مصر: أحكام أمن الدولة بوصفها أداة «الحوار الوطني»

[ حول الأحكام الجائرة الانتقامية     الإجرامية ا - ضد عمالقة’ مثل أبي الفتوح ومحمود عزت وغيرهم من محاكم القزم السسي الهزلية  ] 

في حلقة جديدة من مسلسل امتهان القضاء وانتهاك القوانين ذاتها التي وضعها المشرّع المصري ويُفترض أنها سارية المفعول في الحدود الدنيا، قضت محكمة جنايات أمن الدولة العليا بالسجن 15 سنة على عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب «مصر القوية» والمرشح الرئاسي الأسبق، كما شمل الحكم ذاته نائب مرشد عام جماعة الإخوان المسلمين محمود عزت وسبعة آخرين، كذلك أصدرت المحكمة أحكاماً بالسجن المؤبد على 14 متهماً آخرين. الاتهامات تراوحت بين «نشر أخبار كاذبة والتحريض ضد مؤسسات الدولة» و«الإضرار بالمصالح القومية للبلاد» و«قيادة جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون» وبين قائمة أخرى تضمنت «التحريض ضد الدولة» و«الدعوة لتعطيل العمل بالدستور» و«مقاطعة الانتخابات الرئاسية» و«الدعوة لقلب نظام الحكم، وتهديد الأمن القومي».

ومن المعروف أن أبو الفتوح كان قد اعتُقل في شباط/ فبراير 2018 على خلفية تصريحات أدلى بها إلى قناة «الجزيرة» وتضمنت الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي جرت في آذار/ مارس من ذلك العام وفاز بها عبد الفتاح السيسي بمعزل عن منافسة فعلية. وتواصلت بعدئذ المهازل القضائية التي انطوت على مصادرة أملاكه ثم الإفراج عنه في قضية أولى كي يجري توقيفه في قضية تالية، في تناقض صريح مع القانون الذي ينص على أن أقصى مدة للحبس الاحتياطي لا يجوز أن تتجاوز سنتين. انتهاكات صارخة أخرى أدرجها أبو الفتوح في دعوى قضائية رفعها ضد السلطات المصرية وإدارة السجن، بينها الحبس الانفرادي بدون مبرر قانوني، والمنع من مكتبة السجن، والحرمان من الاشتراك في الصحف وإدخال الكتب والتريض في الشمس وأداء صلاة الجمعة في مسجد السجن وإجراء المكالمات الهاتفية والتراسل مع ذويه، إلى جانب رفض العلاج الطبيعي وإدخال ثلاجة صغيرة على نفقته لحفظ الأدوية، وسواها من تدابير تبيحها لوائح السجن وقوانينه.

كل هذه الإجراءات الزجرية والانتقامية بحق رجل له تاريخ مشهود في معارضة النظام المصري منذ رئاسة أنور السادات حين كان أحد أبرز القيادات الطلابية، مروراً بمعارضته العلنية لسياسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد تنحي حسني مبارك، وصولاً إلى قرار فصله من منصب نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين بسبب ترشحه للانتخابات الرئاسية لسنة 2012 التي حلّ فيها رابعاً بنسبة 17,47٪ ونال أكثر من أربعة ملايين صوت، إلى جانب كونه رئيس حزب سياسي شرعي لا يعتنق التطرف ولا يحض على العنف. فكيف تكون الحال بالنسبة إلى قرابة 60.000 معتقل حسب تقديرات المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، يقبعون في مختلف معتقلات النظام المصري وسجونه ولا يتمتعون بمكانة أبو الفتوح وشهرته وتاريخه؟

ومن المعروف الآن أن غالبية المحاكم المصرية باتت مرتهنة لأجهزة النظام الأمنية والسياسية، ولهذا فإن السؤال المشروع الذي يُطرح بصدد الأحكام الأخيرة هو التالي: لماذا هذا التوقيت تحديداً، في فترة تشهد دعوات السيسي إلى «حوار وطني» يشمل الجميع، إلا إذا كانت تحريات أمن الدولة التي على أساسها يُسجن أبو الفتوح والآلاف سواه هي أداة الحوار الزجرية التي يتوجب أن يخضع لها المتحاورون مسبقاً وقسرياً.

وسوم: العدد 983