إذا كانت ذريعة المطالبين والمطالبات برفع التجريم عن جريمة الزنا لكونها واقع فإن غيرهم سيطالب برفع التجريم عن جرائم أخرى بنفس الذريعة

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي فيديو لجمع من النساء أحسب أنه كان بمدينة البوغاز، صرحت فيه بعضهن أنهن يطالبن برفع التجريم عن جريمة الزنا التي باتت تسمى بالعلاقة الجنسية الرضائية، وهي تسمية تعتبر بالنسبة لمن يستعملونها أول خطوة نحو رفع التجريم عن فاحشة  وصفها الخالق جل وعلا بأنها أسوأ سبيل في قوله تعالى : (( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا )) أي بئس المسلك وبئس الطريق .

وتذرعت المطالبات برفع التجريم عن هذه الفاحشة ، وعن جريمة الإجهاض الناتج عنها بكونها واقعا . وحسب هذا الطرح الذي لا يحكمه منطق أو عقل، فإن كل الجرائم الموجودة في الواقع سيسري عليها ما يسري على جريمة الزنا لأنها فرضت نفسها في الواقع ، ذلك أن المرتشون  ومروجو المخدرات ، وأصحاب التهرب الضريبي، واللصوص ، وقطاع الطرق ، وحتى الإرهابيون كل هؤلاء يوجدون في الواقع كما يوجد فيه الزناة والزانيات المجهضات والشواذ والسحاقيات ، وذريعة وجود هؤلاء في الواقع هي ذريعة غيرهم أيضا وإلا لماذا ستستثنى جرائمهم برفع التجريم عنها دون غيرها من الجرائم ؟

وإذا ما رفع التجريم عن الجرائم  بذريعة وجودها في الواقع، فكيف سيكون حال المجتمع ؟ وأية عدالة ستكون فيه ؟

يبدو أن من يطالبون  ذكورا وإناثا برفع التجريم عن جريمة الزنا ، وأربأ بالقراء الكرام أن أسميها بالتسمية التي تطلق عليه بالعامية فهي الأنسب ، وإن كان أصلها في الفصحى أيضا  إنما يحسبون حسابهم وبقدرون تقديرهم ، ولا يلقون بالا لغيرهم ممن سيطالبون برفع التجريم عن جرائم أخرى اقتداء بهم وسيرا على نهجهم .

وإذا قيل إن جريمة الزنا  رضائية ، قلنا لهم توجد جرائم فيها الرضا أيضا  كجريمة الرشوة على سبيل المثال، فهي  رضائية أيضا فيها راش ومرتش كما يوجد في جريمة الزنا زان وزانية .

والسؤال المطروح على المطالبات برفع التجريم عن جريمة الزنا ،ويبدو أنهن حسب هيئاتهن من طبقة مثقفة و ربما موسرة ، وربما  تشغلن بعضهن وظائف ومهام  أو تتحملن مسؤوليات قد تكون على قدر كبير من الأهمية  والخطورة هو : هل  هن يمارسن  فعلا الزنا عازبات ومتزوجات؟ فإن كن كذلك قيل لهن أنتن إنما تدافعن عن فسادكن الأخلاقي  . وإذا كن لا يمارسنه ،فعليهن يصدق المثل المغربي الشعبي : " تعلموا أيها الحجامة في رؤوس اليتامى"  لأنهن يرضين فاحشة الزنا لغيرهن ، ولا يرضينها لأنفسهن ، وعليهن ينطبق أيضا قول الشاعر أبو الأسود الدؤلي  لمن كان ينهى غيره عما يأتيه هو من سوء :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله      عار عليك إذا فعلت عظيم

ابدأ بنفسك وانهها عن غيها      فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

وإن كان الأمر بالنسبة إليهن خلاف النهي لأنهن يأمرن بفاحشة الزنا ولا يأتينها.

ودونهن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لشاب جاءه يستأذنه في الزنا فقال له : "أوترضه لأمك أوبنتك أوأختك أوعمتك أوخالتك "، والشاب يجيبه كلما ذكر إحداهن  : " ولا الناس يحبونه لهن " .

ونحن نقول للمطالبات برفع التجريم عن الزنا  ،وكلهن في سن الأمهات هل ترضينه لأنفسكن ولبناتكن ولأخواتكن ؟ فإذا كنتن لا ترضينه لأنفسكن ولبناتكن وأخواتكن، فلماذا ترضينه لغيرهن ؟

ومعلوم أن الذي يدعو إلى شيء يلزمه أن يكون قدوة كما فعل الإمام البصري رحمه الله تعالى يوم جاءه العبيد يطلبون منه أن يخطب الناس خطبة جمعة يدعوهم فيها لعتق الرقاب ، ولم يفعل ذلك إلا بعد مرور عدة جمع ، ثم فعل فاستجاب له الناس ، ولما سأله العبيد عن تأخيره تلك الخطبة أخبرهم أنه لم يكن عنده مال ، فجمعه واشترى عبدا  ورآه الناس يشتريه ، وحرره ، ورآه الناس يحرره ثم أمرهم بعد ذلك بتحرير عبيدهم ، فهكذا تكون القدوة .

أما أن تدافع السيدات المحترمات المثقفات المتزوجات ربات البيوت برفع التجريم عن جريمة الزنا بالنسبة  لغيرهن وهن لا تزنين ، فما هكذا تكون القدوة .

ونختم بالقول إذا  شاع الفساد والإفساد وكثر دعاته في مجتمع  ما، فسبب ذلك سكوت أو غياب  دعاة الصلاح والإصلاح ، فأين المصلحون  وقد تجاسر المفسدون والمفسدات في مجتمعنا  ؟ وأين من قلدهم  الله تعالى أمانة حماية الملة والدين ؟

وسوم: العدد 852