على باب القيامة !

على باب القيامة !

شعر : أحمد مطر

بَكـى مِـن قَهْـريَ القَهـرُ
وأشـفَقَ مِـن فَمـي المُـرُّ
وَسـالَ الجَمْـرُ في نَفْسـي
فأحـرَقَ نَفسَـهُ الجَمـرُ !
بِكُـلِّ خَلِيَّـةٍ مِنّـي
لأهـلِ الجَـوْرِ مَحـرقَةٌ
تُزمجـرُ : مِن هُنا مَـرّوا .
وإنّي صابِرٌ دَومـاً على بَلوايَ
لَمْ تَطـرُقْ فَمـي شـكوايَ
لَو لَمْ يَسـتـَقِلْ مِن صَبْـريَ الصَّبْـرُ !
وَلَستُ ألومُـهُ أبَـداً
فَـرُبَّ خِيـانَةٍ عُـذرُ !
أَيُسـلِمُ ذَقْـنَ حِكمَتِـهِ
لِكَـيْ يَلهـو بِها غِـرُّ ؟!
أَيأمُـلُ في جَنَى بَـذْرٍ
تُرابُ حُقولِهِ صَخْـرُ ؟!
أُعيذُ الصَّبـرَ أن يُبلي
ذُبـالَةَ قَلبـهِ مِثلي
لِلَيْـلٍ مالَـهُ فَجْـرُ !

      

أُشـاغِلُ قَسْـوَةَ الآلامِ :
لا ضَيْـرُ ..
سَتصحو أُمَّتـي يَومـاً
وَعُمْـري دُونَ صَحْوَتِهـا هُـوَ النَّـذْرُ .
فَتَضحكُ دَورةُ الأيّـامِ :
كَـمْ دَهْـراً سَـيَبلُغُ عِنـدَكَ العُمْـرُ ؟!
أَدِرْ عَيْنَيكَ ..
هَـل في مَن تَـرى بَشَـرٌ ؟
وَهَـلْ في ما تَرى بِشْـرُ ؟
بِلادُكَ هـذهِ أطمـارُ شَحّـاذٍ
تُؤلّفُها رِقـاعٌ ما لَها حَصْـرُ .
تَوَلَّـتْ أمـرَها إِبَـرٌ
تَدورُ بِكَـفِّ رَقّاعٍ
يَدورُ بأمـرِهِ الأمـرُ .
وما مِن رُقعَـةٍ إلاّ وَتَـزعُمُ أنَّهـا قُطْـرُ ‍
وفيها الشّـعبُ مَطـروحٌ على رُتَبٍ
بِلا سَـبَبٍ
ومَقسـومٌ إلى شُـعَبٍ
لِيَضـرِبَ عَمْـرَها زَيـدٌ
وَيَضـرِبَ زَيْـدَها عَمْـرو !
مَلايينٌ مِـنَ الأصفـارِ
يَغـرَقُ وَسْـطَها البَحْـرُ ..
وَحاصِـلُ جَمْعِهـا : صِفْـرُ !

      

ألوذُ بِصَـدْرِ أبياتي
وأُطمِعُها وأُطمِعُني
بأنَّ أَتِـيَّها الآتـي
سَـيَهدِمُ ما بَنـى المَكـرُ
فَيَثـأرَ بائِـسٌ ويَثـورَ مُعْتَـرُّ .
وَأنَّ سـماءها لا بُـدَّ أن تبكي
لِيَضـحَكَ للثَّـرى ثَغْـرُ .
تَقولُ : اصبِـرْ على المَـوتى
إلى أن يَبـدأَ الحَشْـرُ .
فلا عِنـدي عَصـا موسـى
وِلا في طَـوْعِـيَ السِّـحْرُ .
سَـماؤكَ كُلُّهـا أطباقُ أسْـمَنْتٍ
فلا رَعْـدٌ ولا بَـرقٌ ولا قَطْـرُ .
وَأرضُـكَ كُلُّهـا أطباقُ أسْـفَلْتٍ
فلا شَـجَرٌ ولامـاءٌ ولا طَيـرُ .
فَماذا يَصنَعُ الشِّـعـرُ ؟‍!
دَعِ المَـوتى
ولا تُشـغَلْ بِهَـمِّ الـدَّفنِ إذ يَبـدو
لِعَيْنِـكَ أنَّهُم كُثْـرُ ..
بلادُكَ كُلُّهـا قَبْـرُ !

      

لَقَـد كَفَّـرتَ إيمـاني
فَكَفِّـرْ مَـرَّةً يا شَعبُ عن ذَنبـي
عَسـى أن يُؤمِـنَ الكُفـرُ !
وَقَـد خَيَّبتَ آمـالي
فَخَـيِّبْ خَيْبَتـي يَـومـاً
وَقُـلْ لِلشِّـعرِ ماذا يَصنَـعُ الشِّـعرُ :
أنَسـألُ عَـن عَصـا موسـى ..
وَطَـوْعُ يَمينِنـا قَلَـمٌ ؟!
أنَطلُبُ سِـحْرَ سَـحّارٍ ..
وَمِـلءُ دَواتِنـا حِبـرُ ؟!
زَمـانُ الشِّـعرِ لا يَجتازُهُ زَمَـنٌ
وَسِـرُّ الشِّـعرِ ليـسَ يُحيطُـهُ سِـرُّ .
فَـرُبَّ عِبـارَةٍ عَبَـرَتْ
وضـاقَ بِحَمْلِهـا سِـفْرُ !
وَرُبَّ هُنَيْهَـةٍ هانَـتْ
وفي أحشـائِها دَهْـرُ !
لَـدَى خَلْـقِ القَصـيدَةِ تُخلَـقُ الـدُّنيـا
وفي نَشْـرِ القَصـيدَةِ يَبـدأُ النَّشْـرُ !
سَيَنبَعُ هاهُنـا حُـرٌّ
ويَنبِضُ ها هُنـا حُـرٌّ
ويَسـطَعُ ها هُنـا حُـرُّ .
وَتُشـرِقُ ثُلَّـةُ الأحـرارِ كالأسـحارِ
تَحفِـرُ في جِـدارِ اللّيْلِ بالأظفـارِ
حَتّـى يُبهَـتَ الحَفْـرُ .
فَتَطلُـعُ طَلـعَةُ الآفـاقِ مِن أعماقِ بُرقُعِهـا
وَيَهتِـفُ ضِحْـكُ أدمُعِهـا :
سَـلامـاً .. أيُّهـا الفَجْــرُ !