الإرهاب الحقيقي الذي يجب محاربته واستئصاله

الإرهاب مذهب واحد مهما اختلفت مسمياته

أشار الاتفاق الروسي التركي المتضمن وقف إطلاق النار في ادلب إلى أن الدولتين التركية والروسية سيتعاونان معاً على محاربة الإرهاب، وقد دأبت موسكو ومعظم دول العالم على الإشارة إلى أن الإرهاب المقصود به هو (داعش والقاعدة والنصرة) دون الحديث عن مجموعات مصنفة على أنها إرهابية بحسب القوانين والقرارات الدولية والإقليمية، والمتمثلة بالميليشيات الطائفية الشيعية التي جندتها إيران؛ وتزج بها في القتال إلى جانب النظام السوري وتشاركه بفعالية إجرامية لا حدود لها في قتل شعبه منذ عشر سنوات، والميليشيات الكردية الانفصالية التي تحتل مدن عربية بعد أن طردت أهلها منها، وتضع يدها على بعض آبار النفط في شرقي سورية، وتدعو إلى إقامة دولة كردية على أجزاء من شمال وشرقي سورية.

أماكن تواجد الميليشيات الطائفية الشيعية

ونحن اليوم نسلط في مقالنا هذا الضوء على أماكن تواجد الميليشيات الطائفية الشيعية الأفغانية التي جندتها إيران وأماكن تواجدها في سورية:

تنتشر ميليشيات إيران سواء السورية، أو العراقية، أو الأفغانية، أو الباكستانية، في الجنوب السوري، ومنطقة السيدة زينب بدمشق، وبريف حلب الجنوبي، وبريف حماة الشرقي، وفي دير الزور، حيث تسعى طهران لتأمين الطريق البري الواصل بين إيران ببيروت وضمان وصول الإمدادات العسكرية لها عن طريق معبر البوكمال - القائم، وكذلك تأمين حلمها في "الهلال الشيعي" الذي تسعى لإنشائه عن طريق نشر التشيع في جميع المناطق التي تسيطر عليها، وخاصة في الأرياف.

الحرس الثوري الإيراني يجند الشيعة الأفغان

ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن الحرس الثوري الإيراني يجنِّد لاجئين أفغان شيعة للقتال في سورية برواتب تصل إلى 500 دولار شهرياً. وأن تجنيد هؤلاء جاء لتعويض الخسائر التي لحقت بصفوف عملاء "فيلق الحرس الثوري" في سورية.

ويرى الكاتب الأميركي "فيليب سميث" أن انخراطهم المتزايد في الحرب يستدعي تمحيصاً أدق نظراً إلى تداعياته المحتملة على سورية ومستقبل طموحات إيران الإقليمية والطائفية، بحسب دراسة نشرها "معهد واشنطن لدراسة الشرق الأوسط"، في 7 يونيو/حزيران الماضي.

وأوضح أن المقاتلين الشيعة الأفغان في سورية ينحدرون من ثلاثة أصول رئيسية: أولها هو الوحدة التي كانت موجودة بالفعل في سورية قبل اندلاع الثورة، ويسكن أفرادها بالقرب من مرقد السيدة زينب، وهو مزار شيعي بارز في جنوب دمشق.

ونقل سميث عن الباحث "أحمد شجاع" أن نحو ألفي أفغاني شيعي، معظمهم من قومية "الهزارة" التي يتكلم أبناؤها اللغة الفارسية، انتقلوا للعيش في سورية قبل اندلاع الثورة وعلى غرار لاجئي الهزارة في البلدان الأخرى، فرّ الكثيرون منهم من أفغانستان جراء المعارك مع حركة طالبان.

وأشار إلى أن المقاتلين الذين ينحدرون من هذه الفئة من السكان اللاجئين اتّبعوا في تنظيمهم نموذجاً يشابه تنظيم "لواء أبو الفضل العباس" - أبرز فصيل شيعي مؤيد للنظام في سورية، وقد تألف صلب القوة الأصلية لـ"لواء أبو الفضل العباس" من لاجئين عراقيين شيعة من منطقة السيدة زينب الذين تجمعوا في شكل لجنةٍ شعبية؛ وكان تبريرهم المعلن عن مشاركتهم في القتال هو الدفاع عن المرقد الشيعي المقدس.

الميليشيات الشيعية العراقية تساهم في بناء الميليشية الشيعية الأفغانية

وجاء في ما بعد المجندون المدعومون من إيران والمقاتلون المدربون من منظمات قائمة كـ"عصائب أهل الحق"، وكتائب "حزب الله"، و"حزب الله" اللبناني ليساهموا في توسيع هذا اللواء وبناء قدراته القتالية.

