ما الذي يجب على العرب والمسلمين استحضاره بحلول اليوم العالمي للغة العربية ؟

من المعلوم أنه قبل سبع سنوات، قررت منظمة اليونسكو التابعة  لهيئة الأمم المتحدة ، وهي منظمة من بين مهامها الحفاظ على التراث الإنساني  الخالد أن يكون يوم 18 من شهر دجنبر  يوما عالميا للغة العربية . ولقد تأخرت هذه المنظمة كثيرا عن اتخاذ هذا القرار باعتبار قيمة اللغة العربية كواحدة من أقدم اللغات السامية ، وأكثرها انشارا ، وكثرة ما ألف بها من معارف وعلوم وآداب لا يتعلق بغبارها فيه غيرها ، وفضلا عن هذا وذاك لا توجد لغة وحي نزل من عند رب العزة جل جلاله سواها لأن الألسنة التي نزل بها الوحي قبل آخر وحي في رسالة الإسلام السابقة كلها اندثرت ، وأن ما ينسب إلى  لغات الوحي قبل الوحي المنزل باللغة العربية إنما هو نقل  لغات لم ينزل بها عن لغات مندثرة قد نزل بها.

لهذه الاعتبارات وغيرها  كان لا بد أن يعلن قبل وقت طويل عن الاحتفال بيوم عالمي معلوم باللغة العربية ، ولكن تحكم السياسة التي هي بيد قوى مهيمنة على العالم بقوتها العسكرية وأسلحة الدمار الشامل  في قرارات منظمة اليونسكو هو الذي أخر تعيين يوم عالمي للغة القرآن الكريم .

ومنذ تعيين يوم الثامن عشر من شهر دجنبر يوما عالميا للغة العربية قبل سبع سنوات وهي تعيش استهدافا صارخا من طرف خصومها ، مع أنها هي لا تخاصم أحدا ، ولا تضمر عداء لأحد ، ولا للسان من الألسنة في حين أصحاب بعض الألسنة يضمرون لها أشد العداء خصوصا الألسنة التي هي عالة عليها ، وتنهل من بحرها الذي لا ينضب ثم بعد ذلك ألسنة المحتل الغربي لمناطق  نفوذ اللسان العربي لأنه كان سببا رئيسيا في الحفاظ على هوية من كان ذلك المحتل يحتل أرضهم ويستهدف هويتهم الإسلامية  والغوية ، ولأنه يعتبر في نظره وعاء الإسلام الذي يهدد علمانيته الطائشة والراغبة في الهيمنة على كل شعوب المعمور .

فإذا أخذنا على سبيل المثال لا الحصر كيفية استهداف اللغة العربية في غرب الوطن العربي ، وتحديدا في المغرب الأقصى وشمال إفريقيا ، نجد أن أصحاب ما يسمى بالتوجه الإمازيغي  ـ وهو توجه عرقي قوامه التعصب للعرق واللسان ـ يريدون تحقيق وجود لسانهم على حساب  وجود اللغة العربية ، وكأن وجود لسانهم يتوقف على نهاية اللسان العربي ، وهؤلاء يثير تعصبهم للسانهم بهذه الطريقة الفجة السخرية لأن منطقهم يتناقض مع المنطق الذي يحكم وجود الألسنة وزوالها. ومن سخف التفكير أن يتم التعامل مع الألسنة كالتعامل مع الكائن البشري المحكوم عليه بالفناء إذا امتد به العمر . وأصحاب هذا النوع من التفكير يرون أن اللغة العربية قد عمرت طويلا ، وأن عليها أن يكون مصيرها كمصير الألسنة المندثرة . والحقيقة أنهم بهذا إنما يموهون على القصد الذي يخفونه وهو القول بضرورة نهاية الإسلام بنهاية القرآن الكريم ، ولا تكون نهاية هذا الأخير إلا بنهاية اللسان الذي نزل به. وذريعة هؤلاء أن الإسلام قد أدى دوره في حقبة تاريخية يوم كان مناسبا لأحوال الناس فيها ، ولما طرأت تغييرات على أحوال الناس اليوم لا بد  أن يسلم الإسلام القيادة للعلمانية  في نظرهم لأنها الأنسب لحياة الناس في هذا الزمان ، ومن ثم يعتبر الإسلام بقرآنه ولغته مصدر تهديد لما تريد العلمانية تعميمه من مبادئها ، ونمط حياتها  على حد قول أصحابها .

