الأزمة السورية ومصائب دي مستورا السبعة

يبدو أن المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات السورية ( دي مستورا )  قد أخذ إجازته الصيفية مبكراً  هذا العام ؛ وبات  أقرب ما يعيش  فترة نقاهة من الأزمة السورية التي ألمت به  إلى أجل غير مسمى  ،  بعد أن أسهم بشكل جاد وفاعل في  تشويه أسس مفاوضات جنيف وفينا بأجزائها المثيرة للجدل ،  وأسهم في خلق وزرع الأ لغام  ؛ بحيث لم يعد هناك أية قيمة فعلية بالنسبة  لمسار العملية السياسية برمته .فمصائب مبعوث السلام غير النزيه دي مستورا باتت واضحة لأي متابع ، وبشكل أصبح  معه دور هذا الوسيط الأممي مشكوك به .

المصيبة الأولى : أن مبادرة والسلوك التفاوضي ل" دي مستورا" يبدو  غير واضح  وتحوي مفاهيم مطاطة يمكن تحويرها بمعاني متعددة ،   و هي بالتالي لا تقدم حلولاً سياسية لإنهاء معاناة الشعب السوري الأعزل ؛ وهذا يظهر من خلال تعاطيه بازدواجية بشان  الوفد الممثل  للنظام السوري  والمعارضة ، إضافة إلى عدم الجدية في رفع الحصار والقتل  عن المناطق التي تم تجويعها  من جانب جيش النظام وإيران ومليشياتها و حزب الله ،وهذا  يؤكد انحيازه  الواضح –بما لا يدع مجالاً للشك – ضد الشعب السوري ومعارضته . واللافت أن تحرك دي ميتسورا يأتي  بشكل بطيء  ومتردد  أثناء تصاعد عمليات النظام والإيرانيين والروس بهدف منحهم فرصة لتحقيق مكاسب ميدانية على الأرض لغرض دعم أوراقهم التفاوضية ، وهي من المفارقات الغريبة العجيبة .

المصيبة الثانية : أن أغلب مساعي وجهود  دي مستورا  كانت تهدف إلى إعادة تأهيل  نظام  بشار الأسد ومحاولة تسويق فكرة  الاعتراف الدولي به، وجعله شريكًا  أساسيا و مهماً وفاعلاً في الحرب على داعش ، طبعاً إلى جانب إيران ، التي حاول  مغازلتها والنفاق المتكرر لها ؛ وهي  التي تمارس اليوم  الإرهاب والعنف  بأبشع صوره  وأشكاله في سورية و العراق و اليمن و دول المنطقة .

المصيبة الثالثة  : لم تراعي مساعي وجهود  دي مستورا   في حساباتها موقف المعارضة ولا الشعب السوري منها ، ونكاد نجزم أنهم  لم يُستَشاروا لا من قريب ولا من بعيد  حول هذه المبادرات والطروحات  ، وكل ما  كان على المعارضة  هو تنفيذ ما يريده المبعوث الأممي  فقط  ، الذي كان ولا زال يتعامل مع المعارضة بشكل فوقي ، وما كان يريده  فعلاً هو وقف القتال ضد النظام  وإيران ومليشياتها و حزب الله دون أي مقابل، بحجة أن  الضرورة  تستلزم  من المعارضة  قتال داعش أولاً .

المصيبة الرابعة: أن جهود  دي مستورا  تلتقي مع  محاولات روسيا وإيران وأمريكا   الساعية  في ضرورة إعادة تأهيله نظام الأسد، ، وهذا يفسر حالة النشوة والاسترخاء التي يعيشها شخص بشار الأسد ،  لذلك بات هم دي مستورا ومن والاه   إعادة تأهيل  هذا النظام بأي شكل ؛ وبات يعلن في  أكثر من مناسبة أن المسار السياسي لحل الأزمة السورية  يجب أن يسير بالتوازي مع مسألة محاربة الإرهاب التي باتت تعزف عليها  بعض  الدول العظمى  ، وهذا ما يفسر كلام "دي مستورا" للمعارضة وسلوكه الفعلي الذي  كان يسعى من خلالها  في إعادة تأهيل نظام الأسد  و ذلك عبر إدخاله في مفاوضات ترمي إلى إعادة الاعتراف به، وتوحيد الجهود لمحاربة داعش الذي أوجدها النظام السوري وإيران .

