حسابات العرب والمسلمين في نهاية العام

يصحو العرب والمسلمون في نهاية عام ميلادي راحل على حجم كبير من الأحداث التي تستدعي التذكر والاعتبار والمحاسبة وتبادل النقاش العميق حولها، ووضع «ميزانية» لحسابات الهزائم والانتصارات والأحزان والمسرات والخطط اللازمة لتلافي مزيد من تلك الهزائم والخسائر والأحزان، أو للاستثمار والمراكمة في بعض الانتصارات والأرباح والمسرات.

حصلت، في السنة الآفلة، أحداث مهولة خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والثكلى واليتامى، على خلفية قرارات سياسية توحي بأن العالم يتجه إلى جنون مطبق، كما جرت أحداث كبيرة تفتح ثغرة في جدار اليأس وتوحي بأن العرب ما زالوا موجودين وفاعلين وقادرين على المساهمة في تغيير العالم.

في رصيد الانتصارات والمسرات يمكن احتساب ما جرى في السودان من نجاح للثورة الشعبية في إجهاض محاولات الثورة المضادة لتحويل نضال السودانيين السلمي إلى حرب أهلية دموية، كما حصل في أكثر من بلد عربي، كما يمكن احتساب استمرار الثورة التونسية المظفر في تقديم الدليل تلو الآخر على أن الديمقراطية والتغيير السلمي ممكنان، مضافا إلى ذلك اندلاع الثورات العراقية واللبنانية والجزائرية، رغم الأثمان الباهظة التي دفعها الأبطال العراقيون الذين قتلوا أو اغتيلوا أو جرحوا أو اعتقلوا، ومعاناة اللبنانيين المستمرة مع منظومة الفساد والمال والتجبر السياسي والعسكري، ومحاولات الجزائريين المستمرة لتغيير أسس النظام وليس رأسه فحسب، كما يمكن احتساب صمود الفلسطينيين أمام الهجوم الأمريكي، والصمود الفذ للشعب الفلسطيني، وجمهور مناصريه في العالم كحركة المقاطعة، وبدء محكمة الجنايات الدولية تحقيقا بجرائم الحرب الإسرائيلية.

وفي رصيد الخسائر والأحزان يمكننا احتساب مسلسل «هدايا» إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإسرائيل، من نقل للسفارة، واعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، والتشجيع على ضم النقب، والتطبيع المتسارع لدول عربية مع إسرائيل، واستمرار المأساتين السورية واليمنية، اللتين شهدتا أقسى مراحلهما مع هجوم النظام السوري وحلفائه على إدلب، وانقضاض الانفصاليين على الجنوب لتتشكل ثلاث قوى تعبر عن نفوذ إيران والسعودية والإمارات، كما انتقل عدوان الجنرال الانقلابي خليفة حفتر في ليبيا إلى مستوى جديد أدى لتأهب أطراف جديدة للتدخل وإمكانية توسيع الحرب من البر الليبي إلى مياه البحر المتوسط وأجوائه.

يصعب تجاهل وجود حرب متعددة المستويات ضد المسلمين تتبدى أسوأ أشكالها في بلدان كلصين وميانمار والهند، حيث يعامل الملايين منهم كأقليات يمكن سومها أشكال الاضطهاد والتهجير والاعتقال والهندسة الجغرافية والتمييز الديني، بالتناظر مع صعود التيارات القومية العنصرية، والتشويه المبرمج لمعنى الإسلام ولوجود المسلمين، ما يعزز إحساس الشعوب المسلمة بمظلومية عالمية، ويفاقم باضطراد النزعات السلفية اليمينية والإرهابية لدى اتجاهات سياسية إسلامية، ويجري كل هذا بدعم وتواطؤ مؤسفين من أنظمة مستبدة إسلامية أيضا، فهذه الأنظمة لا تقل احتقارا لشعوبها وثقافاتها عن الأنظمة غير الإسلامية، كما أنها تعتاش بدورها على إشاعة سردية الإرهاب وربطها بأي عمل يحاول مقاومة فسادها واستبدادها.

لا يمكن عزل ما يحصل في البلدان العربية والإسلامية عن الاختلالات العالمية الكبرى التي يواجهها النظام الرأسمالي العالمي منذ أزمة 2008، ومن دون الأخذ في الاعتبار أثر القوى الصاعدة الكبرى كالصين، والثورة الرقمية الهائلة التي تغير العالم إلى غير رجعة، ونجاحات التيارات الشعبوية في أمريكا والغرب، وهو ما يفرض على نخب الشعوب العربية والإسلامية تأطير نضالاتها ضمن منظومات عالمية، يحضر فيها الدفاع عن كوكب الأرض وأحزاب الخضر، مع اتجاهات الدفاع عن الأقليات واللاجئين، ومواجهة التيارات العنصرية والشعبوية، وبذلك تخرج النضالات العربية والإسلامية من طابع الدفاع المجرد عن الذات، إلى الانخراط في نضالات الشعوب ككل ضد الاستبداد متعدد الوجوه والأشكال.

وسوم: العدد 857