رسالة فلسطينية إلى سموتريتش: لسنا ضيوفاً على أرضنا لتطردنا

أحد التحديات الصعبة التي توضع أمام حياتي في أوساط الفلسطينيين هو كيف أجيب على سؤال إذا ما كنت إنسانة مؤمنة بالله؟ كثيرون يصدمون ويشعرون بالإهانة من الإجابة السلبية على هذا السؤال. أحياناً أقول لهم يا ليتني أستطيع الإيمان، لكن يبدو أنني أصبحت حالة ميؤوساً منها. على الأقل فقد تعلمت إغلاق فمي عندما يقول الناس “الله يعين”، و”الله ينتقم منهم”، و”الله معنا”.

في السابق، عندما كنت أوثق حالة عائلة صدر أمر بهدم بيتها، الذي سلمتها إياه الإدارة المدنية، وأقوم بتوثيق حقل قامت الدولة اليهودية الديمقراطية بسرقته في وضح النهار، كنت أقول بنفاد صبر “لا أرى أن الله يساعدهم”. اذهبي واشرحي لفلسطيني بأن جملة كهذه هي تراث من الآباء اليهود الذين لم يحلموا بالبحث عن الله الغائب في معسكر الاعتقال “برغن بلزن” في ألمانيا، وغيتو شنغوروف، وترانسمستاريا. وأمام أشخاص جرى محو أعزائهم بقنبلة إسرائيلية أو صاروخ من طائرة بدون طيار أو رصاصة مدببة، كنت أقف صامتة.

مع مرور الوقت تعلمنا ألا نكذب، ودون أن نكون صريحين تماماً في الكفر. وعشية يوم الغفران، اليوم المناسب لنزهة كهذه، بل من أجل التحدث عن شكرية بركات المتوفاة، من قرية النبي صموئيل. خلال عشرات السنين ناضلتْ بتصميم ضد كل محاولات إسرائيل لشراء أو سرقة أو السيطرة على أرضها بكل حيل التزوير والخداع التي اخترعها أبطال إنقاذ الأرض اليهودية. ظلت تعيش في القرية حتى بعد أن دمرت إسرائيل في أحد أيام عام 1971 بيوتها القديمة، وبعد أن أعلنت في عام 1995 عن أراضيها كحديقة قومية وحولتها إلى “ديزني لاند” توراتية وأثرية. استمرت بالعيش في القرية حتى بعد أن فصلتها إسرائيل عام 2000 عن الضفة الغربية وعن القرى المحيطة، مثل بيت اكسا والجيب. وأخذت تفرغ من معظم الشباب فيها، الذين لم يتمكنوا من تحمل الإجراءات القاسية جداً التي منعت العبور في الحواجز مع كرتونة بيض، أو تم إجبارهم على الانتظار لأشهر من أجل الحصول على تصريح دخول لزوجة أحدهم الجديدة. البلدة القديمة في الخليل، وقرى اللطرون المدمرة، وغور الأردن، والنبي صموئيل، كلها تدل على استمرار حلم الطرد وطرق التجسيد الحديثة له.

في شهر رمضان قبل تسع سنوات، جلست في بيت شكرية بركات تحت السقف المقبب وسجلت ما قالته عن القوات الوحشية التي تسعى إلى إفراغ القمة من سكانها الفلسطينيين: هل تؤمنين بالله؟

رواغت وقررت القول لها ما صنعته في تلك الأيام: كنت أجري مقابلات مع جنود احتياط شاركوا في هجوم عملية “الرصاص المصبوب”. كنت أسافر إليهم مع يهودا شاؤول الذي هو من مؤسسي “نحطم الصمت”. وعندما أنهينا المقابلة، في وقت متأخر في الليل، وقد امتلأت رأسي بالشهادات، كان شاؤول يجلس في السيارة ويقتبس أقوال صديقته، التي هي مثله، ترعرعت في بيت متدين: “لا شك بأن مكاننا في جهنم مضمون”. أصغت شكرية بركات بعناية ووجهت لي نظرة ثاقبة وقالت: “أفهم. أنت غير مؤمنة بالله، لكنك تؤمنين بجهنم”.

إيماني هذا جاء وعززه شخص يهودي يحافظ على الفرائض ويخاف الله، هو بتسلئيل سموتريتش، الذي تبجح في إحدى مماحكاته على “تويتر” مع أيمن عودة قبل بضعة أيام “هم المستضيفون الكبار في العالم حتى منذ أبينا إبراهيم، لذلك أنتم –الفلسطينيين- لا تزالون هنا، على الأقل حتى الآن”. سموتريتش واحد من كثيرين، ولكن عندما نأتي ونحذر العالم من أن المعسكر المسيحاني – الصهيوني – اليهودي يحلم ويتخيل بلا نهاية بطرد نهائي للفلسطينيين، ويعد هنا قطعة من جهنم على الأرض، فإن صدق المحامي سموتريتش يوفر لنا الوثيقة المُدخنة.

وسوم: العدد 845