المصيبة الخامسة: أسهم  دي مستورا من خلال مساعيه  ومبادراته في تلميع صورة  ما تقوم به إيران و مليشياتها وحرسها الثوري  الإرهابي ، بعد أن توفر لها  شروط ومقومات البقاء و الاستمرار من خلال عدم السعي لاستصدار قرارات دولية توقف مذابحها، وهذا ما كان من المفروض أن يسعى باتجاهه دي مستورا ، وفي هذا السياق  لم  يوجه مجرد انتقاد   لسياسات  طهران  العدوانية ضد الشعب السوري ؛ والذي تمثل في  إرسال ميليشيات إيران  من الحرس الثوري  إلى كافة التراب السوري،  وتجهيز  و دعم الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح  كي تُعمل ذبحاً وقتلاً بالشعب السوري ؛ بهدف تعزيز أوراقها ومكاسبها التفاوضية . ولم يقف الأمر عند هذا الحد ؛ بل  تحدث دي مستورا نفسه  مرات عديدة عن موقف إيجابي من طرف طهران ، مع توجيه الانتقادات وكيل الاتهامات للمعارضة السورية .

المصيبة السادسة : لا شك أن دي مستورا انتهج سياسة شيطانية  سعى  من خلالها نحو ترتيب  الأولويات التفاوضية ، وبشكل باتت تتزامن مع  خلط الأوراق العسكرية الميدانية لصالح النظام وأعوانه . 

 المصيبة  السابعة : لا شك أن  دي ميتسورا  قد  تبنى منذ توليه لمنصبه إستراتيجية  خطيرة  تركزت على إدماج الأطراف التي تمارس الإرهاب كأطراف فاعلة في طاولة المفاوضات  ؛ وعدم النظر إلى  قضية محاربة الإرهاب  التي أوجدها النظام السوري نفسه كسبب  أساسي لأزمات المنطقة ؛ من هنا حاول  دي مستورا لفت أنظار المجتمع الدولي  للتركيز على حرب تنظيم الدولة الإسلامية  ؛  كي يسهم في تحويل  مسار الأنظار السياسية ، وكل الجهود نحو هذه الحرب؛  بمعنى أنه سعى للفت الأنظار عن جرائم نظام بشار الأسد وإيران وروسيا نحو خطر داعش بمعزل عن القضايا الأخرى ، وأما  دي مستورا يدرك تماماً أن أي طرف من الأطراف السابقة  لم  يخض أي معركة حقيقية ضد داعش حتى الآن ،  بل إنه حين كانت فصائل المعارضة السورية  تخوض معارك ضد هذا التنظيم كانت  جهود النظام السوري وإيران تقوم بمساعدة هذا التنظيم بشكل كبير ، وهذا اتضح من خلال إعطاء الضوء الأخضر لروسيا بتدمير البنى التحتية مستهدفة المعارضة و المدنين بالتعاون مع إيران و ميليشياتها و حزب الله  مما سهل لتنظيم داعش سيطرته على العديد من المناطق ، ووفر لها الدعم والإسناد الجوي والأرضي ؛ وفي هذا السياق لماذا لا يقوم  دي مستورا  بتقديم تفسير واقعي لحقيقة ما يجري فعلاً ؟

وعلى أساس هذا الفهم يمكن قراءة   مرتكزات وأهداف دي مستورا من مجريات الأزمة السورية ونظرته لحلها ، وهو يدرك في قرارة نفسه أن النظام السوري لم يرسل وفده للتفاوض ؛ بل لكي يراوغ ويماطل ويسوف ، ويحقق مزيداً من كسب الوقت لتحقيق انتصارات عسكرية  على الأرض بدعم روسي.

النتيجة أنه لا  يمكن لعاقل أن يتصور  أن  دي مستورا سيعالج الأزمة السورية  بغير هذا التصور  ، بعد أن حاول  حثيثاً التسويق لفكرة الشراكة الدولية مع النظام السوري لمكافحة الإرهاب ، ووفق هذه الرؤية والتصور تحول التعامل مع الشعب السوري  من كونهم  بشر وضحايا لنظام  إرهابي مجرم  ودموي إلى  معارضين إرهابيين يستحقون الإبادة ، ومطلوبين بتهمة الإرهاب .

د.نبيل العتوم                                              

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية                                        

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 670