الحاكمية بين العلمانية و الإسلام رؤية في فكر المسيري الجزء الثالث
لقد كان الإنسان في مفهوم الحضارة الغربية من منظور علماني عبارة عن كيان حركي مادي يمكن نقله من مكان لآخر وهذا تعريفا ترانسفيريا عندما لا يكون نافعا لهم بالمعنى الدقيق لأنه برأيهم ( مصدر للربح فقط) وبالتالي الترانسفير ليس فعلا سياسيا بل! مادة تؤشر لنموذج حركي مادي !
١- إذا جذور الحضارة الغربية تؤسس لحضارة الترانسفير، وهنا لابد من عملية تفكيك و تركيب لهذه الحضارة في النموذج المعرفي:
الإنسان الأبيض انتقل من أوروبا إلى أماكن أخرى في العالم، بنظرهم المكان مجرد حيز لنقل الفائض البشري، أتوا بأصحاب البشرة السوداء من إفريقيا كعبيد للعمل في أمريكا و أوروبا و هذا مصدر كبير للربح، أو أي منفعة مادية أخرى ، بعيدا عن أي قيمة أخلاقية!
أي نقل الفائض البشري إلى جيوب استيطانية في عالم آخر للمنفعة الغربية والربح فقط.
المشروع الصهيوني هو أيضا جزء مهم من عملية الترانسفير، لديهم مشكلة مع اليهود قاموا بتصديرهم على شكل ترانسفير إلى فلسطين، و بذلك يحققوا فائدتين الأولى التخلص منهم، والفائدة الثانية تحقيق مصدر ربح سياسي واقتصادي لهم في فلسطين في قلب العالم الشرق أوسطي بمفهومهم المحدود، علما أن هذا المشروع كلف أمريكا و أوروبا ماديا و معنويا أضعاف أضعاف ما استثمرت به و لم ينجح و لن ينجح هذا الكيان البريطاني- الأمريكي الأوروبي و هذا ما أثبتته وقائع ما قبل الطوفان و أكده طوفان الأقصى …….
إذا عملية تحرك الإنسان من مكان إلى آخر برأيهم مصدر للربح المادي و تسفير لهذا الإنسان الغير نافع لبناء الدولة الحديثة و تحقيق تقدم ! ماكس لاربر عرف الحداثة: أنها إمكانية الإنسان أن يغير قيمة بعد إشعار قصير وهذه مقدرة ترانسفيرية غير عادية! أما الحداثة بنظر المسيري؟ هي رفض العلاقات الثابتة والمطلقة و الثوابت و إخضاع كل القيم للتداول، أي إخضاع كل شئ للتفاوض كما حدث ويحدث في غزة و أريحا! و الهدف هو قبول الترانسفير كحالة عقلية و تعميمها لتثبيت أركان المشروع الصهيوني!
يمكننا أيضا الانتقال إلى عقلية ترانسفيرية جديدة و هي تفشي الموضة مثلا! الجراحات التجميلية، تغيير الملابس و السيارات، كلها جزء من مفهوم الإنسان العلماني المادي كمصدر للربح المستمر، وتعميمه كحالة عقلية ترانسفيرية!
٢- الأبعاد الفلسفية للعلمانية:
لقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتحويل العجائز إلى ترانسفير كحالة عقلية وتعميمها و القبول بها ، برأيهم لا فائدة منهم كمصدر للربح إذا لابد من تسفيرهم! والهيكل القانوني الأمريكي يدعم ذلك !
كوفيد19، كان خير مثال لتسفير العجائز في أمريكا و أوروبا و التخلص منهم، فإذا قبلنا بهذه العقلية الترانسفيرية كمعيار إذا نحن نقوم بالقضاء على القيمة المثالية التي أوصلتنا إلى قيمة أعلى منها، وهي ما وصلنا إليه من علم وعمل وتربية وأخلاق!؟ هذا ما يسمونه اليوم في أوروبا بالموت الرحيم، و من المؤسف أنهم قد اخترعوا قانونا على وشك تطبيقه، وهذا خير مثال لتعميم العقلية الترانسفيرية !
