عشر سنوات من الثورة، كافية بردع كل استبداد جديد

كان الشعب التونسي ينتظر من الرئيس قيس سعيد،إثر الوقفة الاحتجاجية ليوم السبت 18 سبتمبر 2021، أن يتقدّم بخطوات في اتجاه بلورة وطرح حلول عملية للخروج من المأزق السياسي تستجيب لانتظارات أغلبية الطيف السياسي. إلاّ أنّ الرئيس واصل الغموض،كما عوّدنا، وركوب المجهول والشعبوية حيث أكّد في خطابه من مدينة سيدي بوزيد منطلق شرارة الثورة أنّ التاريخ الصحيح للثورة هو 17 ديسمبر وليس 14 جانفي. مضيفا أنّ 14 جانفي كان يوم إجهاض للثورة. وهذا يدفعنا للتساؤل حول ما إذا كنّا قد انتخبنا الرئيس من أجل توحيد التونسيين وجمع شملهم أم من أجل تفريقهم بافتعال الجهويات ؟ ثمّ طفق كعادته يهدّد ويتوعّد بتوظيف استعارات مجّتها الأسماع من قبيل الصواريخ على منصّاتها تنتظر الإشارة لتنطلق نحو الخصوم.

لذلك فلا يمكن لمن يتابع تسلسل هذه الأحداث إلاّ أن يستنتج أنّ الرئيس قد غدر بالشعب التونسي الذي انتخبه بأغلبية مريحة بما جعل بعض النخب تبكي على المباشر من شدّة الفرح لاعتقادهم في نظافة يديه ولأنّه جاء من خارج دائرة المنظومة القديمة. وبأنّهم كانوا ينتظرون منه أن يضع يده في يد المصلحين للمضي قدما في سبيل الإصلاح وبث وزراعة الأمل. إلاّ أنّه انحرف عن ذلك فخيّب ظنّ الشعب فيه وغدر بمن انتخبوه وزاد من منسوب الخوف لديهم من المصير المجهول للبلاد الخاضع لأهوائه الشخصية. فهو قد فرض بعد 25 جويلية 2021 الإقامة الجبرية على البعض. ومنع السفر على البعض الآخر. متهما الجميع بالاحتكار وبالفساد وأغلق المؤسسات المنتخبة. ونصّب نفسه حاكما ناطقا باسم الجميع. بما يجعله شبيها بما يعرف في علم النفس بصاحب الذّات المتورّمة. وهو ما يعني أنّ الرئيس يشكو من أزمة نفسية حادّة تفرض عليه أن يعيش في عزلة داخل الغرف المغلقة.

فهل يعقل أن ينقلب رئيس على من انتخبوه ؟ وهل يعقل أن ينقلب رئيس على الأحزاب والمنظّمات التي ساندته ؟ وهل يعقل أن يغلق الرئيس الحدود بين تونس وليبيا ويحرم البلدين من فوائد التبادلات التجارية ؟ وهل يعقل أن يضع يده في يد رئيس افتكّ السلطة بانقلاب وبإسالة الدماء ؟ وهل يعقل أن يساهم الرئيس بنفسه في تحويل وجهة عديد المشاريع المرتبطة بإعادة إعمار دولة الشقيقة ليبيا من تونس إلى مصر ؟

ما يلفت الانتباه إليه أمران :

  • أنّ الثورة في طريق الانتصار لأنّ المناوئين للثورة عجزوا عن التصدّي للثورة برجل من رجالاتهم فدفعوا بواحد من خارج المنظومة لم يمارس السياسة من قبل ليكتشفوا وليتحسّسوا به الطريق.
  • أنّ حصيلة عشر سنوات من الثورة كانت هزيلة خاصّة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ولكنّها أسهمت بفعالية في زيادة منسوب الوعي لدى النخبة وعامّة الشعب (تلقيح ضد الاستبداد) بما جعل النخبة (ومن ورائها الشعب) تتوحّد وتنتفض على الانقلاب في ظرف وجيز (50 يوما) فيما استدعى ذلك 18 سنة للتوحّد ضدّ الدكتاتور بن علي (وثيقة 18 أكتوبر 2005) وهو لعمري إنجاز عظيم.

وسوم: العدد 947