هكذا هجر الغربيون "الدين" واستغنوا عن الإيمان.. وساروا في طريق الكفران!!

احذروا سنن من قبلكم ..

في مطلع مايسميه الغربيون عصر النهضة، أي بعد اصطدامهم العملي بتوهج الحضارة الإسلامية في المشرق في ميادين "حروب الفرنجة" التي كانت في حقيقتها حروب همج، وليست كما جمّلوها هم، فوصفوها "بالصليبية"، وكذا بعض مساحات الالتقاء الإنساني والفكري والعلمي في ظل منارات الأندلس العلمية؛ بدأ العقل الأوربي يتحرك ويتحرر، ويطرح الأسئلة، وينتظر الأجوبة على مستويي الدين والسياسة معا...

ربما بعضهم لا يشعر أن المسلمين اليوم، وقد انفتح العالم وانتشروا فيه، يعيشون العصر نفسه، ويطرحون الأسئلة نفسها ، حول رجال السياسة "بشار الأسد ولفيفه، ولك أن تتصوره في صورة لويس الرابع عشر الذي قال يوما أنا الدولة، كما قال بشار الأسد أنا الوطن. وفي صورة عقل الكنيسة وأخلاق كهنتها في الوقت نفسه.

الذي أريد أن أؤكد عليه أن ثورة الأوربيين على الكنيسة لم تكن في أصلها ثورة على الدين ولا على الإيمان..وهذا جملة الدرس التربوي والأخلاقي..

خلال قرون إسقاط الكنيسة الذي تم على أيدي مفكرين كبار من أمثال جان جاك روسو وفولتير وأضرابهم، لم تكن المعركة أبدا مع حقيقة الإيمان النيرة الجميلة المتوافقة مع الفطرة البشرية بل كانت ..

مع فساد رجال الكنيسة -أولا- الأخلاقي، والاقتصادي، وشهوانيتهم وشجعهم..

ثم ضيق عقولهم، وقصر رؤيتهم، واعتبار أنفسهم ممثلين لله، وللحقيقة المطلقة في كل شيء ..

ثم في سوء اختيارهم لمواقفهم، وفهمهم لحقيقة ما يجري حولهم، واعتبارهم مثلاا أن قراءة الانجيل أو بعض أسفاره حكر على ..ثم استخدام حق الحرم ضد كل من قرا أو درى أو تكلم ، كل ذلك حوّل المعركة من معركة مع أشخاص الكهنة إلى معركة مع الدين والإيمان وهذا الذي نحذر ونحذّر..

لمن لا يعلم كانت قائمة الكتب الممنوعة أو المحرمة تلاوتها في الكنيسة الكاثولكية أطول قائمة كتب محرمة في التاريخ، ومنها بعض روايات الأناجيل العلمية التي لا تعترف عليها الكنيسة، ومنها القرآن الكريم، ومنها قائمة طويلة من الكتب العلمية الفكرية والطبيعية. ومذابح رجال الفكر أشهر من أن يحيط بها مقال: ويجثو غاليلو غاليلة على ركبتيه وهو مهدد بالإحراق في النار كما سيدنا إبراهيم في نار نمرود، ليسحب ما زعمه عن دوران الأرض. بقيت معلومة تاريخية مهمة أحب أن أذكر بها متسائلا : هل تعلمون متى ثابت الكنيسة الكاثولكية إلى رشدها ، ورفعت الراية البيضاء بشكل مذل، ورفعت الحُرم عن قائمة الكتب المحرم قراءتها والاطلاع عليها؟؟ إنه فقط في ستينات القرن العشرين، لا في القرن السادس عشر ولا في السابع عشر، ,إنما حصل ذلك في الأمس القريب..!! نفس الفترة التي ألغت فيها الحضارة الأمريكية سياسة التمييز العنصري!!

لا أكتب للتنديد بالكنيسة ، وإنما لأحذر السائرين على خطاها، ممن يظنون أنفسهم كهنة الإسلام، الأوصياء على عقيدته وشريعته بعقل منغلق مريب، والمتوزعين على درجات المنقلة المتنقلة مثل سلوكهم.

كان فرانسوا فولتير 1694- 1778مفكرا وفيلسوفا فرنسيا عاش أشرس معارك تحرير الإنسان، واصطدم بعنف برجال الكنيسة، وكان يكثر من السخرية منهم "عض ثعبان الراهب فلان فمات على الفور الثعبان"!! وحُق للثعبان أن يموت!!