أما الوحدة الثانية من المقاتلين الشيعة الأفغان فتنحدر من إيران، وفقاً للصحف المدعومة من الحكومة الإيرانية ومصادر شيعية أفغانية، وتشكل هذه الوحدة المجموعة الكبرى بين الوحدات الثلاث.

وأشار إلى أن الكثيرين من هؤلاء المجندين كانوا في الأصل لاجئين في إيران، التي تُعد موطناً لحوالي نصف مليون من الهزارة؛ وقد أشار تقرير "مركز ستيمسون" عام 2010 إلى أن ثلث هؤلاء اللاجئين "أمضوا أكثر من نصف حياتهم في إيران".

ولفت إلى أن المصدر الثالث "والأكثر مدعاةً للجدل" للمقاتلين الشيعة الأفغان هو جماعات اللاجئين في بلدان من غير إيران وسورية، وسبق أن أعلن مسؤولون أفغان أنهم سيدرسون التقارير التي تفيد عن مواطنين أفغان يقاتلون لصالح الأسد، وقد طلبت كابول من طهران عدم تجنيد مواطنيها للقتال في سورية، وهددت أفغانستان في حال ثبوت ضلوع طهران بتجنيد أفغان للقتال في سورية بتقديم شكوى لـ"المفوض السامي لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة".

وأوضح الكاتب أن المقاتلين الشيعة الأفغان كانوا متواجدين ضمن شبكة الفصائل المرتبطة بـ"لواء أبو الفضل العباس". وعندما قُتل بعضهم في ساحة المعركة، كانوا يصنَّفون بشكل محدد كعناصر من "لواء أبو الفضل العباس"؛ هذا بالإضافة إلى الصور التي نُشرت لشيعة أفغان يرتدون زيهم العسكري مع شعار اللواء.

ورأى في الوقت ذاته أن المآتم التي أقيمت في إيران في نوفمبر- ديسمبر الماضي تدل على تغيير طبيعة انخراط الشيعة الأفغان في الحرب، إذ تم الإعلان أن المقاتلين العشرة الذين شُيّعوا في تلك المآتم هم عناصر من تنظيم قتالي جديد يدعى "لواء الفاطميون"، ومع أن هذا اللواء قد ادّعى منذ ذلك الحين أنه لم يكتف بتجنيد الشيعة الأفغان فحسب، فإن المواد التي نشرها مؤيدوه تؤكد تحديداً على تجنيد تلك الفئة.

المزاعم الإيرانية في نفيها الضلوع في أنشطة الميليشيا الشيعية الأفغانية

ولفت الباحث أحمد شجاع إلى أن كلا من "لواء الفاطميون" وطهران نفوا ضلوع الحكومة الإيرانية المباشر في أنشطة التنظيم، لكن هذه المزاعم غير منطقية، حيث إن أعمال التجنيد لم تتم في إيران فحسب، بل إن المواكب الجنائزية لتشييع القتلى شملت بانتظام جنوداً من "الحرس الثوري الإيراني" بزيهم العسكري فضلاً عن لافتات تحمل شعار "مؤسسة شؤون الشهداء والمحاربين القدامى" الرسمية الإيرانية.

وعلى الرغم من تشكيل تنظيمهم الخاص، لا يزال المقاتلون الشيعة الأفغان ينسّقون بانتظام ويقاتلون إلى جانب التنظيمات الشيعية الأخرى المؤيدة للنظام السوري. ومثالٌ على ذلك هو الصور التي تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لـ"لواء الفاطميون"، والتي تُظهر أحد المقاتلين الأفغان مع اثنين من مقاتلي "عصائب أهل الحق".

وألمح الكاتب إلى تأكيد تقرير نشرته صحيفة إيرانية قالت: إن "المقاتلين الشيعة الأفغانيين كان لهم وجود في عصائب أهل الحق وميليشيات شيعية أخرى مثل "لواء ذو الفقار"، وقد أتاح هذا الوجود لهؤلاء المقاتلين المشاركة في الاشتباكات الكبرى في جميع أنحاء سورية، بما في ذلك اشتباكات في منطقة دمشق، وفقاً للتقارير.

ووفقاً لعدد من التقارير فمن الواضح أيضاً أن "الحرس الثوري الإيراني" والتابعين له يتكبدون خسائر في سورية ويستوجب بالتالي إيجاد بدائل عنهم.

ومن هنا يُعتبر الشيعة الأفغان، الذين يملكون بغالبيتهم تجارب تدريبية مع الحروب الطائفية الضروس في أفغانستان، المرشحين الأمثل لمحاربة الثوار السُّنة في سورية، على الرغم من أن فعاليتهم في ساحة المعركة ما زالت غير مؤكدة؛ لكن وجودهم المتنامي يتيح على الأقل للقوات الإيرانية وغيرها التابعة لها فترة راحة هي في أمس الحاجة إليها.

وسوم: العدد 867