تحولات في الاقتصاد العالمي

الصفقة التجارية الصينية الأميركية: اتفاقية غير جذرية ومستقبل غير موثوق .إن الاتفاقية التجارية بين الولايات المتحدة والصين ليست ثورية على الإطلاق، إذ أنها تؤكد من جديد البنود المتفق عليها مسبقاً. بعبارة أخرى، تتبع الاتفاقية نهج الإعفاء من الرسوم الجمركية وتضيف إصلاحات السياسات التي نفذتها الصين مسبقاً؛ أي أن الاتفاقية لا تغطي سوى الأهداف السهلة المنال.

 بالتأكيد، ستؤدي الاتفاقية لمساعدة الأسواق وتخفيف حدة بعض المخاوف التجارية على المدى القصير، وخفض الضريبة على المستهلكين الأميركيين أثناء فترة عيد الميلاد. إن تحقيق هذه الصفقة يشهد توقعاتنا: فمن ناحية، نعتقد أن أداء الصين في الربع الثالث كان أسوأ بكثير من توقعات بكين، مما دفع ممثلي التجارة الصينيين للعودة إلى طاولة المفاوضات في سبتمبر. من ناحية أخرى، احتاج ترمب إلى تحقيق أي نوع من أنواع النصر السياسي ما اضطره إلى توقيع اتفاق لا يتضمن عناصر جديدة.

ومع ذلك، لا تزال الرسوم الجمركية المفروضة على التجارة الصينية-الأمريكية تبلغ حوالي 350 مليار دولار. يجب معالجة هذه الرسوم في المرحلة الثانية من الصفقة، ولكن تنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة ما زال يكتنفه الغموض. في الحقيقة لا يمكننا المراهنة على أي نتيجة. المرحلة الأولى من الاتفاق تسوف الحسم في القرارات الصعبة إلى المستقبل لكنها لا تحقق أي شيء جوهري. لا تتضمن المرحلة الأولى أي التزام قانوني، ويمكن أن تتفكك في أي لحظة. بعبارة أخرى، إن تنفيذ هذه الصفقة في المستقبل يقوم على أسس ضعيفة جداً.

كالعادة، الجزء الأكبر من الاتفاقية يتمثل بالتزام الصين بشراء ما يقرب من 40 مليار دولار من المنتجات الزراعية الأمريكية خلال سنة. تحدث الرئيس ترمب عن 50 مليار دولار ولكن ليس لدينا فكرة حقيقية إذا كان الرقم النهائي هو الرقم الأول أو الثاني أو رقم آخر. وبعد تحول هذه المحادثات إلى شكل من أشكال المواقف الكلاسيكية، تعلن الإدارة الأميركية عن أرقام واضحة، في حين يرفض المسؤولون الصينيون الحديث عن أرقام ملموسة. بمعنى آخر، لا تلتزم بكين بأي اتفاق. يتعلق الأمر كثيراً بالتبرير السياسي على جانبي المحيط الهادئ، حيث يحاول كل من الحزبين القائدين بذل قصارى جهدهم لتسويق الصفقة على أنها انتصار ــ أو على الأقل باعتبارها صفقة جيدة لصالحهم. لا بد أن نضيف أن الصين لم يسبق لها أن اشترت سلع زراعية بقيمة 40 مليار دولار، ناهيك عن 50 مليار دولار. في عام 2017، وصل "الحجم الطبيعي" للواردات الصينية (أي حجم ما قبل الحرب التجارية) إلى ما يقارب 24 مليار دولار. وفي عام 2013، سجلت الصين أكبر قيمة لمشترياتها من السلع الزراعية الأمريكية حين وصلت إلى 29 مليار دولار.

ولكن هل من الواقعي أن نتحدث عن مشتريات صينية بقيمة 40 مليار دولار من السلع الزراعية أم أن القضية عبارة عن حلم من أحلام ترمب؟ تشير البيانات إلى أن هذا الأمر قد يحدث في حال حدوث تحول عن دول مثل البرازيل والأرجنتين والاتحاد الأوروبي وأستراليا. تمتلك الولايات المتحدة القدرة على بيع ما قيمته 40 مليار دولار من السلع الزراعية إلى الصين، إذا تخلت عن حصتها في أسواق أخرى. ولكن هل سيحدث ذلك؟ تلك قضية أخرى (قد تطرح مشكلة). في أي حال، من المؤكد أن تؤدي الزيادة الكبيرة في مشتريات الزراعة من قبل الصين إلى ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة، مما يخلق تكاليف إضافية للمستهلك الأمريكي.

نتيجة انتشار وباء حمى الخنازير الذي قلص أعداد قطعان الخنازير، كانت الصين وراء ارتفاع الأسعار العالمية للحوم التي لم تصل آثاره على سوق الولايات المتحدة حتى الآن. بلغت صادرات لحم الخنزير الأمريكي إلى العالم حوالي 6.4 مليار دولار في عام 2018. إن الزيادة بنسبة 50٪ في صادرات لحم الخنزير الأمريكي التي تتصدرها المشتريات الصينية ستضيف 3.2 مليار دولار، وسترفع أسعار اللحوم بشكل كبير في السوق المحلي الأمريكي.

الفوائض الألمانية: إن سداد الديون بأسعار فائدة سلبية أثناء الأزمات لا يعد أمراً منطقياً على حد كبير. وأخيرا ,يؤكد البنك المركزي الألماني أن هوس "الصفر الأسود" والالتزام بالميزانيات المتوازنة لا يعد نظام صحي للبلاد ــ وبالنسبة لباقي دول العالم فإن الأمر يستحق العناء. اعتباراً من الآن، يبدو أن ألمانيا بعيدة كل البعد عن إعادة التوازن، باعتبار أنها سجلت فائضا قدره 1.6٪ في منتصف عام 2019. ومع ذلك، يبدو أن بيان Bundesbank والتصريحات السياسية المعلنة خلال الأشهر القليلة الماضية تظهر أن هناك توجه (بطيء) نحو موقف مختلف. يتزايد الضغط المحلي حول ضرورة تحول الموقف الألماني. في الجهة الأخرى من اللوحة، من المثير للاهتمام أن نلاحظ الموقف الجديد للسيد ويدمان، الذي يبدو أنه يقدر موقف البنك المركزي الأوروبي المتعلق بأسعار الفائدة السلبية. ومع ذلك، فإن هذا التغيير في النخبة والرأي العام كان بطيئاً وتحويله إلى قرارات عملية كان أبطأ. من المحتمل أن تكون ميزانية 2019 قد تجاوزت الأهداف في الأداء؛ ولم يتم اتخاذ أي قرارات لعام 2020 حتى الآن. يعد الفائض الذي توصلت إليه ألمانيا بمثابة خبر سلبي لجميع دول أوروبا والعالم.

وسوم: العدد 855