في الذكرى العاشرة للثورة السورية: تواري الدور العربي ولقاء الدوحة الثلاثي...

" قيس ابن عمي عندنا ... يا مرحبا .. يا مرحبا "

ونستطيع أن نؤرخ لتواري الدور العربي على الساحة السورية منذ 30/ 9/ 2015 . أي منذ الاحتلال الروسي لسورية. وتأكد هذا التواري بعد ذلك بسقوط حلب نهاية 2016 ، ثم بما كان في الأستانات المتتالية، وما سمي مناطق خفض التصعيد.

لقد شعرت دول الإقليم العربي على اختلاف توجهاتها، أن مواجهة الاحتلال الروسي لسورية، أمر لا قِبَل لها به، ولاسيما في ظل حكم ترامب المتقلب الرعيب فآثرت ، بشكل أو بآخر ، الانكفاء ، أو الابتعاد .

ولقد كان الشعب السوري الطرف الذي دفع الثمن الأبهظ ، لما سمي بالأزمة الخليجية، بغض النظر عن كل تفصيل آخر فيها.

وقد أدركت الحكومة التركية دورها كدولة إقليمية كبرى، فقررت أن تدير الصراع على طريقتها، في ظل التغيرات الدولية الكبرى ، ولاسيما فيما يخصها من اكتشاف المؤامرة الأمريكية على أمنها القومي، برعاية الانقلاب العسكري، ثم بالتحالف بين الأمريكيين وبين بعض الإرهابيين من حزب البي كة كة بهوياته الثلاث التركية والعراقية والسورية، والذين انصبوا من الأقطار الثلاثة على الأرض السورية ليكونوا أداة أمريكية، تحرك بها أمريكا الصراع ، تهدد مخالفيها ، وتحمي مصالحها. ثم من خلال انقلاب حلف الناتو على الدولة التركية ، الانقلاب الذي اتضحت أبعاده من موقف الناتو بعد تورط الجيش التركي بإسقاط طائرة روسية.

التفت الحكومة التركية على نفسها، وبلع رئيسها ريقه، وتم تغيير رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو ، وبالتالي تم اقتراح أرضية جديدة، للتعامل مع الروس، قامت الحكومة التركية من خلالها بإدارة الصراع على الساحة السورية، ولاسيما في المنطقة الشمالية منها، على قاعدة أن السياسة فن الممكن ..

خلال السنوات الخمس الأخيرة من عمر الثورة ، ومن خلال جملة من المتغيرات وأهمها فتح إيران معركة ضد العربية السعودية على أرض اليمن، ومنها الانشغال بالأزمة الخليجية، التي شتت محور الجهد العربي، وكذا من خلال فتح معارك غير مقنعة على الساحة الإقليمية، بعيدا عن محوري الصراع الأساسين المحور الإيراني الصفوي بأبعاده الطائفية والسياسية ، والمحور الصهيوني الكارثي؛ وكلاهما مهددان للأمن القومي العربي، في حاضر الأمة ومستقبل أجيالها . ومن هذه المعارك التي لا معنى ولا حقيقة لها كان المعركة التي فتحت على بعض القوى والشخصيات الإسلامية المجتمعية ، التي كان المطلوب أن تكون نقطة الارتكاز الأساسية في معارك الأمة الحقيقية. ويبدو أن المستشارين الذين أشاروا بافتعال هذه المعارك كانوا يريدون الشر بمن يشيرون عليه، وأقله أن يزجوا به في الحروب التي يدعمونها عن بعد، بغير سلاح ..

لا يقبل من سياسي حقيقي أن لا يستشرف مبكرا أن الحوثي في اليمن ذراع أمريكي - إيراني - صهيوني ، ولا يقبل منه أن يتجاهل حقيقة القطران التي تقمع هذه العلة فترديها. وقديما قال العربي

أخاك أخاك إن من لا أخا له ..كساع إلى الهيجا بغير سلاح

ومرة أخرى يدفع الشعب السوري الثمن الأبهظ لتواري الدور العربي عن الساحة، وانشغاله، أو تشاغله ..!!

ما نكتبه هنا ليس تشكيكا في الدور التركي، وليس تقليلا من كفاءته، وليس انتقاصا لما قدم أو يحاول أن يقدم ..

ولكننا سنكون أكثر اطمئنانا وثقة عندما يجلس لافروف في مواجهة وزير خارجية تركية ووزير خارجية قطر معا، كما جلس في الدوحة بالأمس .. ولن يكون ذلك كما حين يجلس الوزير التركي الصديق في مواجهة الوزير الروسي والوزير الإيراني العدوين .. هي مسألة من أبسط المسائل في علم الحساب. أن يحاصر التركي والعربي لافروف، ولا يعطونه الفرصة ليحاصرهم !!

ومن هنا فإننا كسوريين ما زلنا نتمسك بانتمائنا إلى أمتنا في أفقيها العربي والإسلامي نتطلع ونأمل في دور عربي أكثر حضورا وفاعلية، دور عربي حقيقي واضح البوصلة، يدرك حقيقة المأساة السورية ، وعمقها ، وأبعادها ..

نطمح إلى دور عربي فاعل ومؤثر ينطلق من حقائق : أن الدم ما بيصير مي، وأن الظفر لا يخرج من اللحم ، وأنه لا خير في أمة إذا فسد شامها، بشهادة سيد المرسلين ..!!

نطمح إلى قيادة وإدارة تدير مشروع الأمة الأعز تتحد فيه الرؤية والموقف التركي - العربي ، وإذا تفحصنا خلفيات أي صراع يفتعله البعض أو الأبعاض على محور مفتعل للتناقض العربي - التركي أو العربي - التركي - الكردي فلن نقبض غير الريح، ولن نحصد غير الهشيم .

سورية اليوم هي جبهة من جبهات الأمة الساخنة المفتوحة كما هي في العراق وفي لبنان وفي فلسطين وفي اليمن . ولا يخدع غير أنفسهم المراوغون ..

نطمح إلى جبهة عريضة تركية - عربية تصد عن المنطقة وعن الشام خاصة غزوات المغول ومكر الفرنجة أجمعين ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 920