تواصل سياسة اغلاق المؤسسات في القدس لتهويد المدينة وطمس هويتها العربية

المحامي علي ابوهلال

اغلاق مؤسسات القدس هي سياسية قديمة جديدة لسلطات الاحتلال المحتلة في المدينة المقدسة، وتندرج في إطار سياستها الرامية إلى تهويد المدينة، وطمس هويتها وثقافتها العربية، وفي هذا الإطار قامت خلال الأيام الماضية بإغلاق جمعية "تطوع للأمل المقدسية"، في بلدة بيت حنينا، شمال القدس، بقرار من وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان لمدة 6 أشهر.

حيث اقتحمت مخابرات الاحتلال مقر الجمعية وبعد تفتيشها علقت عليها قرار الاغلاق والذي جاء فيه:" ان جمعية الأمل تقدم فعاليات ونشاطات للسلطة الفلسطينية في القدس، دون إذن وهو مخالف لقانون تطبيق اتفاق الوسط بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة/ تحديد نشاطات". وقامت قوات الاحتلال باعتقال مديرة الجمعية سلفيا أبو لبن وحولتها للتحقيق في مركز شرطة المسكوبية، علما ان المخابرات استدعتها قبل عدة أيام للتحقيق معها، كما سبق أن هددتها بإغلاق الجمعية قبل حوالي شهرين لدى اقتحامها ومصادرة الملفات والحواسيب منها.

ويذكر أن جمعية "تطوع للأمل المقدسية" افتتحت قبل عامين، وتقوم بتقديم الخدمات المتنوعة لفئة الشباب والأطفال والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة والعائلات المهمشة ومن هم في ضائقة، وكما تركز في مشاريعها على تنمية وبناء المهارات والقدرات القيادية لدى الفئات المستهدفة في الجمعية، إضافة الى تنظيم مخيمات صيفية وشتوية وتنظيم رحلات وعقد دورات للغات، وتوظيف هذه القدرات والطاقات في العمل التطوعي.

في الأسبوع الماضي جددت سلطات الاحتلال تمديد اغلاق مكتب تلفزيون فلسطين في القدس لمدة 6 أشهر، وكانت سلطات الاحتلال قد قررت اغلاق هذا المكتب أواخر العام الماضي، مع عدد من المؤسسات المقدسية بعد اقتحامها، حيث داهمت قوات من جيش الاحتلال مقرات وزارة التربية الفلسطينية، ومدرسة دار الأيتام، ومقر هيئة الاذاعة والتلفزيون الفلسطينية، والمسجد الرصاصي في الصوانة، والمركز الصحي العربي وسلمتها قرار ما يسمى وزير الامن الداخلي في حكومة الاحتلال القاضي بإغلاقها لمدة ستة اشهر، بدعوى ممارسة أنشطة للسلطة الفلسطينية في مدينة القدس قبل أن تعبث بمحتوياتها، وتجري عملية تفتيش لعدد من هذه المؤسسات، كما قامت بمصادرة مفاتيح المسجد الرصاصي وأغلقته، وأجهزة حاسوب، ووثائق وأوراق وملفات تعود لهذه المؤسسات، وهو اعتداء على حق المؤسسات المقدسية المسجلة، والتي تعمل بصورة قانونية وتمارس أنشطتها على مدار سنوات طويلة.

منذ عام 1967، أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من 120 مؤسسة فلسطينية في القدس، تم إغلاق حوالي 88 بالكامل، بينما اضطر الآخرون إلى نقل مكاتبهم من القدس المحتلة إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية، وخاصة مدينة رام الله بعد إقامة السلطة الفلسطينية، وكان من أبرز المؤسسات التي أغلقتها السلطات الإسرائيلية بيت الشرق في أغسطس 2001، وهو المقر الفعلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس المحتلة، وكانت المؤسسة نقطة محورية للحياة الثقافية والسياسية الفلسطينية، تبعها إغلاق أكثر من 22 مؤسسة اقتصادية واجتماعية في القدس المحتلة.

على مدى العقد الماضي، أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من 80 أمرا عسكريا لإغلاق الفعاليات الفلسطينية في القدس المحتلة، بما في ذلك الفعاليات الثقافية والتعليمية والتوظيفية، والمؤتمرات الصحفية، وشنت حملات على النشاطات والفعاليات الفلسطينية المختلفة في مدينة القدس، بما يشمل النشاطات الثقافية والفنية ومعارض الكتب ومهرجانات للأطفال.

 إن سياسة الاحتلال التي كانت تستهدف فصل مدينة القدس المحتلة عن باقي الضفة الغربية، وتقييدها لحرية الحركة لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة، كان بمثابة ضربة قوية للحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للقدس المحتلة، وكان رد المقدسيين هو الحفاظ على الهوية الفلسطينية والعربية للمدينة المقدسة، من خلال استمرار الأنشطة الثقافية والاجتماعية والفنية والدينية وغيرها، واستمرار علاقات متنوعة مع محيطهم الفلسطيني.

