«بلاكووتر» بعد التقرير الأممي: من سدد نفقات الإجرام؟

تمكنت وسائل إعلام غربية ووكالات أنباء عالمية من الإطلاع على نص تقرير سري أعدته مجموعة من المحققين الأمميين وجرى رفعه مؤخراً إلى مجلس الأمن الدولي، حول أنشطة شركة «بلاكووتر» للخدمات الأمنية، من زاوية انتهاك الحظر الأممي على توريد السلاح إلى ليبيا والسعي إلى التعاقد مع مؤسسات مختلفة مقيمة في الإمارات وأستراليا وجنوب أفريقيا وبرمودا وبلغاريا والنمسا، لتزويد المشير الانقلابي خليفة حفتر بأسلحة مختلفة بينها طائرات وزوارق حربية ومعدات سيبرانية، فضلاً عن محاولة لشراء حوامات كوبرا أمريكية الصنع من الجيش الأردني انتهت إلى الفشل.

وكانت العملية، التي تكلفت 80 مليون دولار أمريكي، تستهدف دعم حملة حفتر في نيسان/ أبريل 2019 لاحتلال طرابلس، كذلك كانت ضمن أغراضها سلسلة عمليات لاختطاف أو اغتيال عدد من كبار الضباط الليبيين المناوئين للمشير الانقلابي. ويكشف التقرير الذي وقع في 121 صفحة مجمل أنشطة مؤسس الشركة ورئيسها السابق إريك برنس، وعدد من شركائه وأصدقائه المقربين، في استغلال علاقاتهم الوثيقة مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وشخصيات في الإدارة أمثال جاريد كوشنر وستيف بانون وروجر ستون، وكون برنس شقيق وزيرة التعليم الأمريكية بيتسي ديفوس. كما يعرض التقرير تفاصيل دقيقة عن سجلات الاتصالات الهاتفية التي قام بها أحد كبار مساعدي برنس مع البيت الأبيض، قبل بدء حملة حفتر وبعد أن لاحت علائم فشلها.

ورغم أن برنس نفى محتوى التقرير الأممي، واقتدى به آخرون يشير التقرير إلى تورطهم في العملية، فإن المعطيات لا تبدو دامغة وصارخة وتؤكد الغالبية الساحقة من استنتاجات المحققين فحسب، بل هي في واقع الأمر لا تأتي بجديد من حيث المعلومات العامة التي سبق أن أشارت إلى تورط مرتزقة وميليشيات مختلفة الجنسيات في القتال لصالح حفتر، ولم تكن مجموعات «بلاكووتر» الأمريكية و«فاغنر» الروسية سوى الأكثر شهرة بينها. هذا إلى جانب ما سبق أن شاع على نطاق واسع من مشاركة «بلاكووتر» في عمليات أمنية متعددة، تبدأ من العراق وليبيا ولا تنتهي عند الصومال وعرض الخدمات على الاتحاد الأوروبي.

غير أن شيوع أخبار التقرير الأممي السري يعيد إلى الواجهة طرح السؤال المركزي المتعلق بالجهة التي مولت العملية وتولت ضمان تسديد الـ80 مليون دولار إلى «بلاكووتر» وهنا لم يكن خافياً أن أصابع الاتهام توجهت بصفة شبه حصرية إلى الإمارات بالنظر إلى أنها مقرّ إقامة ثلاث شركات متعاقدة مع «بلاكووتر» وبالنظر أيضاً إلى الصداقة الشخصية الوطيدة والقديمة التي جمعت ولي العهد محمد بن زايد مع برنس. وأما الخلفية المنطقية الثالثة فهي أنّ النظامين المصري والإماراتي كانا أبرز داعمي حفتر في حملة الزحف على طرابلس، وفي مشروعه السياسي إجمالاً، وأن توفير الأموال لشراء الأسلحة كان ملقى على عاتق أبو ظبي وليس القاهرة.

ويبقى أن التقرير يذكّر بأخلاقية الكيل بمكيالين لدى ترامب، الذي لم يودّع البيت الأبيض إلا بعد العفو عن رجال «بلاكووتر» الذين حوكموا بجرائم قتل 14 مدنياً عراقياً في بغداد، أواسط سبتمبر/أيلول عام 2007، فتساوى في انتهاك القانون رئيس القوة الكونية الأعظم مع رئيس شركة الخدمات الإجرامية.

وسوم: العدد 917