المواطن العربي في حيرة من أمره بخصوص ما يتلقاه من أخبار عبر الإعلام الرسمي

المواطن العربي في حيرة من أمره بخصوص ما يتلقاه من أخبار عبر الإعلام الرسمي الناطق باسم الأنظمة وما يصله منها عبر وسائل التواصل الاجتماعي

من المعلوم أننا نعيش في زمن تسبق فيه الوجبات الإعلامية ـ إذا جاز هذا الوصف ـ وجبات الطعام اليومية حيث صارت الوجبات الإعلامية تشتهى كما تشتهى وجبات الطعام أو أكثر ، وقد تصاحب الوجبات الإعلامية وجبات الطعام ، فلا يدري الطاعم ما طعمه ولا ما يتذوقه ، ولا يتلذذ بأكله  في حين يستوعب جيدا ما يسمعه  من أخبار عبر وسائل الإعلام ،وعبر وسائل التواصل الاجتماعي وهو على مائدة الطعام .

ومنذ حلول جائحة كورونا لم يعد الناس يتسلون بسماع الأخبار كما كانوا من قبل  بل صاروا يتابعونها بدافع الخوف من هذه الجائحة ومتحوراتها خصوصا وأن وسائل الإعلام تنقل لهم على رأس كل ساعة عدد ضحاياها ، وما جد من متحوراتها ومدى حجم خطورتها ... وعلينا أن نتصور حال الناس وهم  يتابعون أخبار هذه الجائحة الخبيثة أمام موائد الطعام خلال الوجبات ، ونتساءل بأية شهية سيهضمون مأكولاتهم ، ويحتسون مشروباتهم ؟

وعلى غرار كل شعوب العالم التي أصبحت رهينة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تتابع أخبار الجائحة أكثر من غيرها من الأخبار الأخرى ، لا يختلف حال الشعوب العربية عن حال باقي شعوب العالم إلا أنها تعيش حيرة أكثر من غيرها وهي تعامل مع مصدرين إعلاميين على طرفي نقيض من جهة  الاعلام الرسمي الناطق باسم الأنظمة ، ومن جهة أخرى وسائل التواصل الاجتماعي ، ذلك أن نفس الخبر الذي يتناوله المصدران يقدم  فيهما بشكلين مختلفين إلى درجة  دحض أحدهما الآخر ، وهو ما يثير حيرة و قلقا كبيرين لدى المواطن العربي ، فلا يدري ما الذي يصدق من المصدرين ؟

وقبل أن نمثل لذلك بأمثلة لا بد من الإشارة إلى أن الإعلام الرسمي في الوطن العربي ، والناطق باسم الأنظمة يحتاج إلى غربلة ما يذيعه من أخبار بسبب تأثرها بالخلافات السياسية بين تلك الأنظمة بحيث لا يمكن أن تسلم الأخبار من تأثير تلك الخلافات . ويكفى أن يتابع المواطن العربي الخبر الواحد المذاع عبر محطتين إعلاميتين لنظامين عربيين بينهما خلال سياسي ليدرك البون الشاسع بين تقديم نفس الخبر إذ عليه أن يجرد الخبر من مؤثرات خلافهما ، وهو أمر غير ممكن ليصل إلى  شيء من صحة ومصداقية الخبر . ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل لا بد من اطلاعه على الكيفية التي  تقدم بها نفس الخبر وسائل الإعلام الأجنبية وتحديدا الغربية  لفهم الكيفية التي قدمته بها  وسيلتا الإعلام لنظامين عربيين خصمين ، وعليه أن يحيّد عامل التبعية لهذا البلد الأجنبي أو ذاك ليصل إلى شيء من حقيقة الخبر إذا أمكنه ذلك . وفضلا عن هذا وذاك لا بد من تحييد أثر التحالفات بين الأنظمة العربية عن الأخبار التي تقدمها وسائل إعلامها الرسمية عسى أن ينجلي بعض الغموض عنها ، وتحقق شيئا من المصداقية لدى المواطن العربي الذي يعيش في حيرة من أمره ، وهو يتلقى أخبار الإعلام الرسمي المعبر عن وجهات نظر الأنظمة المنضوية تحت تحالفات سياسية  .

