سورية انطلاقة التحرير (1 + 2)

سورية انطلاقة التحرير (1-2) 

يعتقد كثير من العرب، أن تحرير فلسطين والقدس من المحتل اليهودي الصهيوني، يمكن أن يتم بشكل مباشر، عن طريق المقاومة المسلحة المتواجدة على أرض غزة، أو في الضفة الغربية، أو سواها..

أو أن تدخلها الجيوش العربية مباشرة، كما دخلتها أول مرة في عام 1948. أو عن طريق المقاومة اللبنانية، المتمثلة فيما يُسمى حزب الله، والمقاومة الإيرانية، مصدقين خطاباتها العنترية، ودعاياتها الإعلامية النارية، وتصريحاتها الحماسية، وبياناتها الديماغوجية الخُلَبَاء!

بل والأغرب من هذا وذاك.. أن بعض الناس، يبنون أحلامهم وآمالهم في تحرير المسجد الأقصى وما حوله، على التنجيم، وعلى الأرقام، والأعداد الحسابية في القرآن- وكأن القرآن قد أنزل كلعبة حسابية! بل وبعضهم يتمادى في التنبؤات، بسفاهة وشطط مثير للسخرية، فيحدد يوم 9 ذي الحجة 1443 يوم تحرير فلسطين كاملة، وتبخر الاحتلال اليهودي في الهواء! يعني بعد شهر من الآن، سيتطاير الصهاينة جميعاً كالعهن المنفوش، ولن يبقى منهم أحدٌ أبداً..

وفي هذا منتهي الاستهزاء، والسخرية، والاستخفاف، بالقوانين الربانية، والسنن الكونية، التي وضعها الله تعالى للناس، منذ خلق السماوات والأرض، وأكدها في كتابه العزيز مرات عديدة..

(سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاً).(1).

حديث التاريخ

ولكن التاريخ يحدثنا: أن الجيوش المسلمة التي انطلقت من المدينة، تجوب الآفاق، وتفتح البلدان، وتحررها من سطوة الفرس والرومان، لم تتجه مباشرة إلى القدس، لفتحها، وتحرير المسجد الأقصى من العبودية للرومان في ذلك الوقت، على الرغم من الأهمية الدينية الكبيرة لها، وأنها مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم وثالث المساجد المعظمة، والمقدسة في الإسلام، والتي تُشد لها الرحال، بالرغم من أنها هي أقرب إلى المدينة، من الكوفة، والبصرة، والحيرة، ودمشق، والطريق مفتوح إليها، ولكن الجيوش اتجهت أولاً إلى العراق بقيادة خالد بن الوليد، عقب الانتهاء من حروب الردة، في بداية العام الثاني عشر للهجرة(2).(3). لأن هذا هو الطريق السليم في تحرير القدس.

وهذا ما يشبه عمل الجراح الماهر، حينما يقوم بعمل جراحي لاستئصال ورم سرطاني خبيث، فإنه يبدأ أولاً بإزالة الخلايا السرطانية في أطراف الورم، فيطهر وينظف المنطقة المحيطية بشكل كامل، ثم يتقدم رويداً رويداً نحو مركز الورم وقلبه الخبيث، فيزيله ويقضي عليه بعد أن قضى على الأطراف، حتى لا تنتقل الخلايا السرطانية إلى الأطراف البعيدة، إذا ما جاء إلى المركز مباشرة. 

تحرير أجزاء من العراق

وهكذا فقد تم تحرير عدة مناطق في العراق في تلك السنة، منها على سبيل المثال: وقعة المذار كانت في شهر صفر 12 للهجرة، ثم وقعة الولجة في نفس الشهر، وهي مما يلي كسكر من البر، ثم وقعة اُلًيْس، حيث جرت الدماء من قتلى الفرس كالأنهار، ثم بعدها توجه خالد بن الوليد نحو أمغيشيا، الواقعة على نهر الفرات، والتابعة للفرس، وبعدها توجه نحو الحيرة، فطلب أهلها وكانوا من نصارى العرب، الصلحَ مع خالد، فصالحهم، وكتب لهم الصلحَ، مع دفع الجزية وهم صاغرون!

