دعاة العلمانية يثنون على السلوك الخرافي في مناسبة عاشوراء

 تداولت وسائل التواصل الاجتماعي  نقلا عن بعض المواقع على الشبكة العنكبوتية تصريحين لكل من المدعو عصيد ،والمدعو أبو حفص ،وكلاهما من دعاة العلمانية والمسوقين لها بهوس كبير مع اختلاف توجههما، ذلك أن الأول يصدر عن عقلية متعصبة للعرق البربري إلى درجة مناصبة العداء للإسلام لكون القرآن الكريم نزل باللسان العربي، وهو بالنسبة إليه لسان الغزاة على حد قوله الذين سلبوا البربر هويتهم العرقية  وأكرهوهم على الهوية العربية ، أما الثاني فهو متحول عقديا  كالمتحول جنسيا ، وهو تحول يكون كما يقول أهل الهندسة ب 180 درجة من السلفية الطائشة إلى العلمانية الضالة .

 والذي يجمعهما  معا هو السعي وراء إيجاد مناخ  مناسب في المغرب لما يسمى بالدولة المدنية التي هي غاية العلمانية ، علما بأن مفهوم الدولة المدنية مفهوم وافد من الغرب الذي شهد هيمنة الكنيسة على السلطة ،وهو ما نتج عنه مطلب تحويل الدولة من دينية  كنسية إلى مدنية أو بعبارة أوضح إلى دولة لادينية  أو لا كنسية.

وبأسلوب النقل الحرفي عن العلمانية الغربية يحاول دعاتها عندنا تسويق فكرة المطالبة بنقل مجتمعنا  المسلم الذي احتضن الإسلام منذ الفتح الإسلامي الأول إلى مجتمع لاديني أو مدني مع أن حذوهم حذو العلمانيين في الغرب لا يستقيم لأن البيئة الكنسية الصليبية ليست هي البيئة الإسلامية ، ولأن المدني في البيئة الإسلامية لا ينفصل عن الديني كما يقول  الأستاذ الدكتور محمد المختار الشنقيطي .

ويتمثل أسلوب دعاة العلمانية في بلادنا بطريقة  استغلال خلافهم مع الذين يدينون بدين الإسلام للنيل من هذا الأخير، واعتماد ما ينكرونه عليهم مطية لإثبات أن الإسلام صار تراثا متجاوزا ، وأنه  لا بد من قطيعة معه ،ويكون أقصر طريق إلى تحقيقها هو الأخذ بالحل العلماني الذي به تتحقق مدنية الدولة أو المجتمع أو لادينيتهما .

ومن التناقض الصارخ فيما يصدر عنهم أنهم في الوقت الذي لا يتورعون عن وصف كثير من قضايا الوحي بالخرافة أحيانا تلميحا وأخرى تصريحا، نجدهم يثنون على الموروث الخرافي كما هو الشأن بالنسبة لما يسمونه طقوس الاحتفال بمناسبة عاشوراء من إضرام للنيران، وتراشق بالمياه ، وقد استحدث مؤخرا التراشق بالبيض ، وتعاطي البخور في ممارسات للسحر والشعوذة ... وما إلى ذلك من عادات بالية تعكس الماضي الوثني المتخلف الذي جاءت رسالة الإسلام الخاتمة والعالمية لتخلص البشرية منه، وتوجههم إلى توحيد الخالق سبحانه وتعالى.

ومعلوم أن التفسير الإسلامي لمناسبة عاشوراء هو أنها إحياء لذكرى حدث مهم في التاريخ البشري وهو نصر الله عز وجل نبيه موسى عليه السلام حامل رسالة التوحيد العادلة على الطاغية فرعون رمز الوثنية الجائرة .

 وعوض أن ينطلق دعاة العلمانية من هذه الحقيقة التاريخية التي  سجلها الوحي الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه ، ودعوة الناس إلى استلهام هذا الحدث لمواجهة الطغيان والظلم في هذا الزمان، وما أكثره في المعمور ، نجدهم يكرسون الفكر الخرافي البائد الذي يكرس بدوره إعداد البشر لقبول الخضوع للطغيان والجور ، ذلك أن من لا يجرؤ على مواجهة الشعوذة والخرافة، يكون أقل جرأة على مواجهة الطغيان والجور في كل أشكاله .

ومع أن دعاة العلمانية  لا يعرفون بداية لما سموه طقوسا عاشورائية ، وهو ما جعلهم يخبطون ويخلطون في الحديث عنها رافعين من شأنها وهم يعتبرونها إرثا أو تراثا حضاريا وثقافيا يستوجب الصيانة والحفظ مع أنها أفعال منحطة ومخجلة تهبط بمن يمارسونها إلى حضيض التخلف .