ويعتمد دعاة  فكرة تغليب اللسان الأمازيغي على اللسان العربي في هذه الرقعة من الوطن العربي ، وما ينبغي للسان الأمازيغي أن يضاهي اللسان العربي ،وما يستطيع ذلك تغليبا على محاولة التقليل من اعتماد لسانهم على اللسان العربي حتى لا يبقى عالة عليه ، وهو ما جعل بعضهم يختارون خطا للسانهم مخالفا للخط العربي مع زعم من وحي خيالهم أنه خطه الأصيل ، بينما يريد البعض الآخر منهم أن يكون خطه لاتينيا كل  ذلك لفك ارتباط  اللسان الأمازيغي مع اللسان العربي . ومن أجل التقليل من شأن نهل اللسان الأمازيغي من اللسان العربي يحاول أصحابه تغيير مصدر النهلـ فيقتبسون من لسان التوارق في جنوب الصحراء الكبرى أو من لسان محتل الأمس الفرنسي ،كما قال بذلك العلامة  الفقيه الأمازيغي أبو الطيب مولود السريري ، وأهل مكة أدرى بشعابها كما يقول المثل العربي الشهير .

ويعول المتعصبون للسان الأمازيغي على حساب اللسان العربي على هذين المنهلين محاولة منهم طمس معالم تأثير اللسان العربي فيه مع أن واقع الحال أن نسبة مفردات اللسان الأمازيغي العربية الأصل تصل إلى أكثر من تسعين في المائة.

ويناصر محتل الأمس الفرنسي المتعصبين للسان الأمازيغي من أجل التمكين للسانهم على حساب اللسان العربي ، وهو ما يعتبر استمرارا لسياسته الاستعمارية المتمثلة فيما الظهير البربري المشئوم الذي كان بمثابة إعلان حرب على الإسلام وكتابه ولسان هذا الأخير ، وهي مؤامرة خبيثة تم إجهاضها من طرف أبناء الشعب المغربي المسلم بعنصريه الأمازيغي والعربي على  حد سواء ، علما بأن العرقين معا انصهرا فيه منذ الفتح الإسلامي  ، ولا يكاد يوجد مغربي خالص العروبة أو خالص الأمازيغية ، ورحم الله العلامة ابن خلدون القائل  : " الفروج ليس عليها أقفال " .ولو ضبطت الأحماض النووية  لتأكد  هذا الذي لا ينكره إلا جاحد أو مكابر . ولقد أحبط أحرار الأمازيغ مؤامرة المحتل الفرنسي الذي أراد بسط نفوذه على المغرب وشمال إفريقيا بسطا يريحه من تكاليف الاحتلال الباهظة ، ويسهل عليه طمس الهوية الإسلامية  واللغوية لشعوب المنطقة ، وخلف من بعض هؤلاء الأحرار أذناب لعلمانية المحتل، فحاولوا بعث الحياة من جديد في مؤامرة الظهير البربري الخبيثة مع تمويه فاضح عليها لم يعد خافيا على أحد ، وقد صار بعضهم يصرحون بذلك بعدما كانوا يلمحون فقط . ونقطة الالتقاء بين محتل الأمس وأذنابه المحسوبين على الأمازيغ ـ  والأمازيغ الأحرار منهم أبرياء ـ هو الرغبة في حلول تفسح المجال لتسود العلمانية الغربية في مناطق نفوذ الإسلام غرب الوطن العربي جغرافية  والإسلامي دينا وعقيدة .