ثم تم فتحُ الأنبار، وبعدها موقعة دومة الجندل، وأحداث أخرى متعددة، حصلت فيها فتوحات كثيرة في العراق في ذلك العام.. إلى أن طلب الخليفة أبو بكر الصديق، من خالد بن الوليد رضي الله عنهما، مغادرة العراق والتوجه إلى الشام في أوائل السنة الثالثة عشرة، لمؤازرة المسلمين في موقعة اليرموك مع الروم (4).

وفي نفس الوقت الذي انطلق فيه خالد بن الوليد إلى العراق، فإن أبا بكر الصديق وجه إلى الشام عدة جيوش، قسماً منها توجه نحو البلقاء بقيادة يزيد بن أبي سفيان، وقسماً توجه نحو الأردن بقيادة شرحبيل بن حًسًنة، وقسماً توجه نحو الجابية، وهي قرية غرب حوران بقيادة أبي عبيدة بن الجراح (5). غير أنه لم تحصل مواجهات واشتباكات بينها وبين الروم ذات بالٍ، فالجيش الروماني بقيادة نائب هرقل الذي كان متمركزاً في حمص اختار بالتشاور مع هرقل، التجمع والاحتشاد في وادي اليرموك، لأنهم أرادوا أن يكون محصوراً، وضيق المهرب، وواسع العطن (6). 

بصرى أول مدينة تُفتح في الشام

وحينما انطلق خالد بن الوليد، بجيشه المؤلف من عشرة آلاف تقريباً من العراق، وسار بطريق وعر وصعب للغاية، خالٍ من الماء، وعبر بادية الشام، فمر بتدمر والقريتين ومناطق متعددة وصالح أهلها، إلى أن وصل بصرى، فكانت أول مدينة تفتتح في الشام والعراق (7). إلى أن وصل إلى مكان تجمع المسلمين في وادي اليرموك، أمام جيوش الروم الجرارة التي كانت تقدر ب 240 ألفاً.

فتح دمشق

ثم بعد الانتصار الكبير، الذي حققه المسلمون بقيادة خالد بن الوليد، في موقعة اليرموك، التي هي عبارة عن وادي بجانب بحيرة طبريا، ويخترقه نهر اليرموك الذي هو أحد روافد نهر الأردن.. انطلقوا نحو دمشق، بعد أن استشار أبو عبيدة بن الجراح، عمر بن الخطاب، في التوجه أولاً إلى دمشق، التي أتتها جيوش من حمص، أم إلى فِحل التي تجمع فيها فلول المنهزمين من معركة اليرموك؟ قال لهم: انهدوا إلى دمشق، فإنها حصن الشام، وبيت ملكهم (8) (9). وبعد حصار دام 70 ليلة افتتحوها، وقبل أهلها الصلح.

فتح حمص والمدن الساحلية وأرمينية

ثم انطلقوا نحو فِحل من أعمال حوران، ثم بعدها انطلقوا نحو حمص، فافتتحوها بعد موافقة أهلها على الصلح، وبعدها توجهوا نحو مدن الساحل بيروت، واللاذقية، وبانياس، وطرطوس، ثم أنطاكية، إلى أن وصلوا إلى حدود أرمينية الصغرى.. فافتتحوا الرها، وحران، ونصيبين، ومرعش، وجميع المدن الواقعة جنوب الأناضول. والقدس حتى ذلك الوقت، لا تزال ترزح تحت الاحتلال الروماني، لم يتوجه لها أي جيش!

كل هذا تم في عهد عمر بن الخطاب، وكان قادة الجيوش، لا يتحركون أي حركة، إلا بعد استشارة الخليفة، فكانوا يتوجهون إلى الشمال، ثم يعودون إلى الجنوب، كل ذلك حسب أهمية المنطقة التي يريدون تحريرها، وأفضليتها، وأولويتها، وأهميتها الاستراتيجية، والجغرافية..

وفي سنة 15 دخل أرطبون إيلياء (بيت المقدس) وبالعبري تعني (بيت الله)، قام عمرو بن العاص، بفتح بَيْسان، وبيت جبرين، ونابلس، ومدينة لُد، ويافا، وغزة، وأجنادين، وسًبًسْطية، وتُبني، وعمواس، كما قام معاوية بن أبي سفيان، بفتح قيسارية، بعد أن ولاها له عمر بن الخطاب..

