هل سيتضرر النظام السوري من تفجير مرفأ بيروت؟

في اليوم الرابع من شهر آب هزّ انفجار ضخم مرفأ بيروت، فأحدث دمارًا هائلًا مسح فيه المرفأ بالكامل بمرافقه وآلياته وأصبح أثراً بعد عين!

وتحدث الكثير من الاقتصاديين عن تأثيرات انفجار مرفأ بيروت على الاقتصاد اللبناني، وفي ذات السياق تحدث المعلقون عن الأضرار الاقتصادية التي ستلحق بالنظام السوري لطبيعة العلاقة المتشابكة بين (سورية، ولبنان) على الصعد جميعها؛ الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .... وخاصة أنّ السلطة المتحكمة في لبنان (محور المقاومة) مؤيدة للنظام السوري وتلعب دورًا مهمًا في مساعدة النظام السوري على تجاوز آثار العقوبات الاقتصادية التي يفرضها كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

بداية مثّل لبنان ملاذاً آمناً ومرغوباً للتجار السوريين خلال فترة حكم حزب البعث في سورية، لأسباب عدة منها سهولة إجراءات التحويل وعقد الصفقات التجارية واستلام وثائق الشحن عبر المصارف اللبنانية مقارنة بنظيراتها السورية وكذلك لما تضمنه المصارف اللبنانية من سرية مصرفية لعملائها، وأيضا لسهولة إجراءات التخليص الجمركي وإخراج البضائع من مرفأ بيروت، و في كثير من الحالات قام بعض التجار السوريون باستيراد بضائع إلى لبنان إما لكون تلك البضائع ممنوع استيرادها في سورية أو لأنها تخضع لرسم جمركي مرتفع ثم قاموا بإدخالها إلى سورية بشكل غير شرعي (تهريبا)، وقد سهلت منظومة الفساد الإداري في سورية عبور تلك البضائع.

وفي الحالة الراهنة كذلك مثل لبنان خياراً مفضلاً للنظام السوري ولرجال الأعمال المرتبطين به لإتمام أعمالهم التجارية بعيداً عن الرقابة الدولية وأتاح لهم التهرب من العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري ومن يدور بفلكه من رجال الأعمال.

وبناء عليه فقد أسهب الاقتصاديون في الحديث عن تأثير الانفجار الهائل في مرفأ بيروت وتعطل الحركة التجارية فيه لسنوات قادمة على النظام السوري مفترضين صعوبة استمرار رجال الأعمال السوريين المرتبطين بالنظام بأعمالهم بالشكل المعتاد.

وبالمقابل ربما يكون النظام السوري أكبر المستفيدين من تعطل مرفأ بيروت، وهذا رأي صادم ومخالف لرأي أكثر المحللين والمعلقين فعلام أستند هذا الرأي؟

يمكن تقسيم الأعمال المتعلقة باستيراد وتصدير البضائع التجارية عبر البحر إلى قسمين رئيسيين:

- الأعمال المتعلقة بإبرام الصفقات التجارية وإتمامها من مراسلات تجارية وعمليات تحويل الأموال الأزمة (ثمن البضائع) واستلام الوثاق التجارية من بوالص الشحن وشهادات المنشأ وغيرها من وثائق.

هذا القسم من الأعمال لن يتأثر بتفجير مرفأ بيروت إذ لا دور للمرفأ في هذا النوع من الأعمال وإنما هو من اختصاص البنوك وغرف التجارة والدوائر الحكومية المعنية بالعمليات التجارية، وكل المؤسسات المذكورة ستبقى تمارس عملها بشكل طبيعي ولن تتوقف وسيستمر التجار بجميع فئاتهم بممارسة عملهم بما فيهم التجار السوريون الخاضعون للعقوبات الأمريكية والأوروبية.

- القسم الثاني هو أعمال الشحن البحري وتحديد مرفأ الوصول.

تحديد مرفأ الوصول أو المرفأ الذي ستفرغ فيه البواخر البضائع المشحونة من وإلى لبنان هو بيت القصيد، فمرفأ الوصول الرئيسي في لبنان هو مرفأ بيروت وبما أنه أصبح مدمراً بالكامل ويحتاج بحسب التقديرات الأولية إلى عامين على الأقل ليعاود عمله مرة ثانية، فما هي المرافئ البديلة للبضائع الواردة إلى لبنان والصادرة منه.

على الصعيد المحلي يوجد في لبنان مرفأي طرابلس وصيدا، ولكنهما لا يستطيعان استيعاب البضائع الواردة إلى لبنان نظراً لقدرتهما الاستيعابية والتشغيلية المحدودة، إذاً لا بد من اللجوء إلى المرافئ المتوفرة في دول الجوار.

وإذا استعرضنا مرافئ دول الجوار فإنا نجد ثلاث دول قريبة للبنان تصلح مرافئها لأن تكون بديلا مؤقتاً لمرفأ بيروت.

