أكذوبة قيام الحسين بثورة ضد يزيد والاستبداد والطغيان(ج1)

الحسين لم يقم بثورة ضد يزيد، ولا ضد الاستبداد والطغيان – كما تزعم الرافضة وبعض المخدوعين من المسلمين - وليست من أخلاقه النبوية، أن يقوم بهذا العمل الأرعن، الأهوج، الهبل! ولم يكن شائعاً ذلك المصطلح القميء النتن! 

وإنما وقع ضحية، خيانة، وغدر، ونفاق، وغش، وكذب شيعته الملاعين الأنجاس الجبناء.. الذين عمدوا حينما مات معاوية رضي الله عنه، فأرسلوا إلى الحسين يقولون له: إنا حبسنا أنفسنا على بيعتك، ونحن نموت دونك، ولسنا نحضر جمعة ولا جماعة بسببك. (1)(2).  

الهدف من المقال  

 

سندحض في هذا المقال القصير، كذب، وبطلان تلك الأقاويل المفتراة على الحسين، بأنه ثار ضد يزيد والاستبداد والطغيان، ونثبت للدنيا كلها، براءته من تلك التهمة المكذوبة عليه، من أوثق المصادر التاريخية، وننقل أقواله حين الاستعداد للذهاب إلى الكوفة من مكة، وقبل الخروج منها، ونصائح الصحابة له بعدم الذهاب إليها، ثم أقواله وهو في الطريق إليها، بعد ظهور خذلان شيعته، وخيانتهم وغدرهم له، وتخليهم عن نصرته!  

تتابع إرسال كتب الشيعة 

واستمرت شيعته في الكوفة، بإرسال الكتب له تلو الكتب، حتى تجمع عنده ملء خرجين، أو ما يعادل وقر بعير (3)(4). وهي تحثه وتشجعه، وتدعوه إلى القدوم إلى الكوفة، لمبايعته بالخلافة بدلاً من يزيد! 

فصدقهم، ووثق بعهودهم، ومواثيقهم الخلبية، ونسي ما فعلوه بأبيه وأخيه، وما كان يقوله أبوه عنهم، وقد ذكره بذلك أبو سعيد الخدري فقال له: (يا أبا عبد الله إني لك ناصح ومشفق، وقد بلغني أن قوماً من شيعتكم كاتبوك، فلا تخرج، فإني سمعت أباك بالكوفة يقول: والله إني لقد مللتهم، وأبغضوني وملوني، وما بلوت منهم وفاء، ومن فاز بهم، فإنما فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم ثبات، ولا عزم، ولا صبر على السيف) (5). 

نصائح الصحابة للحسين بعدم الذهاب إلى الكوفة 

 

ولم يبق صحابي، ولا قريب، ولا بعيد، ولا تابعي، ولا صديق، إلا ونصحه بعدم الخروج إلى الكوفة، وحذره أشد التحذير من الوثوق بشيعته، ذات التاريخ الحافل بالسواد، والغدر، والخيانة، ولكنه أصر اصراراً شديداً، وصمم تصميماً كاملاً، وعزم عزماً أكيداً، وخالف كل الصحابة، والمحبين له، وعاند عناداَ قوياً، إلا أن يذهب إلى الكوفة، استجابة لكتب شيعته المارقة الكاذبة، بالرغم من موافقته على نصائحهم، وتصديقه لهم، ولم يرد في أجوبته لهم، وتبريره للخروج إلى الكوفة، أنه ثائر ضد يزيد، وأنه يريد اقتلاع الفساد والطغيان! مما يدحض، ويبطل أسطورة، وخرافة الثورة الحسينية المزعومة! 

وانطبق عليه المثل العربي المشهور: (أتتك بحائن رجلاه) مثل قاله الشاعر عبيد بن الأبرص: في حق من تقوده رجلاه إلى هلاكه.. 

ونسوق بعضاً من نصائح الصحابة، ليعلم المسلمون الغافلون، والمخدوعون بأراجيف الشيعة، حقيقة ما جرى. 