وما يتعين على أهل هذه المنطقة ، وانسجاما مع هويتهم الإسلامية هو إحياء اليوم العالمي للغة العربية بلفت أنظار العالم إلى ما يحاك من مؤمرات ضدها ، وهي مؤامرة ضد الإسلام في بعدها الذي صار اليوم متأرجحا بين تصريح الأذناب وتلميح من يوجهونهم في الخفاء خارجيا  .

وأول ما يتعين من فضح هذه المؤامرة هو أن يتحرك أحرار الأمازيغ في اتجاه رسم اللسان الأمازيغ بالخط العربي كما كان الحال خلال قرون ، وهو ما تثبته المؤلفات الأمازيغية المرسومة بالخط  العربي ، وهو من أرقى أنواع الخطوط وأجملها بشهادة أعداء اللسان العربي قبل غيرهم وذلك بالرغم من بغضه له والتآمر عليه . ورسم اللسان الأمازيغي بالخط العربي هو رد سيكون قويا على اعتماد غيره من الخطوط المقترحة  كخط التفيناع أو الخط  اللاتيني ، وهو أيضا دلالة على الهوية السامية للسان الأمازيغي الذي يريد أذناب العلمانية إلحاقه بالهوية الهندوأوربية ، لتقريب الهوية من محتل الأمس العلماني . وفضلا عن هذه الخطوة يتعين على أحرار الأمازيغ أن يجددوا صلتهم وصلة أبنائهم باللسان العربي كما كان  حال أسلافهم الصالحبن حتى أنهم أتقنوا هذا اللسان كاتقان أهله العرب له أو أكثر ، ومؤلفاتهم شاهدة على ذلك مكذبة لمن ينكر هذه الحقيقة  . واتقان اللسان العربي إنما يحصل بمعاشرة كلامه البليغ الفصيح الذي يطلب في مظانه وعلى رأسها القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ودواوين الشعر العربي ، والتراث النثري ، وهذا سيضع حدا لمؤامرة إفساد اللسان العربي  بالهجين من الكلام الذي تسوقه وسائل الإعلام على اختلاف أنواعه في الأقطار الناطقة بالعربية ، وتسوقه البرامج والمؤلفات المدرسية التي حولت الناشئة المتعلمة إلى أعاجم بسبب ما ينتقى لهم من نصوص رديئة الأساليب  بذريعة تبسيط البرامج والمؤلفات ، وهي في الحقيقة ذريعة  للتمويه على استهداف اللسان العربي من خلال حجب النصوص الراقية عن الناشئة إجهازا على هويتها اللغوية والإسلامية.  

ويتحين أذناب العلمانية  فرصة  اتساع دائرة تعاطي الناشئة المتعلمة اللسان العربي بركاكة من خلال احتكاكها ببرامج ومؤلفات دراسية  لا تعكس حقيقة بيانه وجماله لترتفع أصواتهم بإحلال اللسان الفرنسي محله في تدريس مختلف المعارف والعلوم . و لقد بلغ الأمر حد إقرار قانون التدريس بلغة العلماني المحتل في فترة حكومة محسوب حزبها على التوجه الإسلامي والتي كان من المفروض أن تبدي مقاومة شديدة  لتمرير ذلك القرار بحكم انتمائها ، وبوضوح استهدافه للغة القرآن الكريم وهو استهداف للإسلام في حد ذاته .

وهذا الذي يلزم أحرار الأمازيغ يلزم أحرار العرب أيضا ، وفي العرب أيضا أذناب علمانيون يلتقون مع أمثالهم من الأمازيغ في مناصبة العداء للإسلام وللغة كتابه المنزل ، ويوجب ذاك قطع الطريق أمام النيل منه بالإقبال على اللسان العربي في أفصح وأبلغ نصوصه وعلى رأسها نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف ، وعيون الشعر العربي ، وبليغ نثره .

