في السياسة : مَطايا .. ومَطايا للمَطايا !

قال الشاعر: الناسُ للناسِ ، مِن بَدوٍ وحاضرَةٍ   بعضٌ ، لبَعضٍ ، وإنْ لمْ يَشعروا ، خَدَمُ !

لكن تَخادُم الناس، فيما بينهم، لايجعل أحدَهم ، بالضرورة ، مطيّة للآخر! فالحلاّق يخدم النجّار، وهذا يخدم الخبّار، وذلك يخدم الحدّاد .. وكلّ منهم يشعر، بالاستقلال عن الآخر!

حتى الأجير، الذي يعمل ، بأجرة يومية ، أو شهرية ، عند شخص ما ، لايشعر أنه مطيّة ، لهذا الشخص ، بل يحسّ بالاستقلال عنه ، وبأن العلاقة بينهما ، هي علاقة عمل ، مقابل أجر! ولو تطاول ربّ العمل ، على الأجير، أو أكل حقّه ، فمِن حقّ الأجير، ان يقاضيَه !

أمّا السياسة ، فالأمر فيها يختلف ، أحياناً ، برغم أن السياسي ، يشعر بأنه ذو أهمّية ، وبأنه مِن صناع الرأي أو القرار، في بلده !

السياسة تفرض ، على بعض العاملين فيها ، أن يكونوا مطايا لغيرهم ، أحياناً ، ومَن يمتطيهم، يَعلم أنهم مكّنوه ، من امتطاء ظهورهم ، لأطماع خاصّة ، أو لطموحات شخصية : للحصول على منصب معيّن في الدولة ؛ كأن يصير الطامح وزيراً ، أو وكيل وزارة ، أو محافظاً ، أو مديراً لشركة أو مؤسّسة ..! وطموحه ، هذا ، يجعله يطأطئ ظهره ، لمَن بيده قرار تعيينه ، في المنصب ، الذي يطمح إليه !

وقد يكون صاحب القرار، ذاته ، مطيّة ، لشخص يشغل موقعاً ، أعلى من موقعه .. وقد يكون صاحب الموقع الأعلى مطيّة ، لمن هو أعلى منه .. وهكذا !

وغالباً مايكون هذا ، كلّه ، في الدول الاستبدادية ، التي يتحكّم فيها ، صانع القرار الأعلى ، بمصائر الناس ، في بلاده !

فحتّى الانتخاب ، للمشاركة في السلطات التشريعية ، يتحكّم به ، وبنتائجه ، صاحب السلطة العليا ، في الدولة ؛ فهو الذي يسمح ، بترشيح زيد أو عمرو ، للانتخاب ، ولدخول المجلس النيابي ، الذي يكون ، في العادة ، أداة ، في يد الحاكم الأعلى ، يضفي ، على قراراته التسلّطية الاستبدادية ، نوعاً من الشرعية ؛ كي يبدو حاكماً عادلاً ، ديموقراطياً ، يَخضع لإرادة شعبه، عبر خضوعه ، لقرارات السلطة التشريعية ، التي انتخبها الشعب ! وحين يكتمل انتخاب مجلس النوّاب ، ويجتمعون ، لصناعة القرارات التشريعية ، تكون جلساتهم ، في الغالب ، عبارة عن مسرحيات هزلية ؛ إذ يبدأ اجتماعهم ، بالتصفيق لرأس الدولة ، الذي مَنّ عليهم ، بدخول المجلس النيابي ! وتنتهي الجلسات بالموافقة ، على مايأتيهم ، من أوامر وقرارات ، من رأس الدولة ، عبر ضباط مخابراته ! فلا يعدو النائبُ كونَه مطيّة ، لرأس الدولة ، أو مطيّة لضابط مخابرات ، يوجّهه كما يشاء ، بما يخدم قرارات رأس الدولة ، وتوجيهاته !

أمّا إذا كان رأس الدولة ، ذاته ، مفروضاً على شعبه ، من قبل جهة خارجية ؛ فيكون هو، ذاته، مطيّة للحهة ، التي فرضته ، على الشعب !

وسوم: العدد 856