قتل الفلسطينيين ومعركة نتنياهو ضد «المحكمة العليا» الإسرائيلية

بات واضحا للعيان انخراط حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية المباشر في المجازر والاعتداءات والحصارات وصولا إلى التحريض على إبادة الفلسطينيين، والذي كانت آخر معالمه قول الوزير العنصري المتطرف يتسلئيل سموتريتش إن على الدولة الإسرائيلية، وليس المستوطنين، محو بلدة حوارة، مبررا ذلك بأن الدولة العبرية قامت على مئات القرى المهدمة، وهو أمر دفع عديدين للتحذير من أن مذبحة كبرى يمكن أن تحصل في أي وقت قريب.

أدى العنف الهائل الذي استخدمته إسرائيل في مجزرتي جنين ونابلس إلى ردود فعل مقاومة استهدفت مستوطنين، وهو ما استخدم ذريعة للهجوم الانتقامي الأخير للمستوطنين على حوارة، ثم حصارها المستمر منذ أربعة أيام.

يمكن إدراج ما يحصل ضمن ترتيبات نتنياهو لإرضاء أحزاب القومية الدينية التي يمثلها بن غفير وسموتريتش، لكن ذلك يمكن أن يُدرج أيضا ضمن سياق المعركة التي يخوضها نتنياهو، المهدد بتهم قانونية، لما يسميه «إصلاحات قضائية» يتم من خلالها تقليص صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية التي تسمح للقضاء الإسرائيلي بمحاكمة رئيس الوزراء، أو الوزراء، كما حصل أخيرا حين منعت تعيين أرييه درعي، زعيم حزب شاس، في الحكومة، مما سيترك تداعيات على مستقبل النظام القانوني ـ السياسي في إسرائيل.

على الأغلب أن لنتنياهو، الذي يعتبر نفسه مهندس التطبيع مع الدول العربية، مصلحة بتشجيع تصعيد الهجمات على الفلسطينيين، وما يستدعيه ذلك من أعمال مقاومة، لأن ذلك، بتأجيجه مشاعر الغضب لدى أطياف أكبر من الإسرائيليين يمكن أن يجعل الصراع مع الفلسطينيين هو الأولوية لدى الرأي العام الإسرائيلي بشكل يسمح لنتنياهو بحسم معركته مع القضاء الإسرائيلي.

إجراءات نتنياهو المشددة ضد الفلسطينيين، ونشر قوات أمنية إضافية في المناطق الفلسطينية المحتلة، والتساهل المقصود مع المستوطنين عبر إطلاق من اشتبه بهم بتنفيذ هجمات حظيت بشعبية بين الإسرائيليين، الذين يعتقد الكثير منهم أنها ضرورية لحماية مجتمعهم.

يستخدم نتنياهو أيضا الدعاية السياسية للأحزاب القومية الدينية التي تزعم أن النظام القانوني يتساهل مع الفلسطينيين، وأنه فاشل في توفير الحماية الكافية للمستوطنات اليهودية.

يسمح هذا الوضع لنتنياهو بإعادة صياغة مقترحاته للإصلاح القضائي من خلال تقديمها كاستجابة ضرورية للأزمة الحالية، ويمكنه، بالتالي، توظيف التصعيد الأمني الحاصل لحشد المزيد من الدعم العام لجدول أعمالهإ، وإذا نجح في ذلك، فقد تكون هذه خطوة مهمة نحو تحقيق هدفه طويل الأجل المتمثل في توطيد سلطته وإضعاف المؤسسات الديمقراطية في البلاد.

يلعب نتنياهو، هنا، مقامرة كبيرة فهذه الاستراتيجية يمكن أن تؤدي لمزيد من العنف والانقسامات العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي بات ينقسم بحدة بين علمانيين ومتدينين، إضافة إلى مخاطر التصعيد الكبير ضد الفلسطينيين، فيما يخص المنظومة الدولية، والدول العربية المطبعة، الذي سيجعلها الوضع أقرب لراعي المجازر ضد الفلسطينيين، والمشارك فيها، بشكل مباشر أو غير مباشر.

هناك مخاوف دولية وعربية من أن يؤدي الانزلاق المتزايد نحو العنف الجماعي ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، إلى تداعيات لدى فلسطينيي 48، والذين يواجهون أصلا تمييزا كبيرا ضدهم، وانتهاكات تاريخية بشكل يجعل تلك المناطق قابلة للاشتعال كما أنه سيؤدي إلى المزيد من تكريس صورة إسرائيل كدولة محتلة وقمعية.

إذا تطورت هذه الدينامية فإن تطويق تداعياتها سيكون صعبا على نتنياهو وحكومته العنصرية، كما أن الربط بين معركة العنصرية الاستيطانية ضد الفلسطينيين، والمعركة لتغيير النظام القانوني للإسرائيليين، قد يفتح المجال لإدراك مزيد من الإسرائيليين أن عليهم الاختيار بين دولة يحكمها القانون أو غابة يحكمها المجرمون.

وسوم: العدد 1022