المهم برأيهم الإنتاج و الربح بعيدا عن أي قيمة أخلاقية عليا !
نحن كعرب لسنا علمانيين ولا ترانسفيريين، بل إنسانيين و لا علاقة لنا بهذه البلاهة العلمانية الغربية أو بمنطق التفسير الفلسفي الترانسفيري كله.
٣- الهدف من التقدم:
عقل الإنسان غير محدود و المعرفة الإنسانية سوف تتراكم لتنتج تقدما في مجالات مختلفة في الزراعة والصناعة والتجارة والعلم والتكنولوجيا الخ … و خاصة أن الموارد الطبيعية غير محدودة، و عقل الإنسان غير محدود التفكير أيضا، بإمكانه صناعة المعجزات و هذا كفيل بصناعة التقدم.
إذا التقدم: هو عملية عالمية لا تختص به حضارة محددة أو أفراد معينين.
و التقدم مصطلح خطير يمكن دراسته في مقالات منفصلة، فهل كان اختراع القنبلة الذرية تقدم؟ و هل كان اختراع الذكاء الصناعي و ما فيه من سلبيات خطيرة تقدم؟ و هل كانت صناعة البارود التي أدت إلى قتل ملايين البشر تقدم؟ لكن صناعة السيارة و الطائرة تقدم ! صناعة الكوكا كولا مثلا هل هذا تقدم؟ هذا مصطلح خطير و فضفاض و لابد من التوقف عنده كثيرا و تأمل ما فيه من محاسن ومساوئ، لكن علينا أن نتعامل معه بشكل واقعي أكثر منه منهجي، لأن خطره كامن في مساوئه لا كمصطلح بل كعملية معقدة بإمكانها أن تودي بحياة ملايين البشر إلى التهلكة، ويمكن أن تسعدهم و تحقق لهم الفائدة واللذة في الوقت نفسه!
٤- وهم فصل الدين عن الدولة:
لقد كانت أهمية الإنسان الأبيض و تفوقه ودعمه كمصدر للربح هي الأساس في الحضارة الغربية، والكون برأيهم موجود لخدمة الإنسان الأبيض، و أفضليته و مصلحته. وهذا يعني تحرير الطبيعة و حوسلتها وهذا مصطلح من اختراع المسيري، أي تطويع الطبيعة بشكل كامل لخدمة الإنسان الأبيض، لجعله مصدرا خالصا للربح لصالحه !
لقد اتخذت العلمانية الإمبريالية شكلين في الغرب ورشدت الناس وحولتهم إلى مادة إنتاجية، استثمرت منهم جيوشا خارج نطاق هذه الدول طبقوا النموذج نفسه المطبق عليهم!
و هذا إن دل على شئ، فهو يدل على أن حياة الإنسان الغربي أكثر نمطية و آلية من حياتنا، فهي ذات معيار واحد ووجه واحد وهو معيار اقتصادي فقط. إذا الإنسان الغربي هو ضحية لسياسة حكوماته مثلنا تماما، ولهذا النموذج العلماني الممنهج القائم على سياسة براغماتية ربحية صرفة! يقول هابرماس: الدولة الحديثة استعمرت حياة الفرد. ويقول ماكس فيبر: الدولة الحديثة هي سجن الإنسان، بينما يتكلم زيميل عن القفص الحديدي. وهذا يعني مستوى معيشي مرتفع مقابل حياة رشيدة و ترانسفيرية و ربحية مادية تماما!
ومنضبطة إلى أبعد حدود تبعث على القرف و التقزز. وهذا يعني أن الدولة مسيطرة تماما على حياة الإنسان و تتدخل من خلال قوانين تقدسها وتقوم بتعميمها بشكل قانوني، في أدق تفاصيل الإنسان وحياته الشخصية، على سبيل المثال تربية أطفاله غير متحكم بها، أحلامه و طموحاته غير متحكم به! المهم الربح المادي دون أي قيمة أخلاقية عليا أو أي معيار أخلاقي! استعمار كامل لحياة الفرد من الداخل والخارج و هذا جوهر تعريف العلمانية.
وللحديث بقية ……
يتبع.
وسوم: العدد 1123