فولتير المفكر شديد الإيمان والإخلاص الديني شهره رجال الكنيسة مثلا سيئا للملحدين المحرومين.!!

وحتى اليوم يعتبره الملحدون قدوة، وهو أشد من ينكر ذلك، وكتبتُ مرة مقالا مفصلا، عن إيمانه وحياته، وموقفه من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ربما العود إليه للمهتمين يفيد..

وهذا فيكتور هيغو الشاعر الفرنسي صاحب "البؤساء" يوجه خطابا حادا للعقل الكنسي الكهنوتي الذي لا يزال يحجر ويضيق ويحد ويدعي ويظن أن الأرض مسطحة ثابتة لا تدور... ولو استخرجت هذا الزعم عن تسطيح الأرض وثباتها، اليوم من كتب بعضنا لأفحمتنا..!!

لا أريد من هذا المقال التاريخ، ولا أريد التشهير، وإنما أريد التحذير من تكرار التجربة، فتشرد أجيالنا عن الإيمان والإسلام كما شرد من قبلنا . فيصدق فينا تحذير نبينا. الذي أنبئنا أننا نتبعهم شبرا بشبر وذراعا بذراع ..

نشأت في مدينة حلب ، في محلة كبرى ، اسمها بانقوسا ، محلة عريقة كانت دارا لعلوة صاحبة البحتري، وقد ذكرها البحتري في شعره تكريما وتخليدا..

كانت بانقوسا بالنسبة لأهلها هي أول الدنيا وآخرها..

كان الشيخ إذا استوى على عرندس مسجدها، وهو يحضن أهل حيه كما تحضن الدجاجة بيضها، يكثر من تكرار : في آخر الزمان الحمد لله على دين الإسلام والسكنى في بانقوسا..

كان الرجل إذا أراد أن يتساهل أو يتفلت يجب أن يبدأ بالانسحاب من الساحة في بانقوسا أولا .. يذهب حيث لا يعرفه أحد، ولا يعرف أحدا..

رسالتي اليوم تربوية بالدرجة الأولى ....

هي أن العالم الذي نعيش فيه أصبح أكبر من بانقوسا .. وأكبر من حلب.. وأكبر من الشام .. وأكبر من ديار الإسلام ..

وأن الجالسين على العرندس اليوم أكثر من شيخ ولكل شيخ طريقة، ولكل شيخ بانقوسا التي ما تزال تحاصره، فيرى العالم من أفقها، حيث دار علوة في زقاق البانجانة فيها..

ورجائي كل رجائي أن يعي سيد العرندس ذلك ، يعيه بكل أبعاده ومقتضايته، لئلا يقودنا هو - من حيث لا يريد - إلى جحر الضب الذي سار عليه الآخرون..

سيدي ...

إن الأجيال التي تخاطبها اليوم، رأت ما لم تر ، وسمعت ما لم تسمع، وقرأت ما لم تقرأ ..فارفق بها، أو بنفسك، أو بالسمحة التي تتحدث عنها، فتنفر من حيث لا تريد منها...

ثورات الربيع العربي فرفطت كثيرا من المكونات المجتمعية الأهلية والعلمية والفكرية والثقافية ..وأشدها فرفطة هي هؤلاء الذين يصطفون حول بشار الأسد عن اليمن وعن الشمال عزين ...ثم حولكم وحولنا كما ترون...

يقول سيدي عبد القادر الباز الأشهب: وتجلى لي نور عظيم، وقال يا عبد القادر، أنا ربك وقد أحللتُ لك المحرمات!! قلتُ خسئت...

أيها المعلمون علموا أجيالكم الحب مع سداد المعايير ودعوهم يعرفوا الحق من الباطل بما علموا لا بما لقنوا..

أيها المسلمون ...احذروا ...واحذروا ... ثم احذروا ...معركتكم مع الأشخاص ليست معركة مع الله جلّ الله.. ولا مع الرسول صلى الله على رسوله .. ولا مع الكتاب المنير ...

معركتكم مع الأشخاص معركة مع رجال ونساء يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق...وهذه كبرى حقائق الإسلام...

كنت من قبل أؤكد دائما، وأردد دائما : لا كهانة في الإسلام، ولا رجال دين عند المسلمين ...اليوم لم أعد أستطيع...!! وأراهم حولي يزلقون الناس بأبصارهم أو بفرط ألسنتهم وكم فيهم من عليم لسان.. منه خاف علينا سيدنا رسول الله..

وأعوذ بنور وجه الله الكريم ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 997