هل إسرائيل نمر من ورق ؟!

من خصائص الضعف أنه مخادع ، ففي فطرة الإنسان أنه يحب أن يكون قويا ، وحبه هذا يغريه بتضخيم الشعور بقوته ، وغض البصر عن ضعفه ، والتضخيم والغض يتناميان إذا وجدا بيئة مُعِينة على تناميهما إلا أنه ، الضعف ، سرعان ما يتعرى إن اصطدم بما يعريه . وتنطبق هذه الخصيصة من خصائص الضعف على إسرائيل أوضح انطباق وأقواه ، ورافقت تاريخها منذ وجودها في 1948 . انتصرت في حرب ذلك العام على سبعة جيوش عربية رديئة التسليح والتدريب وقليلة العدد حنى إن الجيش الإسرائيلي فاقها عددا ، ولم يكن بينها  تنسيق  ، وبعض دولها دخلت الحرب نفاقا وزورا ، وكان لها تنسيق سري مع الدولة اليهودية بدأ بالحركة الصهيونية التي أسستها . ومن الدول العربية التي قاتلت إسرائيل في تلك الحرب أو تظاهرت بقتالها مَن عرض عليها الاعتراف بها مقابل أخذ جزء من الأرض الفلسطينية ،ورفضت إسرائيل العرض . وفي حرب 1956 التي احتلت فيها إسرائيل سيناء وقطاع غزة ؛ نسقت هجومها مع بريطانيا وفرنسا في اجتماع في ضاحية  سيفر الباريسية  ، ولم تبادر بالهجوم في 29 أكتوبر من ذلك العام إلا بعد أن حصل رئيس وزرائها بن جوريون على وثيقة تتعهد فيها الدولتان بحمايتها من سلاح الجو المصري . دائما منذ قيامها تخاف على جبهتها الداخلية . وانتهى شعورها بالقوة إلى قمته في حرب 1967 التي وصفها الرئيس حسني مبارك وصفا دقيقا صادقا بقوله : " دي ما كانتشي حرب " ، ذاماً عدم استعداد مصر وسوريا لها وأخذها أخذا جادا مثلما استعدت لها إسرائيل وأخذتها بصفتها حرب وجود ومصير . وفاض الغرور الإسرائيلي بعدها ، فتجرأ وزير دفاعها ديان على التصريح بأنها ، إسرائيل ، تستطيع محاربة الاتحاد السوفيتي . صارت بالونا منفوخا ، وفي حرب 1973 ظهر خداع الضعف لها ، واستبان أن كل انتصاراتها الماضية مصدرها الأساسي ضعف وتخبط محاربيها العرب ، ونفاق بعضهم في محاربتها  . انهارت قواتها في الأسبوع الأول في سيناء ، وطردت القوات السورية جيشها من معظم الجولان ، وقرر وزير دفاعها ديان الذي عاد إلى هذا المنصب مع الحرب الظهورَ على التليفزيون لإعلان هزيمتها ، وقبل هذا طلب سحب الجيش من سيناء لمواجهة السوريين ، وعارضه مجلس الوزراء في الأمرين . وما تلا بعد ذلك من تحول في مسار الحرب لصالحها معروفة أسبابه . وخرجت الدول العربية من محاربتها بخروج مصر وعقدها  اتفاقية كامب ديفيد في 1979 ، وشعرت قوى حزبية وفصائلية عربية بأنها يجب أن تملأ الفراغ الذي خلفته الدول العربية وجيوشها النظامية ،فظهر حزب الله ، وحرر جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي في مايو 2000 ، وقاتلها في يوليو 2006 في بأس صلب وبسالة صامدة ، وتعادل معها ، وتعادله انتصار له وهزيمة لها ، وردعها عن العربدة في أرض لبنان وفي سمائه ، وصار كابوسا مرهقا ضاغطا يتراءى لها في الليل والنهار . وقبل ذلك ، في سبتمبر 2005 ، أرغمتها المقاومة الفلسطينية على الانسحاب من قطاع غزة . وما سلف يبين أن ضعفها العسكري سريعا ما يتعرى متى اصطدم بقوة مجابهة مضادة مهما صغرت . ولننظر في هذه التعريات لضعفها : 

