قمة جدة: «أخلاق» الأسد ومكاسب العرب!

عملت الرياض، بشكل حثيث، على جعل القمة العربية الأخيرة، دليلا جديدا على فاعلية «القوة الناعمة» للدبلوماسية السعودية، وإظهارا لمكانتها القيادية في العالم العربي.

أهم مظاهر هذه الفاعلية، حسب منظمي اجتماع القمة، كانت استطاعة السعودية التغلّب على الخلافات العربية حول إعادة مقعد سوريا إلى نظام بشار الأسد، وقد تمكنت الرياض من ذلك، عبر مسار ساهم فيه الأردن، أحد المتضررين الكبار من عمليات تهريب المخدرات القادمة من سوريا، والذي يستضيف قرابة 670 ألف لاجئ سوري، وشاركت فيه مصر، الدولة المقرّ لـ«الجامعة العربية» والعراق، القريب سياسيا من نظام دمشق، وبذلك نجحت فيما لم تستطع فعله الإمارات والجزائر، المتحمستان لعودة نظام بشار الأسد، وكذلك تونس، التي انضم رئيسها قيس سعيّد لهذا المسار لأسباب داخلية وخارجية.

معلوم أن هذه الخطوة كانت في حاجة لإجماع عربي، حسب قوانين الجامعة، وكانت مسألة إشكالية وتواجه معارضة من قبل عدة دول عربية، على رأسها قطر، التي كرّر مسؤولوها، قبل الاجتماع، أنها لن تكون عائقا بوجه الإجماع العربي، لكن موقفها من النظام السوري لم يتغير، وأنها تربط ذلك بالتقدم في الحل السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب.

المقصود من ربط الموقف القطري التطبيع مع النظام بـ«معالجة جذور الأزمة التي أدت إلى مقاطعته» هو ألا تكون عودته إلى «الجامعة العربية» مكسبا مجانيا يقوم نظام الأسد بالتعويل عليه، كما فعل دائما، لتوظيف ما يصله، من أموال أو أفعال سياسية، في تدعيم منظومته الأمنيّة ـ العسكرية، وضمان استمرار كرسيّه، وقمعه للسوريين.

خطاب رئيس النظام السوري، في قمة جدّة، أمس، كان دليلا فاقعا على أن الأسد اعتبر ما حصل انتصارا مجانيا، وأنه سيقوم بتوظيفه ضمن المنطق الذي حكم فيه سوريا منذ عام 2000.

أعاد الأسد، على مسمع القادة العرب الحاضرين، خطابا إنشائيا، استخدم فيه سجع «الأمل والعمل» و«الأعراض والأمراض» قاصدا في تكراره لاستعارات الطب والأمراض، تذكير الزعماء الحاضرين بكونه طبيبا. لم يبد على الأسد أي انتباه يذكر بالتناقضات الفظيعة التي عج بها خطابه، الذي انتقد فيه الليبرالية الغربية والفكر «العثماني التوسعي» وطالب بـ«منع التدخلات الخارجية»!

لم يستطع الأسد، بعد 12 عاما من تكرار اتهام العالم والعرب بالتآمر على سوريا، أن يجد خطأ واحدا يستحقّ الذكر وقع فيه نظامه، ولأن الطبع يغلب التطبع، فإن الأسد، الذي شكر السعودية على استضافته، أضاف ما يمكن اعتباره تمنّنا على مستضيفيه، بالتأكيد على أن «سوريا قلب العروبة» وأن «الأحضان عابرة» وهو ما يعني، في عرف الأسد، أنه لا يأبه، في النهاية، بما يسمى «العودة إلى الحضن العربي» لأن العروبة هي ملكيّة خاصة للنظام السوري، يوزعها على من يريد!

مفهوم طبعا، أن ينتقد الأسد، المقيّد بالسلاسل العسكرية والاقتصادية الروسية، «الليبرالية الغربية» وأن يركز المحكوم بنفوذ إيران، على «التوسع العثماني» (وليس التركيّ لأن التاريخ لديه توقف عند السلطنة العثمانية) وأن يتحدث «الرئيس» الذي لا يحكم بلاده، المقسمة بين عدة جيوش وميليشيات، عن «منع التدخلات الخارجية إلا التي نقوم بطلبها» على حد قوله.

محاضرة الأسد على الزعماء العرب عن «الأخلاق والمبادئ» دليل على انفصال تامّ عن الواقع لمسؤول تسبّب في كارثة كبرى لشعبه بمقاييس التاريخ المعاصر، وإذا أخذنا جانبا واحدا منها، وهو عدد اللاجئين والنازحين، سنجد قرابة 7 ملايين نازح داخل البلاد، وقرابة 8 ملايين لاجئ في العالم.

واضح من خطاب الأسد أنه يرى في إعادة تمليكه مقعد سوريا في «الجامعة العربية» أداة جديدة تمكّنه من الاستمرار في المسار نفسه الذي أدى للمقتلة المهولة للسوريين، والشتات الواسع لهم، والدمار الكبير للمدن والبلاد، وبدلا من «احتواء» العرب له، ومحاولة خفض نفوذ إيران، وضبط صناعة المخدرات، وهي المبررات التي استخدمت لإعادته إلى «الجامعة العربية» فإنه سيستخدم اللاجئين والمخدرات، إضافة إلى مقعده في الجامعة، لابتزاز المنظومة العربية، وتمرير الأجندات الروسية والإيرانية.

وسوم: العدد 1033