حفتر وإسرائيل.. عدو الأمس أصبح حليفاً

الأناضول

إسطنبول: تبدو إسرائيل بعيدة عن مسرح الأحداث في ليبيا، لكن تقارير بحثية وإعلامية عديدة أكدت دعمها للواء الانقلابي خليفة حفتر، في مواجهة الحكومة الشرعية، بالنظر إلى تقاطع مصالحها وأمنها القومي مع مليشيات الشرق.

وتسعى إسرائيل، الغارقة حاليا في مشاكل داخلية، لإبقاء علاقتها مع حفتر طي الكتمان؛ لعدم إحراجه أمام الرأي العام العربي والإسلامي، وخاصة أنصاره في شرق ليبيا وعلى رأسهم التيار السلفي المدخلي والقوميين العرب.

لكن هذه العلاقة طفت إلى السطح من خلال عدة تقارير إعلامية وبحثية إسرائيلية وعربية.

حيث كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية، أن ضباطا إسرائيليين تولوا تدريب ميليشيات حفتر على حرب الشوارع في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها خلال شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2019.

وأشارت الصحيفة العبرية، أن الإمارات زودت مليشيات حفتر بأنظمة دفاع صاروخية إسرائيلية لمواجهة الطائرات المسيرة التي يستخدمها الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية.

بينما تحدث الإعلامي الإسرائيلي يوسف ميلمان، في مقال نشره في صحيفة “ميدل إيست آي”، عن تدريب مبعوثي المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، لبعض ضباط حفتر الأساسيين على “التكتيكات الحربية، وجمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية، وكذلك على إجراءات التحكم والقيادة” في مصر.

وأشار الصحفي الإسرائيلي إلى أن حفتر، التقى ما بين 2017 و2019، مبعوثي الموساد في العديد من المناسبات في القاهرة، والذين ساعدوا مليشياته في “شراء تجهيزات الرؤية الليلية وبنادق القنص”.

غير أن صحيفة “موند دافريك” الفرنسية، ذكرت في تقرير لها في 2 يوليو/تموز الجاري، أن حفتر لجأ إلى إسرائيل في 2015، بعد محادثات مع عناصر الموساد في الأردن.

وكشفت أن القوات الجوية الإسرائيلية ساعدت حفتر في قصف مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، دون تحديد تاريخ هذا القصف والجهة التي استهدفتها.

من الواضح أن حفتر، الذي يتغنى أنصاره بمشاركته في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ضد إسرائيل (لم يشارك في أي معركة)، مستعد للتحالف مع عدو الأمس لتحقيق هدفه في حكم ليبيا، فضباط حفتر تنقصهم الاحترافية رغم رتبهم العالية، لذلك يحتاجون للتدريب خاصة في مجال التخطيط وحرب المدن.

ناهيك عن حاجة حفتر للأسلحة النوعية لمواجهة الطيران المسير للجيش الليبي، الذي لعب دورا أساسيا في هزيمتهم في الأحياء الجنوبي للعاصمة طرابلس، وفي قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب غرب طرابلس)، ومدن الساحل الغربي خاصة.

لذلك يسعى حفتر للاستفادة من الإمكانيات الإسرائيلية، وخاصة من نفوذ اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية للتأثير على صناع القرار في البيت الأبيض.

وتتجلى مساعي حفتر للتقرب من تل أبيب، في تصريح عبد السلام البدري، نائب رئيس مجلس الوزراء في الحكومة الموالية لحفتر (غير المعترف بها دوليا)، لصحيفة عبرية، بأنهم لم ولن يكونوا “أعداء أبدا” لإسرائيل.

وذهب البدري، بعيدا عندما عرض على تل أبيب، تشكيل تحالف يضم ليبيا ومصر واليونان وقبرص الرومية وحتى لبنان، موضحا أن “المبادرة هي التوقيع على اتفاق بحري مشترك، في مواجهة اتفاق (ترسيم) الحدود المائية الذي وقعته تركيا مع الحكومة الليبية في طرابلس”.

لكن البدري، وبعد الضجة التي أثارتها تصريحاته، نفى صحة ما نشرته صحيفة “مكور ريشون” الإسرائيلية اليمينية المتطرفة في المقابلة التي أجرتها معه.

