الشاعر الإنجليزي صامويل تايلور كوليردج ( 1772 _ 1834 ) .. حياته وشعره

*1797 : إقامته شمالي ستاوي في سومرستشاير ، وإقامة أسرة الشاعر وردز ورث قريبا منه في الفوكسدن .  

*1798 : صدور ديوان " قصائد غنائية قصصية " بالاشتراك مع وردز ورث ، وفيه قصيدة " البحار القديم " لكوليردج ، وعدد آخر من قصائده . 

*1800 : انتقاله إلى جريتا هول في كسويك على مسافة ثلاثة عشر ميلا من أسرة وردز ورث في جراسمير . 

*.1816 : استقراره النهائي في هاي جيت قرب لندن في رعاية الدكتور جيمس جيلمان . 

*1817 : صدور كتابه " سيرة أدبية " . 

دون الشاعر وردزورث في ديوان "الاستهلال " اعترافه بفضل الجبال والبحيرات والرياح "التي تقطن التلال التي ولدت فيها "  ، ويأسى في تدوينته تلك لكوليردج ؛ لأنك " يا صديقي تربيت في المدينة الكبيرة بين مشاهد أخرى مغايرة تماما " . والحقيقة أن كوليردج ولد في مدينة أوتري الصغيرة في شارع ماري في ديفونشاير الريفية إلا أنه أرسل عقب وفاة أبيه إلى "مدرسة مشفى المسيح " في لندن ، وكان تلميذا حالما ، متحمسا ، متقدما في نضجه على سنه تقدما استثنائيا . ومنحنا تشارلز لام زميل دراسته وصديق عمره صورة جلية لانعزاليته ولتعلمه ولفصاحة لسانه . وبدا حين ذهب في 1791 إلى كلية عيسى في كامبريدج طالبا نجيبا بارعا إلا أنه لم يلقَ في الجامعة إلا قليلا من الحافزية العقلية ،فهوى في البطالة والفسق والديون ، وفر من يأسه إلى لندن حيث انخرط في فرقة الفرسان الخفيفة باسم مستعار هو سيلاس تومكين كومبرباك الذي ربما كان أسخف فارس في تاريخ الجيش البريطاني العريق . ومع أن إخوته أغاثوه وأعادوه إلى كامبريدج فإنه غادرها في 1794 دون نيل شهادتها . والتقى في يونيو 1794 روبرت ساوثي الذي كان طالبا في أكسفورد ، وله تطلعات شعرية مثله ، ومتطرفا في الدين والسياسة ، ومتعاطفا مع تجربة الجمهورية في فرنسا . وخطط الشابان سوية لإقامة مجتمع ديمقراطي مثالي صغير في أميركا صاغ له كوليردج اسم " بانتيسوكراسي " التي تعني حكم الكل للكل بالتساوي . وأقنعهما وكيل مزرعة أميركي رشيد  أن المكان الأمثل لهذا المجتمع هو ضفاف نهر سوسكيهنا في بنسلفانيا . وأخذ اثنا عشر شخصا على عاتقهم السفر إلى هنالك . ولحاجة استدامة المشروع إلى نسل وزوجات مستقبليات خطب كوليردج سارة فريكر خطبة شرعية ، وهي أخت خطيبة ساوثي إلا أن مشروع البانتيسوكراسي انهار ، وواصل كوليردج بإلحاح من ساوثي مشروع الزواج " بعزم " ، ولكن " بتعاسة " مثلما قال . وخبا