بين الداعية والفقيه، أي علاقة ؟؟

ها هنا سر خفي، وفرق من الفروق الخفية غاب عن القرافي صاحب كتاب "أنوار البروق في أنواء الفروق"

وأقول متوكلا على الله..

ما كل داعية فقيه. ولا بد للداعية من الفقه حظ.

وما كل فقيه داعية، ولا بد للفقيه من لطف الداعية وحسن تأنيه حظ.

والعلاقة بين الداعية والفقيه يرمز إليها في علم الرياضيات بعنوان التشارك، وبعضهم يعبرون عنه بالتقاطع، ولا أحبه، ويرسمونه هكذا: دائرتان متداخلتان بينهما قطاع أو قوس مشترك يكبر أو يصغر، بحسب خصوصية المومى إليه.

والأصل أن كل فقيه داعية، ومع الأسف هذا لا يحصل.

ولا نستطيع أن نتطلب أن يكون كل داعية فقيها، إلا في حدود ما يدعو إليه، وإلا فالفقه "بحر عميق ما له ساحل" ولو اشترطنا في الداعية حظا أكبر من الفقه، لما أجزنا لزوج أن توقظ زوجها لصلاة الفجر.

سألت يوما أحدهم هل للزوجة أن تأمر زوجها؟؟ فزمجر!!

قلت زوجة زوجها يطيل السهر، ولا يقوم لصلاة الفجر، فهل تنهاه وتأمره، وتنضحه بالماء إذا أبى..!! أمر الزوجة لزوجها لا ينطبق على أصول بعضهم.

القرآن الكريم يقول: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ) هل الزوج هو من أهل المرأة.. هذا يجيب عليه فقيه وليس داعية..

القرآن الكريم يقول (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) العلاقة تبادلية، وبعضهم لا يفقهها إلا أحادية…

الفقيه في فقهه قد يكون بعض الفقهاء مثل الطبيب المباشر الصريح والواضح: نتيجة التحليل عندك: سرطان خبيث متقدم لا علاج له ربما يؤجلك ستة أشهر على الأكثر..

ويقول فقيه - ليس كل فقيه حتى لا نظلم- للرجل يعرض عليه كيف عقد على زوجته ام البنين منذ ثلاثين؛ فيجيبه الفقيه بطريقة الطبيب نفسها: عقد زواجك باطل- ليس فاسدا فقط- عقد زواجك باطل، وأنت منذ كذا سنة في الحرام، وأولادك بالحرام..!!

وحين يكون الفقيه داعية، حاله حال الطبيب حين يكون إنسانا..

فيراعي حتى وهو يلقي الأحكام المشددة المخاطب والظرف والحال..

كان سيدنا ابن عباس رضي الله عنه فقيها داعية: وسأله والشرر يطير من عينيه: هل للقاتل من توبة؟؟ قال: لا .. لا توبة له. غيّر ابن عباس رضي الله عنه الحكم الفقهي، بل أجاب بالحكم الفقهي في وقته تلطفا بحال السائل لئلا يأثم!!

حين يكون الفقيه داعية: يخرج كلامه في خطاب الناس، مراعيا أحوالهم وأوصافهم وخلفياتهم وثقافاتهم وظروفهم..

يخرج أقرب إلى ما في فقه الحواشي من تمديد وتطريب وافتراضات وشروح، وأبعد عن حسم ما في كتب المتون…!!

فالمتون أوجز. والعبارة كلما كانت أوجز كانت أقسى، إلا أن تكون قد صدرت عمن أوتي جوامع الكلم..

في تمديد العبارة تلطيف وترقيق وتليين وترخيم من غير تمييع؛ ويسأله: لعلك.. لعلك.. لعلك. وفي رواية: أتدري ما الزنا؟؟

والدعاة من طبقة من الناس تطرح على بعضهم المسألة ما زال أهل العلم والفقه يتساجلون فيها منذ قرون كلما جاء أحدهم بحجة، زاد عليه الآخر بمثلها، أو بما هو أكبر منها؛ فيقضي فيها حاسما جازما لا يتردد ولا يتأتأ.. وكأنه صاحب الأمر، والموقع وحده عن الله..

هو الفقيه المجتهد وهو الداعية الأول، ومن هنا كثر فيما نحن فيه البلاء.

(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1080