طارق رمضان بين شماتة الشامتين وخيبة ظن المعجبين وحيرة الحائرين في أمره

إن سبب العودة إلى طرح  قضية  هذا المفكر الإسلامي التي خضنا فيها سابقا على هذا الموقع مرتين، هو بعض ردود الأفعال على ما صرح به للصحافة الفرنسية معترفا بما نسب إليه مع إنكار تهمة الاغتصاب والإقرار بما بات يعرف بالعلاقة  الجنسية الرضائية طالبا الصفح من خالقه ومن أسرته ومن محبيه .

ولم يفلت من شماتة الشامتين  عندنا والذين اغتنوا فرصة  اعترافه للنيل  مرة أخرى من سمعة  جده الداعية  الشهيد حسن البنا رحمه الله مع أنه لا تزر وازرة وزر أخرى ، ولا يؤخذ أحد بجريرة غيره . ولا تخلو شماتة هؤلاء  الشامتين من قصد مبيت خصوصا في هذا الظرف بالذات الذي ترفع فيه الدول الغربية العلمانية شعار محاربة ما تسميه بالإسلام السياسي الذي يقصد به تحديدا التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين وهو تنظيم يعتبر حسن البنا منظره الأول . والشامتون بحفيده المتورط في جريمة أخلاقية أو المتهم بها والله أعلم بما خفي من هذا الأمر، يرون في ذلك ضربة موجعة للتنظيم العالمي للإخوان ، ويسجلون عليه تناقضا بين ما يدعو إليه من قيم أخلاقية إسلامية ، وما يصدر عن أتباعه من انحرافات أخلاقية .

ولقد كانت الموضوعية تقتضي ألا يحشر جد المعني بالأمر في قضية حفيده إلا أن العكس هو الذي حصل لحاجة في نفس يعقوب أو في نفوس  يعاقيب .

وبناء على ما ترويه مصادر إعلامية  فرنسية كان طارق رمضان في البداية ينفي التهم الموجهة إليه نفيا قاطعا ثم انتقل من النفي إلى اعتراف لا يجعله مدانا في مجتمع علماني يقر بما يسمى العلاقة الجنسية الرضائية ، ويجرم الاغتصاب وإن كان بين زوجين تربطهما علاقة زواج مدنية موثقة . وهذا الموقف من طارق رمضان بقدر ما زاد من شماتة الشامتين به خصوصا أصحاب التيار العلماني في البلاد العربية، تسبب في خيبة ظن لدى المعجبين بفكره  الإسلامي الذي كان يناطح الفكر العلماني في بلد علماني دفاعا  عن الإسلام وإمكان تعايشه مع العلمانية ، كما زاد من حيرة الحائرين في أمره ،الشيء الذي جعلهم يتساءلون هل ما صرح به صحيح أم أنه اضطر إلى الاعتراف بما لم يفعله بسبب ضغوط تمارس عليه ، وقد يذهب  سوء الظن به بعيدا عند البعض ،فيشكون في أنه ربما يكون متواطأ مع التيار الذي يرفع شعار ما يسمى بالحرب على الإسلام السياسي خصوصا وأنه ورد في كلامه أثناء لقاء إحدى القنوات الفرنسية معه أنه يدعو إلى إسلام فرنسي ، وأن تطبيق الشريعة بالنسبة إليه هو احترام المسلمين في فرنسا القانون الفرنسي العلماني ، وأنه يرفض فكرة إقامة الحدود بما في ذلك الحد الزنا.

فإذا صح ما جاء في كلامه، ولم يكن ذلك تحت التهديد وهو ما يزال رهن المتابعة القضائية والله أعلم بما يقع في كواليسها، لا يخلو من أحد أمرين : فهو إما متورط بمحض إرادته أو دونها في قضية محاربة ما يسمى بالإسلام السياسي أو واقع في شراك يريد الخلاص منها ولو على حساب سمعته . وإذا ما كان كما جاء في اعترافه مقرا بما نسب إليه ، فليس من حقه أن ينفي حد الزنا  وهو يتحدث من منطلق موقف مفكر مسلم  . ومعلوم أنه يوجد فرق بين من يقع في ما حرم الله عز وجل دون أن ينكر الحدود التي يحد بها المرتكبون لبعض المحرمات  ، وبين من ينكرها لأن هذا الأخير يفتري على الإسلام كذبا أو يحرفه . ولا شك أن ما صرح به طارق رمضان من اعتراضه على حد الزنا يدخل ضمن مداراته للعلمانية الفرنسية التي تدين الشريعة الإسلامية خصوصا فيما يتعلق بتطبيق الحدود التي لم تعد تطبق في معظم البلدان الإسلامية مع بعض الاستثناءات .

والسؤال المطروح هو هل سينسف اعتراف طارق رمضان منظومته الفكرية التي نافح عنها زمن طويلا أم أن ذلك لن يغير شيئا منها ؟

وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أن  تهم الجرائم الأخلاقية صارت عندنا تلاحق  تحديدا كل من لهم توجه إسلامي سواء كانوا وزراء أو دعاة أو مفكرين أو صحفيين ذكورا وإناثا، الشيء الذي يثير الشك حول خلفية  هذا الاتهام والتي قد تكون ذات صلة بما يسمى بالحرب على الإسلام السياسي ،وهي فكرة ناتج عن تداعيات الربيع العربي وما نتج عنه من حراك وثورات كشفت عن رهان الشعوب العربية على الإسلام، وقد تجلى هذا في إقبالها على  التصويت لفائدة أحزاب تتبنى التوجه الإسلامي ،الشيء الذي أقلق الغرب العلماني والأنظمة العربية المتوجس من تلك الأحزاب . ولقد بادر الغرب العلماني بصنع عصابات إجرامية تمارس العنف والإرهاب باسم الإسلام لتشويهه من جهة ، ولإعطاء ذريعة للإجهاز على كل حزب سياسي  يرفع شعار الإسلام في خوضه للانتخابات حيث لم يعد الغرب العلماني يميز بين مرجعية تلك العصابات الإجرامية المصنوعة مخابراتيا  وبين مرجعية الأحزاب ذات التوجه الإسلامي التي تنبذ العنف ويعتبرها مرجعية واحدة.

ولا شك أن المستقبل سيكشف عما خفي في قضية طارق رمضان ، وفي قضايا من أدينوا مثله من المحسوبين على التيار الإسلامي .

وسوم: العدد 841