بعد ذلك تطرفه ، وبات محافظا غاليا ( من الغلو ) في السياسة وبتفلسف عالٍ ، وإنجيليا صلبا في العقيدة . وسعد كوليردج في أول حياته الزوجية رغم تلك البداية المنحوسة . وحين جلب وردزورث (الذي التقاه كوليردج في 1795 ، وحكم فورا بأنه " أحسن شعراء العصر " ) أخته دوروثي للاستقرار في الفوكسدن على مسافة ثلاثة أميال من أسرة كوليردج شمالي ستاوي ؛ بدأ بين الشاعرين زمن العلاقة الوثيقة والتعاون الشعري الذي كان الزمن الذهبي في حياة كوليردج . وجاء الراتب السنوي ،  وقدره مائة وخمسون جنيها استرلينيا ، الذي قدمه لكوليردج توماس وجوسيا ودجود ابنا مؤسس شركة الفخار الشهيرة في وقته الملائم ليصرفه عن تولي منصب قس توحيدي . وبعد نشر الشاعرين ديوان " قصائد غنائية قصصية " المشترك في 1798 قضى الاثنان شتاء في ألمانيا التي التحق فيها كوليردج بجامعة جوتنجن ، وشرع في الدراسة التي رافقت حياته للفيلسوف كانت وللفلاسفة والنقاد الألمان التالين له ؛ تلك الدراسة التي بدلت تفكيره تبديلا عميقا عن الفلسفة والدين وعلم الجمال . وبعد عودته من ألمانيا إلى لندن لحق بأسرة وردز ورث في 1800 في منطقة البحيرات ليستقر في جريتا هول في كِسويك . وكان نفوره من زوجته قد توالى متدرجا . وسبق له أن وقع في 1799 في هوى ميئوس منه لسارة هاتشينسون التي تزوجت أختها ماري  وردز ورث بعد ثلاث سنوات . وعانى كوليردج طيلة حياته من علل جسدية لا حصر لها ، ووصف وردزورث كيف أنه ، كوليردج ، أحيانا " يلقي نفسه أرضا ويتلوى مثل دودة " في نوبة ألم مفاجىء . ووفق الوصفة الطبية المتعارف عليها في ذلك الزمان تعاطى أمدا مديدا  اللودانُم ( أفيون مذاب في الكحول ) . وأدت الحقن الثقيلة التي تعاطاها في 1800 _ 1801 علاجا لنوبات  النقرس إلى صيرورة الأفيون ضرورة لا غنى له عنها . وسرعان ما أقر بأن العقار الذي يتعاطاه أفدح شرا من العلل التي لا يشفيه منها . وكانت قصيدة " اكتئاب " الغنائية التي نشرها في 1802 هي فراقه الأبدي اليائس من الصحة والسعادة والإبداع الشعري . وأسفرت إقامة مدتها عامان في جزيرة مالطا في البحر الأبيض المتوسط ،استهدف منها استعادة صحته ، إلى تدهورها عوض استعادتها . ولما عاد من تلك الإقامة إلى إنجلترا في 1806 كان حطام إنسان ، ومدمنا متأصلا للعقار ، وغريبا متنائيا عن زوجته ، يقاسي حرقة الندم ، وعرضة لكوابيس شعور بإثم ويأس توقظه منها صرخاته . ونشبت بينه وبين وردزورث مشاجرة عنيفة في 1810 صنعت الحضيض الأسفل nadir لحياته وأمنياته . 

