موقفنا من الاحتراب الفصائلي

ومنذ أن صار عندنا مصطلح "المحرر" رفضت أن أجعله أو المقيمين فيه، في إطار ثورتنا ، محورا أو مدارا أو صيرورة...

وظللت أكرر وأردد: الشعب السوري كله شعبنا، والجغرافيا السورية كلها أرضنا، وهذا لا يعني أنني لا أعترف بترتيب الأولويات...وكنت إذا أنشدت:

الأهل أهلي والديار دياري .. وشعار وادي النيربين شعاري

أكثر عليّ الساخرون...

وكنت أجلس في مجالس النظر والحوار وترتيب الأولويات لدى بعض الناس، فأسمع ترداد الأحاديث والمقترحات حول ضرورة أن يكون الشغل على المحرر أو فيه أولوية الأولويات فأشعر بالإشفاق، بعد أن يئست من المراجعة. والإشفاق شعور تتداخل فيه الرحمة مع الحزن والأسى والخوف..لا أريد أن أفيض في الموضوع، ولكن أبسط ما كنت أقوله هو : إنكم تراهنون على ورقة هي في جيب غيركم، ولا تدرون متى يضرب مالك الورقة كرته على الطاولة فيحرقه. عودوا إلى الهدف المحوري الرئيسي الذي خرجتم من أجله.إلى المربع الوحيد الذي ينهي كل هذا...

الأمر صعب ولكنه ليس مستحيلا. المستحيل موجود فقط في نفوس العاجزين. وما لا يدرك كله لا يترك جله. وأزعم وأؤكد أن خطوة ثورية واحدة في الطريق الصحيح، جديرة بأن تقلب في سورية الأمور، وتسألني: وكل هذا لم يكن في .. وأقول نعم لم يكن، والخطأ الذي كان في رأس الزاوية ما زال، وكلام يعرفه العقلاء منذ اليوم الأول. " ليس الطريق حيث دفع المانحون. مهما حسنت النوايا..

ومع ذلك وما أقوله اليوم، هو أن جميع التصورات التي فكر فيها اليائسون والمحبطون والمتشائمون، لم تتصور أن تكون نهاية الحالة الثورية، بتسليط الفصائل بعضها على بعض. سمعنا حكاية الثيران الثلاثة، الأبيض الأحمر واالأسود، التي أكلها السبع بالترتيب بعد أن أغراها بخذلان بعضها، ولكننا لم نسمع أن السبع تمادى به المكر، حتى أغرى ثورا بثور ، فاقتتلوا جميعا وكانت وليمته للسباع جميعا على أجساد الثيران المتناحرة، المتساقطة. لا أحد من المتشائمين والمحبطين، والظانين ظن السوء، توقع أن تكون نهاية الفصائل الثورية أن تقضي على أيدي بعضها، ولا أسدي ولا روسي ولا إيراني، يتحمل وزر الحرب الأخيرة. بل عمر يثب على عثمان. وفي علم الرياضيات تعلمنا أن القوى المتعاكسة المتساوية تعدم بعضها...

رغم كل شيء، ومع كل شيء، وفوق كلشيء، وتحت كل شيء، نعلن أننا ضد الاحتراب الفصائلي. ضد أن تحترب الفصائل المحسوبة على الثورة معا . تحت أي عناون، وعلى أي خلفية. أذكرهم بنظرية "الأعمدة المتساندة" أو كما يقولون أحجار الدومينو، وأحذر أن يسقط منها حجر!!

 لا أفكر كثيرا في المستفيد الأول من هذا الاحتراب، لأنني لا أشك أبدا في المستفيد الأخير...

وأسأل الله أن يحقن الدماء وأن يهدينا سواء السبيل.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1002