ومما يلاحظ كاستهداف للغة القرآن الكريم رفض أذناب العلمانية من العرقين معا انتشار المساجد ودور القرآن ومدارسه ومعاهده ،لأنها تعتبر خنادق تحمي الإسلام المتحصن فيها بحماية القرآن الكريم  ولغته ، لهذا مما يقتضيه التصدي لهذه المؤامرة  أيضا الإقبال الكبير على تلك المساجد والمدارس والمعاهد لربط الصلة باللسان العربي بالطريقة الصحيحة والفعالة والمجدية .

 ومما يثلج الصدر أن الجنس اللطيف في غرب الوطن العربي يقبل بشكل كبير على حفظ كتاب الله عز وجل ، وفيه تجديد الصلة باللسان العربي . ومعلوم أنه متى تمكنت المرأة المسلمة  في هذه الربوع من أرض الإسلام من حفظ كتاب الله عز وجل ، فإنها سترضع أبنائها حبه في نفوسهم  مع حليبها ، وهو ما يصون هويتهم الإسلامية التي لم تكن مستهدفة في وقت سابق أكثر مما هي مستهدفة اليوم من عدة خصوم خارج وداخل الساحة الإسلامية تجمعهم كراهية الإسلام ، والخوف على العلمانية منه .

ومما يجب أيضا إذا ما كنا نحتفل حقيقة بيوم عالمي للغة العربية أن يقدح أبناؤها من عرب وأمازيغ على حد سواء زناد قرائحهم للسير على نهج الأسلاف في إبداع النصوص العربية الراقية التي تنهل من بلاغة القرآن الكريم والحديث الشريف ، ومن عيون الشعر والنثر العربيين لقطع الطريق على ما يلصق باللسان العربي من ركاكة للتنفير منه ، وحمل النافرين منه خصوصا الناشئة على التهافت على غيره من الألسنة التي صار في تعلمها زهو وافخار ، بينما يعتبر تعلم اللسان العربي شبيها بالإهانة ، وعبارة عن مضيعة للوقت ، وإرهاقا للنفس ، و هو سبب تخلفها في مضمار حضارة العصر الذي لا يعدو فيه من يعدو إلا بغير هذا اللسان المظلوم من أعدائه في الخارج ومن أذنابهم في الداخل .

وغير خاف أن الحوافز المادية والمعنوية على حد سواء كفيلة  بتشجيع أبناء اللسان العربي على الإقبال عليه ، وهو ما سيضمن وجوده واستمراره ، مع أن وجوده واستمراره يضمنهما استمرار وجود  كتاب الله عز وجل الذي وعد سبحانه بحفظه بعد تنزيله ، وقد جعل اللسان العربي من وسائل حفظه ، وهو لسان محفوظ بما حفظ به  سبحانه الذكر الحكيم .

وأخيرا من التقصير في حق اللسان العربي أن يمر اليوم العالمي له دون أن ينتبه أبناؤه إليه لمراجعة ذواتهم بخصوص علاقتهم به ، وبخصوص مسؤوليتهم تجاه هويتهم اللغوية ذات الصلة الوثيقة بهويتهم الإسلامية ، ولا يكون ذلك إلا بأشكال من الاحتفال تكون في مستوى الحدث ، وهي مسؤولية العلماء والمفكرين ، والمعاهد  والمجالس العلمية والمؤسسات التربوية ، والمؤسسات الدينية وجمعيات المجتمع المدني .

ولنترقب كيف سيكون الاحتفال هذا العام باليوم العالمي للغة العربية باعتبارها لغة إنسانية ذات ثروة علمية كبرى يجدر باليونسكو وغيره المحافظة عليها بالمحافظة على لسانها العربي ؟   

وسوم: العدد 855