حماس "تكشف المستور" في علاقاتها بالسعودية

كشف محمد نزال عضو المكتب السياسي لحماس، ونائب رئيسها في الخارج، يوم 22 أبريل، لأول مرة عن تفاصيل اجتماع سابق جمع قادة الحركة، وعلى رأسهم خالد مشعل الرئيس السابق لمكتبها السياسي، بولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أبريل 2015، وأسفر عن إفراج السعودية عن مسؤول الحركة بالمملكة ماهر صلاح، ومسئولها المالي السابق بعد اعتقاله عدة أشهر، بزعم نقله أموالا من المملكة لخارجها.

وأكد نزال بلقاء مع قناة الشرق الفضائية المعارضة للسلطات المصرية، التي تبث من تركيا، أنه التقى شخصيا دون تحديد تاريخ، بالأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي الراحل، والأمير تركي بن فيصل الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية.

وأضاف نزال أن العاهل السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز تبرع في 1998 بخمسة ملايين ريال سعودي لحماس، كما تبرع الملك السابق عبدالله بن عبد العزيز بذات العام بعشرة ملايين ريال سعودي، إبان زيارة الشيخ أحمد ياسين زعيم الحركة للمملكة عقب الإفراج عنه من السجون الإسرائيلية.

مصدر قيادي في حركة حماس، أخفى هويته، أبلغ "ميدل إيست مونيتور" أن "الحركة لم تتعود الكشف عن مصادر التبرعات التي تصلها، سواء على مستوى الدول أو الهيئات أو الأشخاص، ولعلّها المرّة الأولى التي تكشف فيها عن مصادرها، وتحدّد الأسماء التي تبرّعت لها، عندما تم الإعلان عن ذلك مؤخّرا".

وأضاف أن "الكشف الأخير عن علاقة الحركة بالسعودية، سواء على صعيد لقاءاتها بالقيادات السياسية في المملكة، أو حصولها على التبرعات المالية، يأتي من أجل إنصاف القيادة السياسية التاريخية للمملكة العربية السعودية، التي كانت داعما أساسيا ودائما للقضية الفلسطينية، وحركة حماس، بجانب التعبير عن الاستغراب من الموقف الجديد للملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان تجاه القضية الفلسطينية عموما، وحركة حماس خصوصا، وذلك باستحضار مواقف أسلافهم، الذين كانوا يقدّمون الدعم السياسي والمعنوي والمالي لحماس".

مع العلم أن اعتقال أول ممثل لحركة حماس في السعودية د. محمد الخضري، مثّل سابقة خطيرة في الأعراف السياسية والدبلوماسية والأخلاقية، ولا يجوز السكوت عنها، كما أن اتهامه بالانتماء إلى كيان "إرهابي"، وتقديم الدعم المالي له، يشكل مفارقة صارخة، لأن الخضري تم اختياره لتمثيل الحركة في السعودية، بالتفاهم مع الأمير تركي الفيصل رئيس جهاز الاستخبارات العامة حين ذاك، ويوجد كتاب بذلك منذ 1993، وبقي الخضري يمارس هذا الدور لما يزيد عن خمسة عشر عاما، وجمع التبرعات تحت سمع وبصر السلطات السعودية الرسمية، كما نسّق دائما مع رئيس الملف في جهاز الاستخبارات العامة، اللواء محمد سعيد الغامدي.

من الواضح أن حماس اضُطرت إلى الكشف المتأخّر والتدريجي عن بعض تفاصيل العلاقة مع السعودية، انطلاقا من الظلم الذي لحق بها، وحول انعكاسات ما تم الإعلان عنه على العلاقة مع حماس، فإن ما تم كشفه هو بعض التبرعات التي قدّمها القادة السعوديون، وليس كلها، وهي تمثّل نقطة مضيئة للمملكة، ولا تسيء لها، بل تنصفها.

"ميدل إيست مونيتور" علم من أوساط قيادية في حماس أنه "يمكن القول بكثير من الثقة أنه لا جديد على صعيد الوساطات بين المملكة وحماس، وإن استئناف العلاقة لا يحتاج إلى وسطاء، وإنّما يحتاج إلى إرادة سياسية من الطرف السعودي، لأن الإرادة السياسية عند حماس موجودة، ولم تتغيّر بشأن السعي لأفضل صورة من صور العلاقة مع السعودية، انطلاقا من فهمها وإدراكها للأهمية الاستراتيجية لهذه العلاقة، سواء بالنسبة للقضية الفلسطينية، أو بالنسبة للأمن القومي العربي، التي تعد السعودية جزءا لا يتجزأ منه".

