مفتي كذوب ورئيس حكومة كاذب: دولة الكذب

يكذب مفتي مصر، عامدًا متعمدًا، على التاريخ وعلى الجمهور، ويزيّف الحقائق والوقائع، لا لشيء، إلا لأنه يريد أن يغيظ شيخ الأزهر، وينافق عبد الفتاح السيسي، ممالأةً للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، المسكون بهواجس وأوهام موروثة من زمن فرنسا الكولونيالية.

وكما يكذب مفتي مصر المنقلبة على تاريخها وثقافتها وحضارتها، يفعل رئيس حكومة عبد الفتاح السيسي، كما وقف أمس فيما يسمّى حفلًا تثقيفيًا، وتناول أوضاع مصر منذ بداية القرن العشرين، ليخلص إلى أن مصر ولدت مع السيسي، ولم تعرف التنمية ولا الاستقرار إلا معه.

الشاهد أن السيسي أسس لدولة الأكاذيب والأوهام، منذ تم وضعه في سدة الحكم، غير أن جرأة المفتي ورئيس الحكومة على اختراع الأكاذيب تفوق الخيال، وكأنهما واثقان من أن الوعي العام بلغ به العطب حدًا لم يعد يتيح له أن يميز بين الحقيقة والوهم.

لم يخرج حفل السيسي، في الأمس، عن المألوف والمعروف عن هذا النوع من الفعاليات التي  تشبه حفلات المدارس التي يقدّم خلالها التلاميذ فقرات تمثيلية لمحاكاة أحداث تاريخية عبرت، لكن رئيس الحكومة قرّر أن يتشاطر أكثر من اللازم، وينتقل من المحاكاة إلى التزييف، فقال عن مصر من 1956 حتى 1973 التي أسماها فترة الحروب، إن الدولة سحبت يدها من التنمية، وركزت كل الموارد والإستثمارات في إعادة بناء الجيش، وهو ما يعطي انطباعًا بأنه لم تكن ثمّة نهضة صناعية أو إنتاج من الأساس.

هنا قمة التدليس ومنتهى الكذب على التاريخ، نفاقًا لحاضر بائس وفاسد، إذ توصف تلك الفترة تحديدًا بأنها مرحلة النهضة الصناعية الحقيقية في مصر، تلك التي سطع فيها اسم الدكتور عزيز صدقي المعروف باسم "أبو الصناعة المصرية"، والتي شهدت إنشاء أكثر من ألف مصنع حقيقي، تقدّم إنتاجًا من الصناعات الثقيلة يغطي حاجة الداخل، ويفيض للتصدير.

بل أن أي طالب في كليات التجارة والاقتصاد في مصر، وربما على مستوى العالم، قرأ عن أنجح خطة خمسية في التاريخ، تلك التي أشرف على تنفيذها عزيز صدقي في زمن الحروب. وبالتالي، وبصرف النظر عن موقفك النفسي والسياسي من ذلك الزمن، فإن أحدًا لا يستطيع أن يزعم إن الشعب المصري كان يعاني مع توفير متطلبات المعيشة اليومية، من سلع أساسية وخدمات وقت الحروب، كما لا ينكر أحد أن تلك الفترة (17 عامًا) شهدت بناء السد العالي، وإنشاء قلاع صناعية هي الأكبر في أفريقيا والشرق الأوسط،  تم التخلص منها وتفكيكها بالبيع والإلغاء، مع دخول مصر الرسمية الزمن الأميركي الإسرائيلي.

أما مفتي مرحلة عبد الفتاح السيسي فإنه يكذب على التاريخ القريب، فيردّد ما لا يجرؤ على ترديده الخصوم الألداء، حين يتهم جيلين كاملين من مسلمي أوروبا بأنهم دواعش وإرهابيون. ويزعم، في حوار متلفز، أنه بحسب دراسة أجريت عام 2016 هناك نحو خمسين بالمائة من الجيلين الثاني والثالث من المسلمين في أوروبا ينتمون إلى "داعش".