أولا : تتطرف في معاقبة كل من يتعرض  لجيشها ومستوطنيها ، ولا نقول مواطنيها ، فتحكم عليه أحكاما متشددة قد تكون سنوات سجن طويلة ، أو مؤبدات تصل في حالات  إلى أربعة ، وأحيانا تضيف فوق المؤبد عدة سنوات ، ولو كانت بالقوة الحقيقية ، والعفو دائما قرين القوة الحقيقية ، لأنصفت أولئك المتعرضين لجيشها ومستوطنيها ، ووعت أنهم يدافعون عن أرضهم وحقهم في الحياة ، وأكثر من هذا لانتبهت قبل إصدار هذه الأحكام إلى أنها قتلت وجرحت وعذبت مئات الآلاف من الفلسطينيين ، وسجنت منذ 1967 أكثر من مليون فلسطيني ، ونسبة من هؤلاء لم يقوموا ضدها بأي شي ، وقتلت بعضهم تسرعا واشتباها ، وقتلت في الحروب الأربع الأخيرة على غزة عدة آلاف من المدنيين ، بينهم أسر كاملة ،  وأنه لو كان للعدل المساوي أو المعاملة بالمثل أن يطبقا عليها لدخل  مئات الآلاف من جنودها ومستوطنيها السجن محكومين بسنوات أو بمؤبدات مضافة إليها سنوات . وتصدر أحيانا عن بعض الإسرائيليين آراء منصفة للفلسطينيين تقر بمشروعية محاربتهم لإسرائيل ، وتصفهم بمحاربين من أجل حرية شعبهم ، وهو ما صدر عن الصحفية والناشطة السياسية الإسرائيلية أورلي نوي على صفحتها في الفيسبوك حين وصفت زكريا الزبيدي أحد أبطال الهروب الستة بالبطل ، وفي مقال لها في الموقع البريطاني " ميدل إيست آي " قالت إن الإسرائيليين ينتزعون نضال الفلسطينيين من سياقه لإخفاء أسبابه المشروعه ، وتصنيفه إرهابا .  ثانيا : عرى هروب الأسرى الستة ضعفها الكامن تعرية فاضحة مخزية : عصفت بها الصدمة والرعب ، ونصبت 260 حاجزا على الطرق ، وأطلقت  200 مسيرة بحثا عنهم ، وبلغت تكلفة البحث اليومية عنهم 6 ملايين دولار ، وهي الأعلى في تاريخ إسرائيل في قضايا مشابهة . هذا لا يحدث في دولة أخرى في مثل هذه الحالة . 

ثالثا : تفرض على كل متحرر من سجونها من مواطني الضفة ألا يحتفل بتحرره ، وألا يرفع العلم الفلسطيني عند استقبال أهله له ، ومن تقتله وتحتجز جثمانه لا تسلمه إلى أهله إلا بعد أن تشترط عليهم دفنه في جنازة مقصورة عليهم . تخاف الفلسطيني في فرحه وفي حزنه ، وما من دولة في العالم صغيرة أو كبيرة ، قوية أو ضعيفة ، تفرض مثل هذين الشرطين المتوحشين .  

وفي لقائه مع مجلة " فورين بوليسي"  الأميركية قال وزير دفاعها غانتس : " السنوار شخص يثق في نفسه أكثر من اللازم إلا أننا الأقوى " ، يوازن قوة دولته المسنودة بمال وسلاح وسياسة أميركا والغرب الأوروبي والتآمر العربي بغزة الصغيرة الفقيرة المحاصرة .  المقارنة المجحفة صوت جهوري لضعف غائر في عمق هذه الدولة الغريبة ، فهل هي نمر من ورق ؟! هي شيء من هذا ، وكلما رأيت مظهرا لضعفها استعدت توصيف سماحة الشيخ حسن نصر الله لها بأنها " أوهن من بيت العنكبوت " .  

وسوم: العدد 947