وكانت جهوده الأدبية في تلك الأحوال الشاقة تقارب البطولة ، وإن كانت متقطعة متجزئة ، فقدم في 1808 أولى دورات محاضراته العامة في لندن ، واستتلاها في السنوات الإحدى عشرة اللاحقة بسلاسل أخرى من المحاضرات في الموضوعات الأدبية والفلسفية ، وكتب مقالات إلى الصحف ، والتزم بأن يكتب بيده وينشر ويوزع دورية " الصديق " التي توالى صدورها أربعة عشر شهرا تقريبا بعد يناير 1806 . وحققت مسرحيته المأساوية " ندم " نجاحا عاليا بتواصل عرضها عشرين ليلة على خشبة مسرح دروري لين . وسكن في 1816 في هاي جيت إحدى ضواحى لندن الشمالية في ظل رعاية الطبيب النطاسي الصبور جيمس جيلمان الذي استطاع ضبط استهلاكه ، كوليردج ، للأفيون وإن لم يقضِ عليه . وكانت السنوات الثلاث التالية من أقوى فترات نشاطه الأدبي الذي والى فيه تقديم المحاضرات ، والكتابة للصحف في موضوعات شتى ، ونشر كتابه " سيرة أدبية " ، ومسرحية " زابوليا " ، وكتابا يضم المقالات التي كتبها في دورية " الصديق " بعد تنقيحها والإضافة إليها إضافة موسعة ، كما نشر ديوانين ، وطائفة من البحوث في الموضوعات الفلسفية والدينية التزم فيها بتأسيس قواعد للاهوت الثلاثي الذي تحول إليه بعد  أن كان توحيديا في شبابه . وكانت بقية سنيه التي عاشها مع دكتور جيمس وزوجته أهدأ وأسعد من أي سنين عاشها منذ مطلع القرن التاسع عشر . وتصافي مع زوجته ، وتصالح مع وردزورث الذي طاف معه بلاد الراين في رحلة عام 1828 . وصارت حجرات بيته في هاي جيت مركزا لالتقاء أصدقائه ، والطبقة المثقفة في لندن ، وسيل لا ينقطع من الحجيج من إنجلترا وأميركا ؛ كلهم قدموا للاستماع إلى إحدى أعاجيب العصر ، إلى حديث حكيم هاي جيت أو إلى حواره ؛ ذلك أن حديث كوليردج حتى في زمن انهيار صحته لم يفقد كليا ما يشبه القوة السحرية التي يحويها ، والتي خلدها الناقد  هازلت في كتابه " لقائي الأول مع الشعراء " . وخلَف كوليردج أصدقاءه عند موته شاعرين بأن عقلا لا شبيه له اختفى من العالم ، وصرح وردزورث منخرطا في البكاء : " كان أروع إنسان عرفته " ، وقال الناقد تشارلز لام : " لم أرَ له شبيها ، وجائز ألا يرى له العالم شبيها " . على أن أصدقاء كوليردج ، مدفوعين بأحكامه القاسية على نفسه ، أشاعوا الرأي الذي ما فتىء سائدا والقائل إن كوليردج كان عظيما واعدا لا عظيما في أدائه القائم ، وحتى في شبابه النشط ، قبل أن يستنزف الأفيون قواه ويوهن عزمه ؛ وصف شخصيته ب " كسل ذي قدرات " . والحق أنه في الوقت الذي كان فيه عقله فعالا وخصيبا فعالية وخصوبة متواصلتين فإنه كان يفتقر إلى التنفيذ وتنقصه القدرة المستمرة ، وأغلب قصائده  بعد قصيدة "البحار القديم "  ؛ كتبها في جلسة واحدة في فيضة إلهام أو فورة جهد مكثف ، ومنها النص الأول لقصيدة " اكتئاب "  الغنائية . أما كتاباته التي احتاجت إلى إعداد وتنفيذ مديدين فلبثت إما منقوصة أو مثل " سيرة أدبية "  أعدت من قطع مصطفاة ، وضمت معا في ملف واحد في جهد يائس مستعجل لتسليمها في موعد محدد ملزم . وكثير من تأملاته أودعها دفاتره وأسماع أصدقائه ، وأدمجها في رسائل ، وسكبها على حواشي كتبه وحواشي كتب ناس آخرين . حتى والحال تلك ؛ لا تظهر منجزات كوليردج صغيرة إلا مقيسةً بقدراته الكبيرة ، وعلى نقيض الفلسفة البريطانية السائدة الخاصة بالتجربة والروح الجماعية ؛ شرح كوليردج في أغلب سني نضجه آراءه عن العقل بماهيته قوةً فعالة في الإدراك ،  وذا بداهة وحدس في استبطان المقدمات الأولية لما خلف الطبيعة والدين ، ومقتدرا على إعادة ابتداع عالم الإحساس شعريا بالاعتماد على قوة الصهر والتكوين التي يمتلكها " الخيال الثانوي " . وعقب عشر السنوات التي تلت رحيل كوليردج ؛ صرح جون ستيوارت مِل أذكى دارسي الفكر المحدث أن كوليردج كان واحدا من " أعظم عقلين مؤسسين في إنجلترا " ، وأهم محفز وممثل للحركة العقلية المحافظة في عصره . وبرهن الزمن صحة حكم مل ودقته ،فتأثير كوليردج واضح مشهود بقوة في تراث المثالية الفلسفية الإنجليزية والأميركية في القرن التاسع عشر ، وفي النزعة السياسة المحافظة المستضيئة ، وفي التراث الليبرالي للاهوت  الثلاثي  