فتح القدس

وبعد أن تم فتح جميع المدن، والقرى المحيطة بالقدس، وتنظفت المنطقة كلها من الروم، توجه المسلمون حينئذ لفتحها، ووافق أحبارها وكهانها على تسليمها صلحاً، ولكن على أن يستلم مفاتيحها الخليفة عمر بن الخطاب بنفسه، وبيده فأخبروه بهذا الأمر فاستشار الصحابة في المدينة ووقع الاختيار على أن يأتي إلى الشام.

وفعلاً جاء عمر بن الخطاب إلى الجابية، راكباً على فرس في المرة الأولى لزيارته للشام، ومعه جيش المسلمين، وعلى مقدمته العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أنه بين الصحابة عن سبب خروجه إلى الشام فقال: أبادر بالجهاد، قبل موت العباس، إنكم لو فقدتم العباس، لانتقض بكم الشر، كما ينتقض الحبل (10).  وفي المرة الثانية جاء على بعير، أما المرة الثالثة على بغل، ولكن لم يصل إلا إلى سرغ، وهي أول منطقة في الحجاز، وآخر حدود الشام، حيث رجع عن الدخول، بسبب انتشار طاعون عَمَواس، والرابعة جاء راكباً على حمار (11). 

دخول عمر بن الخطاب المسجد الأقصى

ولما قدم عمر رحمه الله الجابية، قال له رجل من يهود: لا ترجع إلى بلادك حتى يفتح الله عليك إيلياء.. وجاءه أهل إيلياء، فكتب لهم كتاب صلح، وأمان على أنفسهم، وممتلكاتهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود (12).

ثم بعد الصلح، دخل عمر رضي الله عنه القدس، وصلى في المسجد الأقصى في محراب داود، ووضع حجر الأساس لبناء مسجد الصخرة، بعد أن تم العثور عليها، وتنظيفها من الأوساخ التي كانت تغطيها!

 أما أرطبون وهو من دهاة الروم، وأشدهم شكيمة، وقوة، والذي كان متمركزاً في إيلياء، وفي أجنادين، والذي زعم بعد انتصار المسلمين في موقعة أجنادين.. أنهم لن يفتحوا من فلسطين بعدها شيئاً أبداً! فخاب فأله، ومات بغيظه، فبمجرد وصول عمر إلى الجابية، وعقد الصلح مع أهلها، خرج مذؤوماً مدحوراً.. ومعه جنوده المنهزمون إلى مصر.

وهكذا.. فإن القدس، لم تتحرر، حتى تم تحرير الأردن، وسورية حتى حدود أرمينية الصغرى، ومن ثم تحرير جميع المدن، والقرى من فلسطين، والمحيطة بالقدس.

وسنتحدث في المقال التالي في الأسفل، كيف تم تحرير سورية والأردن أولاً من الصليبيين، قبل تحرير القدس.

المصادر:

  • 1- الفتح 23
  • 2- الكامل لابن الأثير ج2ص238
  • 3- تاريخ الطبري ج3ص343
  • 4- الكامل لابن الأثير ج2ص238-250
  • 5- تاريخ الطبري ج3ص406
  • 6- العَطَنُ: مَبْرَكُ الإِبل ومَربِضُ الغنم عند الماء
  • 7- الكامل لابن الأثير ج2ص258
  • 8- الكامل لابن الأثير ج2ص278
  • 9- تاريخ الطبري ج3ص437
  • 10- الكامل لابن الأثير ج2ص 348
  • 11- البداية والنهاية لا بن كثير ج7ص156
  • 12- تاريخ الطبري ج3ص609

سورية انطلاقة التحرير (2-2) 

تحدثنا في الجزء الأول.. عن حتمية التاريخ، والسنن الكونية الثابتة، المستقرة منذ خلق السماوات والأرض، بأن تحرير فلسطين والقدس، لن يحصل بأي شكل من الأشكال، إلا بعد تحرير الأردن، وسورية، وكل البلدات والقرى المجاورة، والمحيطة بالقدس!  

