زَندَقة عصرية مُتغوّلة .. ولا مَهديّ لها !

تعريفات للزَندقة .. ونظرات متنوّعة ، حولها ، لبعض الباحثين !

الزندقة ، أو الهرطقة : عبارة عن مصطلح عامّ ، يُطلق على حالات عديدة، يُعتقد أنها أُطلقت تاريخياً ،أوّل مرّة ، من قبل المسلمين ، لوصف أتباع الديانات المانَوية ، أو الوثنية ، والدجّالين ومدّعي النبوّة ، والذين يعتقدون ، بوجود قوّتين أزليتين ، في العالم ، وهما: النور والظلام ! ولكنّ المصطلح ، بدأ يُطلق ، تدريجياً ، على الملحدين ، وأصحاب البدَع ! ويُطلقه بعضُهم ، على كلّ مَن يحيا ، حياة المجون ، من الشعراء والكتّاب! واستعمل البعض تسمية: زنديق ، لكلّ مَن خالف مبادئ الإسلام الأساسية !

يُعدّ ظهورُ حركة الزندقة ، في الإسلام ، من الموضوعات الغامضة ، التي لم يسلّط عليها اهتمام يُذكر ، من قبل المؤرّخين ؛ بالرغم من قِدَم الحركة ، التي ترجع إلى زمن العبّاسيين ! هناك كتب تاريخية ، تتحدّث بصورة سطحية ، عن أشهر الزنادقة ، والمحاربة الشديدة ، التي تعرّضوا لها ، في زمن خلافة  ، محمد المهدي ، العبّاسي . و من الجليّ ، للمتتبّع ، لتاريخ تلك الحقبة الزمنية ، ان الزندقه اصبحت تهمه ، يُرمى بها ، أحياناً ، أيّ مخالف للاراء السائدة ، في زمانه ، دون النظر ، حتى  إلى جوهر الرأي . يعتقد البعض ، أن الأصل في كلمة: زنديق ، أنها كلمة فارسية ، تعني إبطان الكفر والإلحاد ! وعليه ؛ فإن البعض يُعرّف الزندقة ، بالشخص الذي يعتقد الكفر، ويُظهره ، كلّما سنحت له الفرصة ، ولكن ، إذا اكتُشف أمرُه ، فانه لا يمانع ، أن ينكر إلحاده ! وهو ، بهذا ، يختلف عن المنافق ، الذي هو - حسب تعريف المسلمين - شخص يستر كفره ، في باطنه ، بينه وبين نفسه . وهناك ، عند البعض، تقارب ، بين الزنديق والمنافق ؛ فيعرّف البعض ، الزنديقَ ، تعريفاً مشابهاً لتعريف المنافق، ومنهم ، ابن تيمية ، الذي قام بتعريف الزنديق ، بأنه "المنافق، الذي يظهر الإسلام ، ويبطن الكفر"! ويعرف البعض الآخر، الزندقة ، كصفة فارسية ، معناها متتبّع الزند ، أيْ: الشروح القديمة للأفستا ، وهو كتاب زرادشت مؤسّس الديانة الزرادشتية !

كبار الزنادقة :

استناداً ، إلى كتاب الفهرست ، لابن النديم ؛ فإن من أنواع الزنادقة، طائفة المانويين ، الذين كانوا يؤمنون بالمانوية ، إيمانا صادقاً .. وطائفة المتكلّمين ، ويُقصد بهم ، المشكّكون ، الذين كانوا يخوضون المناقشات الدينية ، ومنهم: صالح بن عبد القدّوس، وأبو عيسى الورّاق، ونعمان ابن أبي العوجا .. وطائفة من الأدباء ، ومنهم : بشّار بن برد.

ولبشار بن برد قصيدة مشهورة ، يجعل فيها تعريف الزندقة ، قريباً من الزرادشتية ، يقول فيها:

إبليسُ أفضلُ من أبيكم آدمٍ فتبيّنوا ، يا معشرَ الفُجّارِ النارُ عُنصرُهُ ، وآدمُ طينة والطينُ لا يَسمو سُموّ النارِ

كان الزنادقة - استناداً إلى كتاب : تاريخ الإلحاد في الإسلام ، لعبد الرحمن بدوى - يوجدون في أماكن عدّة ، مثل : بغداد وحلب ومكّة ، والبصرة والكوفة! وكان أشهر مايوجّه اليهم من التهم،  ترك الفرائض الإسلامية ، مثل : الصوم والصلاة والحجّ .. مع ادّعائهم ؛ بانهم يستطيعون ، ان يكتبوا نصوصاً ، أحسنَ من القرآن !

                                                     *

كان ذلك ، بخصوص زنادقة الأمس ..

فمَن ، لزنادقة اليوم ، من : بعض الحكّام ، وأعوانهم ، ومفتيهم ، ومفكّريهم ، وإعلامييهم ، وكتّابهم ؟

 بعض الحكّام يحكمون ، بغير ما أنزل الله ، ويتظاهرون بالإيمان، ويصلّون في المناسبات، مع المسلمين ، وهم أكفرُ من الشياطين !

والمَلأ المحيط بهم ، من كبار أعوانهم ، يتظاهرون بالإيمان ، ويؤدّون بعض الشعائر، وهم يكيدون ، للإسلام وأهله ، بأساليب ، يعجز عنها ، وعن أمثالها ، أعداء الأمّة !

والكتّاب ، والمفكّرون ، والمنظّرون .. الذين يتظاهرون ، بالاستقلال الفكري ، يتفاخرون بالزندقة ، ومعاداة أحكام الدين وشعائره ، ويَعدّون فعلهم ، من التحضّر والتمدّن والتقدّم.. ويصفون الإسلام ، بأنه : دين التخلّف والانغلاق والجهل .. وأنه سبب مآسي الأمّة ! وليس معلوماً، عن أيّة أمّة يتحدّثون: هل يقصدون الأمّة العربية ، وأكثريتها الساحقة ، تعتنق الإسلام؟ أم لهم أمّة خاصّة ، اسمها : أمّة الزنادقة !؟

وإذا كان المهدي العبّاسي ، رأسُ الدولة ، بالأمس ، طارَدَ الزنادقة ، وقمعَ شرّهم ، فمن يتصدّى لزنادقة اليوم ، إذا كان الحاكم ، نفسه ، متزندقاً ؟ وهل ينطبق ، على هذا الحاكم ، بيت الشعر، المتداوَل ، على ألسنة العامّة :

  إذا كان رَبُّ البيت ، بالطبلِ ضارباً          فشِيمَةُ أهل البيت ، كلّهم ، الرقصُ؟

وسوم: العدد 851