأنه عمل عظيم، مشيراً إلى إغلاقه منفذ تصدير النفط العراقي من الموانئ السورية على البحر المتوسط، وبهذا فإن إيران تسعى لرد الجميل لسوريا التي وقفت إلى جانبها في الحرب العراقية الإيرانية متحدية الإجماع العربي الذي نصت عليه معاهدة الدفاع العربي المشترك.

لاحظت الدول الغربية الكبرى أن قرارها باعتماد شاه إيران السابق شرطياً محلياً لحماية إمدادات النفط ومراكز إنتاجه أوهمه بأن دوره سيتجاوز هذه الوظيفة لصالح الغرب، وسيحولها إلى دعم غربي لبسط سيطرته على أكبر خزان نفطي في العالم، وربما ظن الغرب أن الشاه ارتدى قبعة أكبر من رأسه ولهذا لم يعد حريصاً على بقاء الشاه في الحكم، في حين أن هناك من المراقبين من فسر مشهد السقوط الدراماتيكي للشاه وتخلي الولايات المتحدة عنه في أحرج الأوقات التي كان يحتاج إليها، كان يعد دليلاً على أن الدول الكبرى ليست على استعداد للاحتفاظ بعملائها إلى الأبد خاصة إذا أصبحت خدماتهم مكلفة أكثر من نفعهم، وبعد سقوط نظام الشاه جاء الخميني فتعدى طموحه منطقة الخليج العربي وتجاوز أهداف الشاه بمراحل كثيرة وبدأت عينه تتطلع إلى كل الوطن العربي والعالم الإسلامي وحيثما تواجدت جاليات إسلامية من أجل إخضاعها لولاية الفقيه أي بعبارة أخرى الولاء لإيران فقط.

ظل العراق ساحة لتدخلات إيرانية منذ عصور قديمة، ووصل الأمر بالدولة الساسانية أن اتخذت من المدائن القريبة بغداد عاصمة لها وما تزال بقايا إيوان كسرى ماثلة للعيان حتى اليوم، وقد قوض الفتح العربي الإسلامي أركان تلك الدولة، ولكن نار المجوسية لم تنطفئ داخل صدور الفرس حتى وإن أطفأت في معابد يزد، وفي زمن التدهور الذي أصاب الدولة العربية الإسلامية بعد سقوط بغداد في عام 1258م، وتنقل السيطرة على بغداد بين دويلات مختلفة، كانت بغداد عرضة لاحتلالات فارسية إلى أن استقر الحال بين الدولتين العثمانية والفارسية على رسم حدود العراق وفقاً لما جاء في اتفاقية أماسية الموقعة بين الطرفين عام 1555م، ولكن بلاد فارس كانت كلما شعرت بأنها استردت عافيتها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً فإنها سرعان ما تعيد إثارة الحرب مع الدولة العثمانية لاحتلال بعض الأراضي التابعة لإحدى ولايات العراق الثلاث، ولعل دور الصفويين المتحالفين مع الغرب المسيحي ووقف الفتوحات العثمانية في أوربا عن طريق إشغال الأخيرة بالدفاع عن أراضيها في العراق خاصة، ما يعزز القناعة بأن بلاد فارس الشيعية كانت على استعداد للتحالف مع الشيطان لكسر النفوذ السني في العالم، وهذا هو ما كان أعلنه الخميني أكثر من مرة عندما كان يصرح بأنه على استعداد للتحالف مع الشيطان من أجل إلحاق الهزيمة بصدام حسين، فالتاريخ صفحات متشابهة في أحداثها وحتى بعض تفاصيلها، ويمكن أن تتكرر هذه الصفحات وإن كان ذلك بآليات ومبررات أخرى.

العراق الآن كما مر عليه أكثر من ظرف مماثل يخضع للاحتلال الإيراني الذي تسلمه من الاحتلال الأمريكي، ليبقى دولة مفككة سياسياً ضعيفة عسكرياً ريعية اقتصادياً، كي لا يكون للعراق دور إقليمي يتناسب مع تاريخه المعروف، وقد شهدنا ماذا حل في الوطن العربي من مآس من يوم خروج العراق من معادلة الأمن العربي والخليجي، وكيف أصبح الصوت الشيعي يطرح على المنابر كل أفكار التكفير ودعوات تذويب السنة على الطريقة الصفوية.

ولكن هل يمكن أن نلمس في الأفق مؤشراً على أن هذا التراجع والانكفاء هما مؤقتان، وأن هزيمة إيران ستكون في المكان الذي تعتبره ساحة نصرها وهو سوريا التي كانت مفاجأة الأمة لنفسها وأن روح المطاولة على الرغم من كل التضحيات التي يبذلها الشعب السوري والتي لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً، هي وحدها التي استدرجت إيران إلى ساحة استنزاف ستقوض أركانها كما حصل مع أمريكا في كل من فيتنام والعراق وكما حصل مع الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وهي لم تكن في يوم من الأيام بقوة أي من تلك الدولتين العظميين، ومما يعزز رأي الخبراء الاستراتيجيين بأن إيران مقبلة على هزيمة حقيقية تعيدها إلى داخل حدود فارس وأنها مقبلة على تقسيم يحولها إلى ست دول، أن حكومة نوري المالكي في العراق لم تنجح مع كل محاولاتها في ربط الطريق الواصل بين الحدود الإيرانية العراقية مع الحدود العراقية السورية، خاصة أن محافظة الأنبار ولاسيما مدينة الفلوجة ظلت الثغرة التي لم يتمكن الإيرانيون من سدها في هذا الطريق الاستراتيجي الذي يتوقف عليه دوام التقدم الإيراني وتوسيع دائرة نفوذه ليمتلك الإطلالة الكاملة على شواطئ المتوسط.