لكن مصالح تل أبيب في ليبيا مختلفة، فبعد سقوط نظام معمر القذافي في 2011، تحدثت تقارير إعلامية عن وصول أسلحة من ليبيا إلى قطاع غزة الفلسطيني عبر الأراضي المصرية، وهذا ما أزعج إسرائيل، باعتباره تهديدا لأمنها.

وظهور حفتر إلى الواجهة في 2014، وسيطرته على الشرق الليبي فيما بعد، مثّل لإسرائيل جدار صد أمام نقل الأسلحة من ليبيا إلى غزة.

وسيطرةُ حفتر على ليبيا يعني انتهاء الخطر الذي كانت تشكله طرابلس على إسرائيل في أوائل عهد القذافي وبدايات الثورة 17 فبراير 2011.

كما أنه من الممكن جدا أن تتحول ليبيا الغنية بالنفط إلى مستورد للسلاح الإسرائيلي، الذي تمثل صادراته دخلا هاما لاقتصادها.

بما أن إسرائيل تسعى للتحالف مع الإمارات ومصر والسعودية، في مواجهة إيران والتيار الإسلامي، فإن حفتر المدعوم من هذا التحالف، أقرب إليها من غيره.

فتل أبيب تتبع سياسية “صديق صديقي صديقي”، وأيضا “عدو عدوي صديقي”.

وفي هذا السياق، أوضح أستاذ الدراسات الإعلامية الأمريكي غريغوري شوباك، في تصريح لموقع “ذي رييل نيوز” المحلي، أن أهم سبب يدفع تل أبيب لدعم حفتر، يتمثل في أن “الولايات المتحدة تسعى مع الدكتاتوريات في الشرق الأوسط وإسرائيل، لتشكيل تحالف مناهض لإيران، وأيضا أن نجعل الدكتاتوريات العربية تتخلى تمامًا عن القضية الفلسطينية وإلى الأبد”.

فقد نشاهد في مرحلة مقبلة تورط إسرائيلي أكبر في الصراع الليبي، لكن بضجيج أقل، خاصة بعد هزيمة حليفها حفتر في المنطقة الغربية وتراجعه أكثر من 400 كلم نحو خط سرت-الجفرة، وسط البلاد.

وفي هذا الصدد، حذر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، في تقرير له، من أن انتصارات الجيش الليبي على مليشيات حفتر، “سوف تعزز مكانة حكومة الوفاق الوطني، بنفس القدر الذي تعزز المكانة المركزية لتركيا في المنطقة، في مقابل ضعف المعسكر الآخر الذي يضم إسرائيل، مصر، اليونان، وقبرص (الرومية)”.

فالتحالف المشكل من إسرائيل ومصر واليونان بالإضافة إلى قبرص الرومية، لتقاسم احتياطات الغاز الهائلة المكتشفة حديثا شرق المتوسط، ينظر بعين الريبة والقلق إلى الاتفاقية التي وقعتها تركيا مع الحكومة الليبية الشرعية، لترسيم الحدود البحرية، بما لا يتوافق مع “مصالحهم”.

إذ تسعى إسرائيل لمد أنابيب غاز تحت سطح البحر إلى اليونان وإيطاليا عبر قبرص الرومية، لكن هذا الخط يمر عبر المنطقة البحرية بين تركيا وليبيا، وهذا ما يتطلب موافقة أنقرة عليه، وهو ما يرفضه تحالف دول شرق المتوسط.

لذلك يمثل دعم إسرائيل لحفتر إحدى أوراق الضغط التي تسعى تل أبيب للعبها ضد تركيا.

لكن الدعم الإسرائلي لحفتر قد يثير حفيظة دول أخرى معادية لتل أبيب في المنطقة مثل الجزائر وتونس، وحتى التيارات المؤيدة للجنرال الانقلابي مثل القوميين العرب والسلفيين المدخليين.

الأمر الذي يدفع إسرائيل للتحرك في ليبيا بسرية وحذر، وبالتنسيق مع القاهرة، بالشكل الذي لا يثير غضب شعوب المنطقة العربية وبالأخص المغاربية ضد حفتر، وحتى لا تطارده حينها تهم العمالة والخيانة.

وسوم: العدد887