وقال ابن عمر للحسين: لا تخرج فإن رسول الله صلى الله وسلم خيره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه، ولا تنالها – يعني الدنيا – فاعتنقه وبكى، وودعه، فكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بالخروج، ولعمرى لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم، ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش. (6). 

وأتى عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى الحسين وهو في مكة فقال له: قد بلغني أنك تريد العراق، وإني مشفق عليك، وإنما الناس عبيد الدينار والدرهم فلا آمن أن يقاتلك من وعدك نصره، ومن أنت أحب إليه ممن يقاتلك معه. فقال له الحسين: جزاك الله خيرا يا بن عم. (7) (8). 

ثم قال له ابن عباس: إن أهل العراق قوم غدر، فلا تقربنهم. أقم في هذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز. فإن كان أهل العراق يريدونك، فاكتب إليهم فلينفوا عاملهم وعدوهم ثم أقدم عليهم. (9). فإن أبيت فاذهب إلى اليمن، فإن بها لأبيك شيعة. 

فقال الحسين يا بن عم: إني أعلم أنك ناصح مشفق، ولكني عزمت على المسير! فقال له ابن عباس: فإن كان لابد، فلا تسر بنسائك وصبيتك، فإني أخشى أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه! 

ومسيرك هذا يقر عين ابن الزبير، ويخلو له الجو، ليكون هو الأمير على الحجاز.. والله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أني إن أخذت بشعرك وناصيتك، حتى يجتمع علينا الناس، أطعتني، فأقمت، لفعلت ذلك.. 

ثم قال لابن الزبير: قرت عينك يا ابن الزبير وأنشد لطرفة بن العبد  

يا لك من قُبَرة  بمعًمرِ.......... خلا لك الجو فبيضي واصفِرِي ... 

 ونقِري ما شئت أن تنقِرِي (10). 

ولقي الفرزدق فقال له: قلوب الناس معك وأسيافهم مع بني أمية. فقال له الحسين: صدقت، لله الأمر يفعل ما يشاء، وكل يوم ربنا في شأن. (11). 

وقال له عبد الله بن جعفر إني أخشى هلاكك واستئصال أهل بيتك، إن هلكت طفئ نور الأرض (12). وقد أخذ له الأمان من عمرو بن سعيد بن العاص، أمير الحجاز، على البقاء فيها، آمناً سالماً، معززاً مكرماً، غير أنه اعتذر بقوله: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وأمرني فيها بأمر أنا ماضٍ له، علي كان أو لي. وأبى أن يبين طبيعتها، بقوله لن أحدث بها أحداً حتى ألقى ربي (13)(14). 

وحينما خرج من مكة يوم التروية بعد أن تحلل من عمرته، قال له الناس: يا حسين، ألا تتقي الله ! تخرج من الجماعة، وتفرق هذه الأمة! فتأول حسين قول الله عز وجل (لِّي عَمَلِي وَلَكُمۡ عَمَلُكُمۡۖ أَنتُم بَرِيٓ‍ُٔونَ مِمَّآ أَعۡمَلُ وَأَنَا۠ بَرِيٓءٞ مِّمَّا تَعۡمَلُونَ) (15)(16). 

وقيل للحسين يوم خروجه من مكة، ما أعجلك عن الحج؟ قال: إن لم أعجل لأخذت، فسأل ممن أنت؟ قال: من العراق، والناس قلوبهم معك، وأسيافهم مع بني أمية (17).  

وقال أبو سعيد الخدري: غلبني الحسين على الخروج، وقد قلت له: اتق الله، والزم بيتك، ولا تخرج على إمامك، وكلمه في ذلك جابر بن عبد الله، وأبو واقد الليثي، وغيرهما. (18).  

جميع الصحابة، والمسلمين أجمعين، بايعوا يزيداً 

 

وللمعلومية، وللحقيقة التاريخية الموثقة، فإن جميع الصحابة، وأهل الحجاز بأجمعهم، والشام، والعراق، ومصر، وفارس وسواها، بايعوا ليزيد بن معاوية بالخلافة، ما عدا الحسين وعبد الله بن الزبير! فكان أمر المسلمين أجمعين على قلب رجل واحد.      