، وهو ، كوليردج ، وفق الإجماع الحالي ، واحد من أعظم منظري الأدب وأقواهم تأثيرا ، وغدا كثير من أفكاره أفكارا محورية مرجعية حتى لدى كثيرين من النقاد الجدد الذين يحطون من قدر الشعر الرومانسي الذي سعى كوليردج لوسمه بالعقلانية ( في مواجهة اتهامه بالعاطفية المسرفة . المترجم ) . وأشعار كوليردج حتى وإن كانت صغيرة حجما فإنها تظل  نتاج  شاعر فحل ، ظاهر الأصالة . ونحن هنا أيضا نجنح إلى التقليل من شاعريته لاهتمامنا بقصائده الثلاث الغامضة والسحرية ، وهي " البحار القديم " ، و " كريستابل " ، و " قوبلا خان " . القصائد الثلاث في ذاتها منجزات كبرى ولا سابق لها إلا أنه كتبها في سنوات وجيزة ، ثم انصرف عن نهجها . ولا تقل تأثيرا عنها ، وبأسلوبها  الخاص بها ،  قصائده التي كتبها شعرا مرسلا ، وتكشف عن متفرد متأمل ، وتسمى " قصائد حوارية " وفق مصطلحه هو الذي وصف به واحدة منها . وفي أحسن هذه القصائد ، وهي قصيدة " صقيع في منتصف الليل " بلغ كوليردج الكمال في هذا النوع المتميز من الشعر الذي يربط ربطا تاما بين الوصف والتأمل ، وهو ما تبناه وردزورث فورا في قصيدة " دير تنترن " ، وكيفه كوليردج شخصيا مع المقتضيات الفنية لقصيدة " اكتئاب " ، وهذا إنجاز كبير في نوع شعري لم ينجح فيه إلا شعراء قليلون ، وهو نوع القصيدة الغنائية البندارية المخالفة للمألوف الشعري في زمانها  ( نسبة إلى الشاعر الإغريقي القديم بندار . المترجم ) . ورسالة  كوليردج  الشعرية " إلى وليم وردز ورث " تبدو في أول نظرة قصيدة شخصية مؤثرة جدا ، وأوضح رأي في ديوان " الاستهلال " ، وإجلالا كريما لصديق صنفه كوليردج أعظم شاعر بعد ملتون . وتابع كوليردج حتى بعد توقفه بصورة كبيرة بعد 1805 عن كتابة الشعر ؛ كتابة قصائد غنائية قصيرة بين حين وحين تميزت كلها بجودتها وتنوعها وبمدى إهمال معدي المختارات الشعرية لها .  

                              *** 

من قصيدة " قوبلا خان " :  

لقبلا خان في كسانادو قبة فخمة تجلب السرور ، 

بنيت بمرسوم منه  

حيث ينساب نهر ألف المقدس 

خلال الكهوف التي تطاول قامة الإنسان ، 

وينحدر إلى البحر المظلم . 

وفي طريقه إلى البحر أراض خصبة مساحتها  

عشرة أميال تحيط بها جدران وبروج ، 

وبساتين فيها جداول تسيل متلوية  

حيث يزهر كثير من أشجار البخور.  

وثمة غابات قديمة قدم التلال  

تكتنف بقاعا كثيرة مخضرة مشمسة . 

*عن "مختارات نورتون من الأدب الإنجليزي " . 

وسوم: العدد 907