الفلسطينيون في سورية، ذكريات نكبة

fasfd909.jpg

أناهيد الحردان كاتبة فلسطينية , باحثة وأستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأمركية ببيروت , كتابها " الفلسطينيون في سورية : ذكريات نكبة مجتمعات ممزقة " هو عنوان العمل الصادر حديثا ً بالانجليزية عن منشورات " جامعة كولومبيا " في نيويورك الصادر نسخته العربية عن " مؤسسة الدراسات الفلسطينية " بترجمة أنجزها " محمد الأسعد " , وفيه تسلط الباحثة أناهيد الحردان الضوء على حياة وذكريات المجتمع الفلسطيني " اللاجىء " في سورية وتحديدا ً مخيم اليرموك وأحياء دمشق .

يبحث الكتاب في ستة فصول , عن معاني النكبة وحضورها وتحولاتها على مدار سبعة عقود عند أجيال فلسطينية مختلفة في " مخيم اليرموك " واجراء مقابلات ميدانية اجرتها الباحثة مع اللاجئين الفلسطينيين , كما يتعامل مع تحولات المصطلح مع مرور الوقت في العالم العربي ومعناه لدى الفلسطينيين عموما ً واللاجئين منهم بصورة خاصة , ويركز البحث على خصوصية وضع الفلسطينيين في سورية ومقارنة ببلدان اللجوء الأخرى التي اضطّرّوا للنزوح اليها , كلبنان والعراق والأردن ومصر والكويت .

الباحثة أناهيد الحردان هي نفسها إحدى حفيدات النكبة , شرّدت عائلتها في العام 1948 مثل كل العائلات الفلسطينية المشرّدة , ولديها تاريخ من معاناة تشريد عنيف , هذا التشريد بدأ مع فقدان " أم الزينات " أحدى قرى جبل الكرمل التابعة لقضاء حيفا والتي محيت عن وجه الأرض فيما بعد , ولم تنتهي قصة النكبة بالنسبة لعائلتها كما بالنسبة لغالبية العائلات الفلسطينية التي تحولت الى عائلات لاجئين حتى الجيل الرابع والخامس , بمجرد انتهاء العام 1948 , بل تكرر التشريد والتهجير نتيجة للحرمان من الانتماء الى وطن , وعدم تطبيق حقهم في العودة الى ما أصبح يُدعى دولة اسرائيل .

في شباط من العام 2008 سافرت الباحثة أناهيد الحردان من ايرلندا الى سورية تقودها"معرفة في سياقها"   بالنكبة كحدث محوري بالنسبة للفلسطينيين الذين جُعلت عائلاتهم عائلات لاجئة في العام 1948 .

الفصل الأول : ( النكبة في الفكر العربي ) .

في هذا الفصل درست الباحثة أناهيد الحردان ظهور فكرة العام 1948 كنكبة , ثم اختفائها وعودتها لاحقا ً الى الظهور مجددا ً بمظهر مختلف , في علاقتها بخطابات ذات صلة بها, إن نكبة مسؤولة عن تدمير شامل للجماعات والمجتمعات" لا تظهر"   و" تختفي " هكذا ببساطة بالنسبة للذين تعرضوا للذبح أو الارهاب أو الاغتصاب أو اخذوا كسجناء حرب أو طردوا وتحولوا الى لاجئين , هذا هو الحال على وجه الخصوص اينما وحيثما ظل ّ اللاجئون يفتقرون الى الاعتراف بحقوقهم وتعويضهم عن الجرائم التي ارتكبها الجناة بحقهم , اذا ً المسألة التي هي على المحك هي مسألة من له اليد الطولى , والسؤال الذي يحتاج الى ان يُطرح هو : لماذا استغرق الأمر كل هذا الزمن الطويل للإصغاء الى ذكريات وشهادات النكبة في عصر قيل زعما انه عصر " لن يحدث هذا مرة اخرى أبدا ً " لأي إنسان بعد الحرب العالمية الثانية؟ يضاف الى هذا أن علينا أن نسأل لماذا وكيف يمكن أن يتواصل هذا الإصغاء من دون متضمنات اخلاقية ومعنوية منصوص عليها في القانون الدولي الإنساني ؟.