قبل القطيعة الحالية بين حماس والسعودية، دأبت الأخيرة على إفساح المجال لجمع التبرعات للحركة فيها، وفي رمضان من كل عام كان يقوم قادة الحركة بزيارة المملكة، وتتم استضافتهم بصورة رسمية، ويلتقون بكبار مسئوليها، لكن علاقة السعودية وحماس شهدت توترا أقرب للقطيعة عقب اعتقال محمد الخضري أول ممثل لها بالمملكة في أبريل 2019، و60 آخرين من أنصارها، واتهامهم في مارس 2020 من القضاء السعودي بالانتماء لكيان "إرهابي".

يمكن تفسير تصريحات نزال بأن لها ثلاثة أسباب، أولها محاولة حماس للضغط على السعودية بخصوص معتقليها لديها، وثانيها مناسبة لتذكير النظام السعودي الحالي بالعلاقات التاريخية التي ربطت الحركة بالمملكة بمراحل سابقة، للمساهمة بالإفراج عن المعتقلين، خاصة كبار السن والقيادات، مع أن الوساطات لحل قضيتهم لم تتوقف، دون جدوى، وثالثها غياب أي صوت مؤثر داخل المملكة يطالبها بالإفراج عنهم.

قبل تصريحات نزال الأخيرة، وصلت علاقة حماس بالسعودية مستوى نوعياً من التوتر عقب مبادرة عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين باليمن، التابعة لإيران، يوم 26 مارس، لإطلاق سراح طيارين سعوديين محتجزين لديهم، مقابل إطلاق سراح معتقلي حماس لدى المملكة، حيث رحبت حماس بالمبادرة، في حين صمتت الرياض إزاءها.

تؤكد الحركة أن علاقاتها مع السعودية سارت دائماً بشكل رسمي، وكل أعمالها مشروعة ضمن القانون السعودي، وحماس لم تتحرك في أي وقت داخل السعودية إلا ضمن علاقة محددة لخدمة القضية الفلسطينية، وتواصل اتصالاتها مع أكثر من طرف لتأمين الإفراج عن معتقليها هناك، وحديث نزال الهدف منه توضيح الحقائق، وليس إحراج أي طرف.

يمكن توصيف علاقة السعودية وحماس بالمعقدة، وتشهد محطات مد وجزر، رغم وصولها مرحلة قاسية من التصعيد بعد اعتقالات المملكة لكوادر حماس في 2019، ويبدو أن كشف نزال عن معلوماته الجديدة غير المسبوقة بشأن تبرعات المملكة لها، سبقه مراحل من محاولات توسيط العديد من الجهات لإيجاد حل صامت لقضية معتقليها، وحرصها ألا تخرج الأزمة للعلن، لكن جميع المبادرات والوساطات باءت بالفشل، مما أوجد إحباطا في حماس، دفعها للكشف عن تلك المعلومات.

ما من شك أن علاقة السعودية بحماس توصف بأنها تاريخية وقوية، لكن المرحلة الأخيرة شهدت توترا فيها وصل حد القطيعة، ووصف الحركة بالإرهاب، وقد يكون بسبب مواقف أمريكية إسرائيلية معادية لحماس، ولكن لأن السعودية دولة مركزية بالمنطقة، وحماس عنصر فاعل فيها، فإنه يتطلب من المملكة الانفتاح على كل المكونات الفلسطينية، بما يساعدها بتنفيذ استراتيجيتها لتوسيع نفوذها بالمنطقة، أما قطيعة السعودية مع حماس فلا يخدم سياستها الخارجية.

كما أن تصريحات نزال يمكن تفسيرها على أنها تعبير عن إغلاق الأبواب مع السعودية، وحصر الإشكالية في علاقة حماس مع النظام الحالي ممثلا بالملك سلمان وولي العهد ابنه محمد، وليس مع المملكة بشكل عام، وبذلك يتم تحجيم الأزمة مع جهة معينة داخل المملكة، وليس مع كل أجنحة الدولة.

تكمن دوافع تصريحات نزال التي لم يصدر تجاهها تعليق سعودي، بأنها رد على رفض الرياض لأي وساطات ترسلها الحركة للإفراج عن معتقليها، مما جعلها تشيد بملوك سعوديين سابقين، وتنتقد سياسة الملك الحالي وابنه ولي العهد، وقد تساهم التصريحات المحبطة من المملكة بتعقيد الأزمة بين الجانبين، وليس حلحلتها، بالنظر لسياسة العناد التي تنتهجها القيادة السعودية الحالية تجاه الحركة.

وسوم: العدد 876