أولاً: دولة الاحتلال الإسرائيلي: والتي يتوفر فيها عدد من المرافئ، ولكن لا يمكن لتلك المرافئ أن تشكل بديلاً للبضائع الواردة إلى لبنان بسبب حالة العداء بين البلدين، والتي لا يتوقع لها حلاً على الأقل في المدى القريب.

ثانياً: الدولة التركية: ويشكل مرفأ مرسين بديلاً لمرفأ بيروت فهو يعتبر من المرافئ الرئيسية في المنطقة ويمكن أن يستوعب حجم البضائع الواردة إلى لبنان، وقد عرضت الحكومة التركية تقديم التسهيلات الأزمة من تفريغ للبضائع في مرفأ مرسين وإعادة شحنها إلى مرفأي طرابلس وصيدا ببواخر أصغر حجماً يمكن استيعابها في المرفأين.

ولكن من الناحية العملية فان هذا الخيار غير مرغوب من قبل التجار كونه سيزيد من تكاليف الشحن وسيزيد من الوقت الازم لوصول البضائع، ولقدرة مرفأي طرابلس وصيدا المحدودة لاستيعاب وتفريغ السفن وينطبق التقييم ذاته على مرافئ جزيرة قبرص.

ثالثاً: المرافئ السورية: تعتبر المرافئ السورية بديلاً مناسباً لمرفأ بيروت لأسباب عدة، فقدرة مرفأي طرطوس واللاذقية على استقبال السفن وتفريغها جيدة، ويتم استقبال حوالي مليون حاوية سنوياً في مرفأ بيروت، وتقدر الطاقة الاستيعابية القصوى لمحطتي الحاويات في اللاذقية وطرطوس بحوالي 600000 حاوية في العام لكل منهما، وفي ظل تراجع الاقتصاد السوري وتراجع كميات البضائع المستوردة إلى سورية وفي ظل هجرة أكثر من نصف الشعب السوري خارج سوريا، يمكن لمرفأي اللاذقية وطرطوس استيعاب البضائع الواردة الى لبنان.

وهنا يبرز موضوع العقوبات المفروضة على سورية، في الواقع لا يوجد نص يمنع قدوم البضائع إلى المرافئ السورية في قانون قيصر أو في العقوبات الأوروبية إلا إذا كان للبضاعة أكثر من استخدام أو كانت من المشتقات النفطية، وفي ذات الوقت أعطى كل من قانون قيصر والعقوبات الأوروبية الحق للأشخاص بالتقدم بطلب إلى الهيئات المشرفة على تطبيق العقوبات للحصول على استثناءات معللة من العقوبات، وقد تعتبر الهيئات المعنية بتنفيذ العقوبات على سورية طلب التجار اللبنانيين باستثناء البضائع الواردة إلى لبنان عبر المرافئ السورية طلباً له من الأسباب الوجيهة ما يبرر قبوله.

وهنا يصبح النظام السوري أكبر المستفيدين من تفجير مرفأ بيروت لما ستشكل رسوم الترانزيت للبضائع الواردة من دخل جيد للنظام وستوفر له مبالغ ممتازة من القطع الأجنبي، وستجعل من استثمار الشركة الروسية لمرفأ طرطوس مجدياً، وخاصة بعد أن أصبحت المنطقة الساحلية والطرق البرية الواصلة إلى الأراضي اللبنانية منطقة آمنة .بمعنى أنها منطقة لا توجد بها معارك عسكرية ويمكن للشرطة العسكرية الروسية أن تشكل ضمانا معنوياً أكبر للتجار بتسييرها بعض الدوريات على الطرق المؤدية إلى لبنان فالمسافة بين مرفأ طرطوس ومعبري الدبوسية والعريضة السورية لا يتجاوز 50 كلم، ويمكن للنظام تشغيل معبر جوسية والذي يعتبر معبراً مفضلاً لحزب الله لقربه من منطقة بعلبك والتي تعتبر من المناطق الحاضنة للحزب.

هذا عدا عن تنشيط الدورة الاقتصادية السورية من خلال توفير آلاف فرص العمل الجديدة للعاملين في المرافئ السورية ولعمال النقل البري وللعاملين في مجال التخليص الجمركي، وزيادة نشاط النقل البري سينشط العديد من المهن الصناعية المرتبطة بصيانة الشاحنات وتصنيع المقطورات للشاحنات.

وسيتيح تدفق البضائع العابرة إلى لبنان المجال واسعاً أمام كبار رموز الفساد لإدخال بضائع إلى سورية بطرق غير شرعية متجاوزين للرسوم الجمركية.

فهل تلقي نظرية المستفيد الأكبر مزيد من الضوء على حادثة تفجير المرفأ؟

وسوم: العدد 892