وذكرنا مسيرة التاريخ في بداية الفتح الإسلامي، وكيف أن الجيوش الفاتحة، توجه قسم منها إلى العراق، بقيادة سيف الله خالد بن الوليد، وقسم منها توجه نحو الشام، بقيادات متعددة، وأنه بعد ثلاث سنوات من الجهاد المتواصل، منذ العام الثاني عشر في عهد أبي بكر الصديق، إلى العام الخامس عشر في عهد عمر بن الخطاب، وبعد تحرير، وفتح جميع مناطق الأردن، وفلسطين، وسورية وحتى حدود أرمينية، تم حينئذ فتح القدس، على يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، واستلم مفاتيحها من الكهنة والأحبار الرومان. 

ونتابع في هذا الجزء الثاني، سرد مسيرة التاريخ، أثناء احتلال الفرنج للقدس، لمدة إحدى وتسعين سنة، وكيف تم تحريرها، بعد جهاد طويل وشاق، استغرق أربعون سنة تقريباً، حتى تم تحرير سورية والأردن بشكل كامل. 

ولتثبيت، وترسيخ هذه الحقيقة التاريخية الحتمية، حول أهمية موقع سورية الاستراتيجي، نقتطف أقوال هرقل قيصر الروم، عن نظرته الثاقبة لدور سورية الريادي، وعشقه، وهيامه بها قبل فتحها، وتحسره عليها بعد فتحها، وتنبؤاته بأن الروم قد خسروها إلى الأبد، ولن يعودوا إليها!  

كان هرقل كلما حج بيت المقدس فخلَف سورية وظعن في أرض الروم التفت فقال: (عليك السلام يا سورية تسليم مودع لم يقض منك وطره، وهو عائد..) 

 

فلما تم فتح سورية كلها علا على شرف، فالتفت ونظر نحو سورية وقال: (عليك السلام يا سورية سلاما لا اجتماع بعده، ولا يعود إليك رومي أبداً إلا خائفاً، حتى يولد المولود المشؤوم، ويا ليته لا يولد! ما أحلى فعله، وأمر عاقبته على الروم! (13).). 

وفي رواية لما فصل هرقل من شمشاط داخلا الروم التفت إلى سورية فقال: (قد كنت سلمت عليك تسليم المسافر، فأما اليوم فعليك السلام يا سورية تسليم المفارق، ولا يعود إليك رومي أبداً إلا خائفاً، حتى يولد المولود المشؤوم، وليته لم يولد!) ومضى حتى نزل القسطنطينية. (14).  

  

وفي الحروب الصليبية، تم تحرير سورية والأردن أولاً  

وحينما جاء الإفرنج، إلى بلاد الشام في الحروب الصليبية في عام 491 واحتلوا القدس، في السنة التالية، وبقوا فيها حتى عام 583 لم يتم تحريرها مباشرة. 

  

وإنما تم تحرير أولاً سورية، والأردن بشكل كامل، واستغرق هذا التحرير وقتاً طويلاً، بدءاً من 539 حينما استطاع عماد الدين زنكي بن آق سنقر، تحرير الرُها كأول مدينة من أيدي الصليبيين في ذلك العام (15) ومن بعدها جاء ابنه نور الدين محمود، الذي تولى قيادة الجهاد، بعد موت أبيه في 541، واستمر في درب الجهاد الشائك، القاسي حتى مات في شوال سنة 569، يعني 28 سنة دون كلل ولا ملل ولا توقف!   

فأخذ يحرر حصناً وراء حصن.. ففي عام 545 فتح حصن أفامية، وانتصر على جوسلين ملك الإفرنج المسيطر على شمال حلب، فتمكن من تحرير حصونه مثل: تل باشر، وعين تاب، وإعزاز، وتل خالد، وحصن البارة، ومرعش، ونهر الجوز، وغيرها (16).  

استيلاء نور الدين على دمشق 

وفي 549 استولى على دمشق، بعد أن طرد ملكها مجير الدين آبق، الذي كان يتعاون مع الفرنجة، ويعدهم بتسليم بعلبك، لقاء مساعدته في منع نور الدين من السيطرة على دمشق، التي كانت تعتبر مركزاً حيوياً، وأساسياً في مقاومة الفرنج، خاصة بعد استيلائهم على عسقلان، السنة التي قبلها، فكانوا يهددون دمشق!! فلذلك استبق نور الدين، وسيطر عليها، لتكون مقدمة لتحرير ما بعدها، ومن ثم صولاً إلى القدس (17).   