لكلام هذا المفتي رائحة لا تختلف عن رائحة ما تبقى من روث خيول بونابرت، حين احتل مصر ودنّس أزهرها، وأعمل القتل والتنكيل في علمائه، وفي عموم الشعب المصري، قبل 222 عامًا. وهو كلامٌ لا يمكن فهمه في هذا التوقيت إلا أنه دعم لمزاعم إيمانوبل ماكرون وأكاذيبه أن الدين الإسلامي يعيش أزمة على مستوى العالم، وهي المزاعم التي تصدّى لها شيخ الأزهر ببيان قوي ومفحم.

وبصرف النظر عن أن الأسوأ من ماكرون هم الماكرونيون العرب الذين يطلقون فحيحهم من منصّات إعلامية عديدة، أكثر تعبر عن السعودية والإمارات، في طورهما الجديد، الحائر بين البلشفية والفرانكفونية والتصهين على طريقة اليمين المتطرّف، فإن كلام هذا المفتي لا يستند على أي دليلٍ علمي موثق، ذلك أنه أشار إلى دراسة لم يذكر عنوانها، ولا الجهة التي أعدّتها وأصدرتها، وكأن ما يقوله هو الحقيقة المطلقة.

الثابت أن معظم الدراسات المعتبرة والمعلنة التي رصدت أوضاع مسلمي أوروبا ذهبت إلى عكس ما يدّعيه المفتي تمامًا، ومن ذلك دراسة أصدرها معهد بيرتلسمان ستيفتانغ الألماني، ونشرتها وسائل إعلامية أوروبية متنوعة، منها فرانس 24 في صيف العام 2017، وشملت  خمس دول أوروبية، ألمانيا والنمسا وسويسرا والمملكة المتحدة وفرنسا، أظهرت أن المسلمين استطاعوا تحقيق تقدّم ملحوظ نحو الإندماج في المجتمعات الأوروبية، على الرغم من العقبات التي يواجهونها، خاصة في مجال العمل، مع الأخذ بالاعتبار أن الإندماج في البلدان متعدّدة الثقافات يجب أن يقاس بالقدرة على تحقيق المشاركة المجتمعية بين الثقافات المختلفة، من دون أي تمييز.

وفي السياق ذاته، أثبتت دراسةٌ  أجراها "مرصد الأديان" عام 2017  أنّ اندماج المسلمين في مجتمعات دول غرب أوروبا حقق تقدّما واضحا، وقد تجلى ذلك مع أبناء الجيلين، الثاني والثالث، من المهاجرين المسلمين، وهو ما علق عليه بيرند شليبهاك أستاذ العلوم السياسية في "مجموعة التميز" بالقول إن "للمسلمين موقف إيجابي في الإتحاد الأوروبي، مقارنة بباقي المجموعات السكانية في أوروبا"، موضحًا أن "هناك بالخصوص مجموعات من 16 بلدا شملتها الدراسة، أظهرت أن للمسلمين ثقة في البرلمان الأوروبي أكثر من غيرهم، وأن المسلمين الأوروبيين من الجيلين، الأول والثاني، لا ينتمون في غالبيتهم الكبرى لفئة المنتقدين للفكرة الأوروبية".

بالطبع، لا يريد مفتي انقلاب السيسي لجمهوره أن يعرف ذلك، فالرجل مشغولٌ، من عمامته حتى نعليه، بموضوع واحد، هو كيف يكون وفيًا لما يردّده عبد الفتاح السيسي من تحريض ضد مسلمي العالم، وما يزعمه حفيد كليبر، ساري عسكر فرنسيس الإستعمار، إيمانويل ماكرون، من افتراءات  ساقطة، منبعها رواسب استعمارية صليبية تتحكّم فيها فتجعله يتحدّث مثل غزاة  العصور الوسطى.

وسوم: العدد 899