 

اجتهاد معاوية في توليته يزيد 

 

وقد خطب معاوية فقال: اللهم إن كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيت من فضله، فبلغه ما أملت فيه وأعنه، وإن كنت إنما حملني حب الوالد لولده، وأنه ليس لما صنعت له أهلاً، فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك. (19).  

إرسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة 

وأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة، قبل أن يخرج من مكة بيوم واحد، ليمهد له الطريق للقدوم إليها، ولينظر إن كانوا صادقين في دعواهم نصرته، فلما وصل الكوفة، بايعه ثمانية عشر ألفاً من أهل الكوفة، فكتب له رسالة، أن عجل بالقدوم فإن الناس كلهم معك، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى. (20). 

ولكن حينما أحس مسلم بن عقيل بالخطر، ونادى بشعاره المتفق عليه مع شيعته، يا منصور أمت، اجتمع أربعة آلاف فقط، ولما ذهب بهم لمقاتلة خصمه، تفرقوا جميعاً، ولم يبق إلا أربعة، ثم لم يبق أحد منهم، وسار وحده في طرقات الكوفة، لا يدري إلى أين يذهب (21). 

وهذه هي بداية الخيانة والغدر، ونقض الوعود والعهود، وأسلموه إلى ابن زياد!    

ولما تم القبض عليه من قبل ابن زياد، وأشرف على الموت، قال لمحمد بن الأشعث: هل يمكنك إرسال شخص إلى الحسين ليقول له: ليرجع إلى بيته، ولا يغرنه أهل الكوفة، فإنهم أصحاب أبيك، الذين كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل (22) فلقيه الرسول بزبالة فقال: كل ما قدر نازل، عند الله نحتسب أنفسنا وفساد أمتنا.. 

وحينما اقترب الحسين من الكوفة، لقيه عبد الله بن مطيع، فنصحه بالرجوع، وألا يعرض نفسه للهلاك.. فأبى إلا أن يمضي! 

ولما بلغه مقتل مسلم بن عقيل وهو بالثعلبية، نصحه بعض أصحابه بالرجوع، لأنه ليس له بالكوفة ناصر، ولا شيعة، فعزم على الرجوع، غير أن آل عقيل، أبوا الرجوع، وأصروا على الانتقام والثأر لمسلم، فحينئذ وافق آل عقيل، واستمر في المسير إلى الكوفة، ليس للثورة على يزيد، وإنما مسايرة لبني عمه. ثم قال للذين تبعوه أثناء الطريق من الأعراب، قد خذلتنا شيعتنا، فمن أراد الانصراف، فلينصرف، ليس عليه منا ذمام. 

ثم قال له رجل من الأعراب: أنشدك الله، لما انصرفت، فو الله ما تقدم إلا على الأسنة، وحد السيوف! فقال له الحسين: إنه لا يخفى علي ما ذكرت، ولكن الله لا يغلب على أمره. (23)(24). 

وسنبين في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى، براءة يزيد من قتل الحسين، وأسباب خروجه من مكة، ثم ماذا حدث أثناء المعركة بينه، وبين جيش ابن زياد... 

المصادر: 

  1.   مروج الذهب ج3 ص54  
  2. الطبري ج5 ص347 
  3. الطبري ج5 ص402 
  4. الكامل ج3 ص411 
  5. الذهبي ج5 ص5-6 
  6. الذهبي ج5 ص8 
  7. الطبري ج5 ص383 
  8. الكامل ج3 ص398 
  9. الطبري ج5 ص383 
  10. الكامل ج3 ص 401  
  11. الطبري ج5 ص386 
  12. الطبري ج5 ص387 
  13. الطبري ج5 ص388 
  14. الكامل ج3 ص402 
  15. يونس 41 
  16. الطبري ج5 ص385 
  17. الطبري ج5 ص386 
  18. الذهبي ج3 ص8 
  19. الذهبي ج5 ص272 
  20. الكامل ج3 ص396  
  21. الطبري ج5 ص350+ 370 
  22. الكامل ج3 ص396 
  23. الكامل ج3 ص404 
  24. البداية ج8 ص245 

وسوم: العدد 893