وبفضل تطور تكنولوجيا التواصل أصبح المواطن العربي كغيره في باقي المعمور يجد مندوحة عن وسائل الإعلام الرسمية  الناطقة باسم الأنظمة في وسائل التواصل الاجتماعي التي تمده بأخبار ليست بطعم ولا بمذاق وسائل الإعلام الرسمية  بل تكون في الغالب مختلفة عنها  تماما مع ما قد يجمع بينها من ظروف وملابسات تقتضي ألا يكون بينها اختلاف أو تناقض . وهنا نمثل بما يذاع من أخبار خاصة بجائحة كورونا ومتحوراتها عبر وسائل الاعلام الرسمي وعبر وسائل  التواصل الاجتماعي ، ففي حين تهوّل الأولى من شأنها ، نجد الثانية تهوّن منها ، وهنا يجد المواطن العربي نفسه في حيرة من أمره  أيصدق هذه أم تلك ؟ فمن الأخبار التي أذاعتها وسائل الإعلام الرسمية على سبيل المثال لا الحصر نسبة إلى منظمة الصحة العالمية  خبر عدم إصابة متحور كورونتا  " أوميكرون " الرئة، واقتصاره على إصابة الحنجرة  ، الشيء الذي يعني حسب معطيات سابقة أنه لا يشكل خطورة على حياة المصابين ، ولا يضطرهم إلى الخضوع للتنفس الاصطناعي ، وفي نفس الوقت نسبة خبر فتك هذا المتحور بمن يصيبهم إلى نفس المنظمة ، وهنا تزداد حيرة المواطن العربي ، فيلجأ إلى ما تقدمه وسائل التواصل الاجتماعي ليجد أخبارا بعضها ينقض روايات وسائل الإعلام الرسمية بخصوص هذا المتحور على لسان بعض من يوصفون بأنهم خبراء أيضا يعارضون ما يصدر عن منظمة الصحة العالمية ،كما يعارضون زملاءهم في الخبرة من الذين ينحون نحوها  ، وهذا ما يثير الكثير من الشكوك لدى المتلقي  العربي لأخبار وسائل التواصل  الاجتماعي ، وهو يود لو جمعت الظروف بين فريقي الخبراء  المختصين الذين يوثق بخبرتهم والمختلفين بخصوص الجائحة ومتحوراتها للتناظر إعلاميا أمام أنظار العالم  فيما بينهم عسى أن يقتنع بصواب وصحة طرح  أحدهما، الشيء الذي من شأنه أن ينهي شكوكه ، ويخرجه من حيرته .

ومن الأخبار المختلف فيها  أيضا بين وسائل الإعلام الرسمي ، ووسائل التواصل الاجتماعي والتي نشأ عنها قلق  وحيرة المتلقي العربي خبر أيهما يشكل خطر العدوى على الآخر: هل الذي تلقى جرعات التلقيح أم الذي لم يلقح أصلا ؟ فالذين يقولون بأن الملقح هو الأخطر يبررون ذلك بأن جرعات التلقيح تضعف مناعته الطبيعية ، وتجعله  أكثر نقلا لمتحورات الجائحة ، وأكثر تهديدا لغير الملقح ، بينما يقول الآخرون إن جرعات التلقيح تقوي المناعة الطبيعية  لدى الملقح لكن لا يأمن على نفسه من عدوى المتحورات  التي  قد يصاب بها من غير الملقح .

هذه نماذج من الأخبار التي تتناولها وسائل الإعلام الرسمية ، ومنافستها وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت واسعة الانتشار بين الناس في كل المعمور بما فيه الوطن العربي ، والتي لا سبيل لمنعها  أو حجزها ، ولا مناص لوسائل الإعلام الرسمية من مقارعة ما تنشره بالحجج والأدلة  الدامغة والمقنعة ، وذلك من أجل وضع حد لحيرة المواطن العربي المسكين الذي يعاني مما يتلقاه من أخبار من وسيلتين  إعلاميتين مختلفتين ، وأكثر من ذلك على طرفي نقيض ، والذي لم يعد يميز بين الأراجيف ، وبين الأخبار الصادقة ، فإلى متى ستستمر حيرته ؟ 

وسوم: العدد 963