عرس المجد

شعر: عمر أبو ريشة

يا عروسَ المجدِ تيهي واسحبي     في مغانينا ذيـولَ الشّهـبِ

لن ترَي حبّـةَ رمـلٍ فـوقَها      لم تُعطَّـر بدما حـرٍّ أبـي

درجَ البـغـيُ عليها  حقبـةً      وهوى دونَ بلـوغِ الأربِ

وارتمى كِبـرُ الليالي دونَـها      ليّنَ النابِ ، كليلَ المخلـبِ

لا يموتُ الحقُّ مهما لطـمتْ      عارضيهِ قبضةُ المغتصـبِ!

من هُنا شقَّ الهـدى أكمامـهُ      وتهادى موكباً  في موكـبِ

وأتـى الدنيا فـرفّتْ طـرباً      وانتشتْ من عبقهِ  المنسكبِ

وتـغنّـت بالمروءاتِ الـتي      عرفـتها في فتاها العربـي

أصيدٌ ، ضاقتْ بهِ صحراؤهُ       فأعـدّتـه لأفـقٍ أرحـبِ

هـبَّ للفتح ِ، فأدمى تحـتهُ       حـافرُ المهرِ جبينَ الكوكبِ!

وأمانيه انتفاضُ الأرضِ من       غيـهبِ الذل ِّ، وذلِّ الغيهبِ

وانطلاقُ النورِ حتّى يرتوي       كـلُّ جفنٍ بالثرى مختضبِ

حلمٌ ولّى ، و لم يُجرحْ بـهِ       شرفُ المسعى ونبلُ المطلبِ

يا عروسَ المجدِ، طالَ المُلتقى     بعـدما طالَ جوى المغتربِ

سكـرتْ أجيالنا في زهوها        وغـفتْ عن كيدِ دهرٍ قُلّبِ

و صحَـونا ، فإذا أعناقُـنا        مثقلاتٌ بقيـودِ الأجـنبـي

فـدعوناكِ فلم نـسمعْ سوى       زفرةٍ من صدركِ المـكتئبِ

قـد عرفنا مهركِ الغالي فلم       نرخص ِ المهرَ و لـم نحتسبِ

فحمـلنا لكِ إكـليلَ الـوفا        ومـشينا فـوقَ هـامِ النوبِ

وأرقنـاهـا دمـاءً حـرّةً       فاغرُفي ما شئتِ منها واشربي!

نحن ُ مـن ضعفٍ بنينا قوةً       لـم تلـنْ للمارجِ الملتهـبِ

كم لنا من ميسلونٍ نفـضتْ       عـن جناحيها غبارَ التعـبِ

كـم نَبتْ أسيافُنا فـي ملعبٍ      وكبتْ أفراسُنا فـي ملعـبِ

مـن نضالٍ عاثرٍ مصطخبٍ       لنضالٍ عاثـرٍ مصطخـبِ

شرفُ الوثبةِ أن تُرضي العُلى     غلبَ الـ واثبُ أم لـم يغلبِ!

فـالتفِت من كوّةِ الفردوسِ يا      فيصلَ العلياءَ وانظرْ واعجبِ

أترى كيفَ اشتفى الثأرُ من الـ    ـفاتـحِ المسترقِ المستلبِ ؟

و طوى ما طالَ من راياته       في ثنايا نجمهِ المحتجـبِ

ما نسينا دمعـةً عاصيتَها        في وداعِ الأمـلِ المرتقـبِ

رجفتْ بالأمسِ سكرى ألمٍ       فأسلها اليومَ سكرى طربِ !

يا لنعمى خفَّ في أظلالها       ما حملنا في ركابِ الحقبِ

أينما جالَ بنا الطرفُ انثنى       وطيوفُ الزهوِ فوقَ الهدبِ

هذه تربتُنا لـن تزدهـي       بسوانا مـن حُماةٍ نُـدبِ

فلنصنْ مَن حَرَمَ الملكَ لها       منبرَ الحقـدِ وسيفَ الغضبِ

و لنُسلْ حنجرةَ الشدوِ بها      بينَ أطلالِ الضحايا الغيّـبِ

ضلّت الأمّةُ إن أرختْ على      جرحِ ماضيها كثيفَ الحجبِ !

مـا بلـغنا بعدُ من أحلامنا      ذلكَ الحلـمَ الكـريمَ الذهبي

أينَ في القدسِ ضلوعٌ غضّةٌ      لم تلامسها ذنابى عقـربِ؟

وقفَ التاريـخُ في محرابها      وقفةَ المرتجـفِ المضطـربِ

كم روى عنها أناشيدَ النّهى      في سماعِ العالمِ المستغـربِ؟

أيُّ أنشودةِ خزيٍ غصَّ في      بثّها بينَ الأسى والكـربِ

من لأبناءِ السـبايا ركبـوا      للأماني البيضِ أشهى مركـبِ

و متى هزّوا علينا رايـةً       ما انطوتْ بينَ رخيصِ السَّلَبِ؟

ومَنِ الطاغي الذي مدَّ لهم        من سرابِ الحقِّ أوهى سببِ؟

أو مـا كنّا لـه في خطبـهِ     معقلَ الأمن ِ وجسرَ الهربِ؟

مـا لنا نلمـحُ فـي مشيتهِ       مخلبَ الذئـبِ وجلدَ الثعلبِ؟

يا لذلِّ العهدِ إن أغضى أسىً      فوقَ صدرِ الشرفِ المنتحـبِ!

يا روابي القدسِ يا مجلى السّنا    يا رؤى عيسى على جفنِ النبي

دونَ عليائكِ في الرحبِ المدى    صهلةُ الخيلِ ووهجُ القضـُبِ !

لـمّتِ الآمـالُ مـنّا شملنا      ونمـتْ ما بيننا من نسـبِ

فإذا مصـرُ أغـاني جلّـقٍ      وإذا بغـدادُ نجـوى يثـربِ

ذهبـتْ أعلامُها  خافـقـةً      والتقـى مشـرقُها بالمغـربِ

كلّما انقضَّ عليها عاصـفٌ      دفنتـهُ في ضلـوعِ السّحـبِ

بوركَ الخطبُ، فكم لفَّ على      سهمهِ أشتاتَ شعـبٍ مغضبِ

يا عروسَ المجدِ حسبي عزّةً      أن أرى المجدَ انثنى يعتـزُّ بي

أنا لولاهُ لمـا طوّفـتُ فـي     كـلِّ قفـرٍ مترامٍ مجـدبِ

ربَّ لحنٍ سالَ  عن قيثارتي      هزَّ أعطافَ الجهادِ الأشـيبِ

لبـلادي ولـروّادِ الـسّـنا      كـلُّ ما ألهمـتِني من أدبِ