ومن المفارقات أن وسائل التواصل الاجتماعي التي نقلت إشادة العلمانيين عصيد وأبو حفص بالطقوس الخرافية  العشورائية، نقلت شهادة بائع بخور وزواحف محنطة وأعشاب  وسموم ... وغيرها مما يستهوي العقول المستلبة خرافيا، فإذا به يسخر ممن يتهافتون عليه لاقتناء ما يسوقه ، ويعترف أن ما يقوم به باطل وعبث، وأن الداعي إلى تسويقه هو طلب قوته لمحاربة الفقر والفاقة، فوجد في تسويق الخرافة والشعوذة  بديلا عن تسويق غيرها مما يحتاجه ضحايا الشعوذة مما ينفعهم في حياتهم.

ولقد عبر مسوق الشعوذة عن وعي ونضج  لم يعبر عنهما عصيد أو أبو حفص ، وكان صادقا مع أبناء وطنه بل ،وموقظا لهم من غفلتهم بينما هما زينا لهم الغفلة لتظل الخرافة والشعوذة معششتين في مجتمع أكرمه الله عز وجل بالإسلام لتحريره من هيمنتهما .

وإذا ما قارنا بين احتفال من شرح الله عز وجل صدورهم للإسلام ،وهوعبارة عن صوم يوم عاشوراء شكرا له سبحانه وتعالى على نصر عدل دينه على جور الوثنية مع احتفال من أضلهم وهو عبارة عن إحياء مظاهر الخضوع للوثنية ،ندرك الفرق الشاسع  بين وعي العبودية لله تعالى وتخلف العبودية للخرافة والشعوذة، وهما وثنان كباقي الأوثان .

ومما يزيد مجتمعنا تشظيا  وانقساما  عقديا ،وقد غزاه التشيع من البوابة الأوروبية  التي دخل إليها عبر المشرق أن الطقوس العاشورائية  يستشيط لها المتشيعون غضبا ،لأنهم يعتقدون أنها عبارة عن فرح أهل السنة بمقتل الحسين رضي الله عنه سبط النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ما يزيد هم كراهية لهم وحقدا عليهم وسبا وشتما ولعنا لهم . ولو أن الاحتفال بعاشوراء اقتصر على صوم يومها كما أوصى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عوض الطقوس الخرافية، لما ذهب فكر المتشيعين بعيدا في تأويلها تأويلا لا أساس له من الصحة، لأن مقتل سبط النبي صلى الله عليه وسلم لم ولن يرضي أبدا سنيا صحيح الإسلام، وسليم العقيدة لأنه لا يتاجر بمقتله سياسيا كما يفعل المتشيعون لعلمه ويقينه الراسخ  أنه شهيد عند الله عز وجل القائل سبحانه وتعالى : (( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) . ولقد كان الأجدر بالمتشيعين أن يتدبروا قول الله عز وجل هذا ،ويستيقنوا أن الحسين الشهيد  رضوان الله عليه حي يرزق عند ربه، وهو فرح بما آتاه من فضله ،وهو يستبشر بمن لم يلحق به شهيدا،  ويخبره بألا خوف عليه ولا حزن ،ولكنهم مع شديد الأسف لا يتدبرون قوله تعالى، فيحزنون لموت شهيد  ،ويخوضون في النياحة، ولطم الخدود، وشق الجيوب، وشج الرؤوس مخالفين بذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يدفعهم إلى ذلك المتاجرون بشهادته وبدمه رضوان الله عليه لأغراض سياسية مكشوفة .

وعجبا لمن لا يبكي ولا يحزن على نفسه وهو لا يعلم ما مصيره في الآخرة ، ويبكي ويحزن لشهيد حي غير ميت فرح بما آتاه الله من فضله .

 وكان الأجدر بهم أيضا أن يحسنوا الربط بين نصر الله تعالى لنبيه موسى عليه السلام على عدوه فرعون الطاغية الظالم وبين إنعامه سبحانه وتعالى على سبط الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بالشهادة ، وهي نصر له على قاتله الظالم ،لأن فضل الله عز وجل على عباده المؤمنين يكون بإحدى الحسنيين : نصر أو شهادة ، وبذلك يكون احتفالهم عبارة عن إحياء سنة صيام يوم عاشوراء شكرا لله تعالى على نصر موسى عليه السلام ، وعلى فضل الشهادة التي أكرم بها جل شأنه سبط النبي صلى الله عليه وسلم ,

وأخيرا نختم بالقول إن داعيتي العلمانية عصيد وأبو حفص قد أقاما على نفسيهما حجة بالتسويق للخرافة والشعوذة بشهادة لسانيهما ، وتوثيق الإعلام لها .

وسوم: العدد 892