واستمر نور الدين محمود، في درب الجهاد، وتحرير القلاع، والحصون، والمدن من الصليبيين.. ففي سنة 550 حرر بعلبك، وفي سنة 551 حرر قلعة حارم (18)، وفي سنة 552 استولى على قلعة شيزر، القريبة من حماة، وعلى بعلبك، وقلعتها الحصينة. 

وفي 559 فتح مدينة بانياس، وأرسل أسد الدين شيركوه بن شاذي، ومعه ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي، إلى مصر، لملاقاة الفرنج، الذين هجموا على مصر، فانتصر عليهم (19). وفي 561 فتح حصن المنيطرة، القريب من طرابلس، وقتل خلقاً كثيراً من الفرنج، وغنم أموالاً جزيلة. 

القضاء على الدولة العبيدية في مصر 

وبعدها توالت الأحداث، في درب الجهاد الطويل، فتمكن صلاح الدين، من تدعيم أركان حكمه في مصر، وتمكن من القضاء على الدولة العبيدية اللعينة، التي كانت كالسرطان الخبيث في جسم الأمة، استمر 208 سنوات من 359 إلى 567.. وكان هذا مقدمة أيضاً، للتخلص من البؤر الفاسدة، المتغلغلة في جسم الأمة، وبالتالي.. الانطلاق إلى التفرغ إلى محاربة الفرنج، وتحرير البلاد التي احتلوها. 

معركة حطين وتحرير القدس 

وفي 25 ربيع الآخر 583 حصلت المعركة الميمونة المشهورة، حطين قرب طبرية، وشمال القدس، فانتصر المسلمون انتصاراً باهراً، على الفرنج، وبعد ثلاثة أشهر من هذه المعركة الفاصلة وفي 27 رجب 583 تمكن المسلمون من تحرير القدس، بعد احتلال الفرنج لها لمدة 91 سنة، وبعد جهاد، دام لحوالي أربعين سنة مستمرة، في تحرير الأرض وراء الأرض، والمدينة وراء المدينة، وتعاقب على هذه المسيرة، ثلاثة من عظماء، وكبار القادة: عماد الدين زنكي، ثم ابنه محمود نور الدين، ثم صلاح الدين يوسف بن أيوب.  

وهكذا يثبت لنا التاريخ، والقانون الرباني الثابت.. أن طريق القدس؛ طريق شائك؛ مفروش بالجماجم؛ والأوصال؛ والدماء؛ وليس طريق نزهة، أو سياحة، أو لعبة بالأرقام، أو التنبؤات، أو التنجيم! 

وأنه لا بد أولاً: من تحرير الأردن، التي لها الحدود الأطول مع فلسطين، وتحرير سورية، ولبنان التي هي في الأساس جزءً من سورية، وكذلك مصر، ومن ثم.. تنطلق حينئذ كتائب المجاهدين الصادقين، المخلصين، المؤمنين، من هذه المناطق كلها، بعد إحكام السيطرة عليها، وطرد الطغاة، والمستبدين المتحكمين فيها، والمتعاونين أصلاً مع الكيان الصهيوني، إلى تحرير فلسطين شبراً شبر، وقرية قرية، حتى الوصول إلى القدس.   

فإن لم يتم تحرير تلك المناطق، فلا يمكن البتة تحرير فلسطين، ولا المسجد الأقصى!  

هذا قول فصل، وليس بالهزل، وكل من يزعم خلاف ذلك، فهو واهم، وخطَّاء، ويعارض مسيرة التاريخ، ومسيرة السنن الكونية.  

  المصادر: 

  1.      الكامل لابن الأثير ج2 ص342  
  2.   تاريخ الطبري ج3 ص603  
  3.   الكامل لابن الأثير ج9 ص331
  1.   الكامل لابن الأثير ج9 ص366  
  2.    الكامل لابن الأثير ج9 ص398-399  
  3.    الكامل لابن الأثير ج9 ص 406  
  4.     البداية والنهاية لابن كثير ج14 ص174

وسوم: العدد 984