واصلت سلطات الاحتلال إغلاق المؤسسات ومنع الفعاليات الفلسطينية في القدس المحتلة، تحت ذرائع عديدة، وهي بذلك تنتهك وتتعارض مع التزاماتها وضماناتها للمجتمع الدولي فيما يتعلق بالوجود الفلسطيني وأنشطة المؤسسات الفلسطينية في القدس المحتلة، وفي هذا الإطار يستخدم ما يسمى بوزير الأمن الداخلي قانون 5755-1994" إغلاق الأعمال والمناسبات" (تقييد الأنشطة) الذي يمنع الأنشطة التي تتعارض مع تنفيذ الاتفاقية المؤقتة المتعلقة بالضفة الغربية وقطاع غزة، وبواسطة هذا "القانون" الجائر تمنع سلطات الاحتلال إقامة الفعاليات الفلسطينية، تحت رعاية السلطة الوطنية الفلسطينية بادعاء أنها مخالفة لاتفاقيات أوسلو، وخارطة الطريق، التي أقرها قرار مجلس الأمن.

وتذكر دائرة المفاوضات الفلسطينية على سبيل المثال، أن إحدى الالتزامات الإسرائيلية الرئيسية تنص على أن حكومة إسرائيل "تعيد فتح الغرفة التجارية الفلسطينية، وغيرها من المؤسسات الفلسطينية المغلقة في القدس المحتلة، بناء على التزام بأن هذه المؤسسات تعمل بشكل صارم وفقا للاتفاقات السابقة بين الطرفين"، لكن لغاية الآن لا تزال هذه المؤسسات الفلسطينية مغلقة.

تؤكد الاتفاقية المرحلية أن منظمة التحرير الفلسطينية مكلفة بإدارة العلاقات الخارجية للشعب الفلسطيني. وبموجب الاتفاق الانتقالي لا يُحظر على مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية العمل في القدس المحتلة امتثالا للاتفاقيات المؤقتة، على عكس مسؤولي السلطة الوطنية الفلسطينية ولذلك لم تفتح السلطة الوطنية أي مكتب في القدس، وكانت الأنشطة الدبلوماسية والسياسية الفلسطينية في القدس المحتلة في حالة امتثال كامل لالتزامات منظمة التحرير الفلسطينية بموجب الاتفاق الانتقالي.

منذ عام 1967 لم تغير الولايات المتحدة الأميركية سياستها تجاه القدس المحتلة، لكن بعد اعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل في 6 ديسمبر 2017، صعدت الحكومة الإسرائيلية عدوانها على الشعب الفلسطيني وكذلك إنكارها للحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك داخل وحول عاصمة دولة فلسطين المحتلة، وهذا يشمل التهجير القسري للسكان المدنيين خارج مدينتهم، وهدم المنازل وتوسيع المستوطنات الاستعمارية الإسرائيلية، واضطهاد المجتمع المدني المقدسي الفلسطيني والقادة السياسيين، وممارسة سياسة التطهير العرقي والتمييز بحق المواطنين الفلسطينيين المقدسيين.

إن هذه الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني، ولمبادئ حقوق الانسان، ولقرارات الشرعية الدولية، هي جزء من سياسة إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، وذلك لتعزيز هيمنتها وسيطرتها على القدس المحتلة، وضمان تهويدها وأرسلتها.

 لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات عاجلة وفعالة لوقف انتهاكات إسرائيل للقانون الإنساني الدولي فيما يتعلق بالقدس المحتلة، كما لم يتحرك المجتمع الدولي بصورة فعالة، لمطالبة إسرائيل بوقف سياساتها المتعلقة بإغلاق المؤسسات الفلسطينية ومنع الفعاليات الفلسطينية، واحتجاز المسؤولين والنشطاء الفلسطينيين وقادة المجتمع المدني، ولم يقم المجتمع الدولي بأسره بتوفير الحماية للسكان الفلسطينيين في المدينة المقدسة، ولم يمارس الضغط لمطالبة إسرائيل بالامتناع عن اتخاذ إجراءات أحادية أخرى تهدف إلى تغيير طابع المدينة المحتلة،  وبقيت إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال تمارس سياسة التطهير العرقي في المدينة المقدسة، بدون أي ردود فعل مؤثرة ضد هذه السياسة، مما عزز سياسية ثقافة إفلات إسرائيل من العقاب.

في نفس الوقت بقيت القدس المحتلة ومؤسساتها، وبقي المواطن المقدسي، بدون حماية أو دعم كافٍ لمواجهة سياسة سلطات الاحتلال التي تستهدف تهويد المدينة وطمس هويتها العربية والفلسطينية، ليس على المستوى العربي والإسلامي، بل على المستوى الفلسطيني الرسمي، الأمر الذي يتطلب توفير استراتيجية فلسطينية أولا، واستراتيجية عربية وإسلامية ثانيا، لحماية القدس والحفاظ على هويتها وثقافتها العربية.

وسوم: العدد 877