توفر هذه القراءة التحليلية للنكبة بالنسبة للباحثة أناهيد الحردان نقطة البداية التي منها يمكن البدء بدراسة الكيفية التي تناول بها نشطاء اللاجئين الفلسطينيين النكبة وكيف فهمت في مظهرها الفلسطيني حصرا ً , ليعززوا أهدافا ً سياسية محددة في مجتمعاتهم ما بعد أوسلو , وتوفر هذه القراءة ايضا ً نقطة البداية التي منها يمكن فهم ذكريات وتواريخ وروايات نكبة العام 1948 في سورية , وهذا لأن ذكريات النكبة لا يتم تداولها في فراغ اجتماعي , بل على خلفية سبعة عقود من عمر خطابات قومية عربية , وفلسطينية وطنية لاحقا ً , هذه الخطابات تتضمن ما اختار الفلسطينيون ان يتذكروا بل وحتى ما اختاروا أن ينسوا , هناك نقطة ضرورية بالمستوى نفسه لفهم ذكريات وتواريخ النكبة في سورية , تلك هي تجارب مجتمع اللاجئين الفلسطينيين التاريخية والسياسية والاجتماعية في البلد , وتواصل هذه التجارب اداء دور مهم في مختلف التعابير عن النكبة في ضوء الحرب السورية اليوم .

الفصل الثاني : ( مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سورية ) .

في هذا الفصل درست الباحثة أناهيد الحردان تجربة اللاجئين الفلسطينيين في سورية بتناوله لمجتمعهم , وجماعاتهم , كنقطة انطلاق مركزية , تتراوح اعداد اللاجئين الفلسطينيين الذين توافدوا على سورية خلال النكبة بين ( 75000 و100000 ) والغالبية العظمى من هؤلاء جاءت من شمالي فلسطين , من قضاء صفد بشكل رئيسي , وتاتي بعده أقضية طبريا وحيفا وعكا والناصرة ويافا بالأضافة الى أن اسرائيل استخدمت التوتر المتصاعد على حدودها مع سورية ذريعة لطرد اكراد البقارة واكراد الغنامة من قضاء صفد , وبعد الاحتلال الاسرائيلي لما تبقى من فلسطين خلال حرب حزيران 1967 , توافد عدد من الفلسطينيين الى سورية وشهدت هذه الحرب ايضا ً احتلال اسرائيل لهضبة الجولان السورية الذي ادى الى تشريد ما يقارب ( 17000 ) لاجىء فلسطيني , ووفد فلسطينيون ايضا ً إثر طرد منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن في العام 1970 خلال ما عرف بأسم " ايلول الأسود " , ثم في العام 1982 بعد الغزو الاسرائيلي للبنان , ومنذ وقت قريب توافد فلسطينيون من العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الامريكية للعراق في العام 2003 , وانتقلت بضع عائلات فلسطينية من هؤلاء الى مخيم الهول في محافظة الحسكة .

توجد تسعة مخيمات معرّفة " رسميا ً " من قبل الأونروا في سورية , خمسة من هذه تتبع إداريا ً لمحافظة ريف دمشق , وتحيط الآن بالعاصمة في ضوء توسع المدينة وابتلاعها ما كان ذات يوم ريفها المحيط بها , المخيمات المحيطة بدمشق هي ( جرمانا وخان دنون وخان الشيخ وقبر الست " المعروفة باسم الست زينب " وسبينة ) , ومخيمات الأونروا الأربعة الأخرى تقع في جنوب البلد ووسطها وشمالها , في الجنوب يوجد مخيم درعا المدمر بنسبة 70% ولا يمكن الوصول اليه , وفي الوسط يوجد مخيم حماة " معروف باسم العائدين أيضا ً " ومخيم حمص " ومعروف أيضا ً باسم العائدين " وهما هادئان اليوم على رغم الأضرار التي لحقت بهما جراء الحرب , أخيرا ً يقع في الشمال مخيم النيرب في حلب الذي يظل هادئا ً إلا أنه تضرر عمليا ً بشدة بسبب الحرب شأنه في ذلك شأن كل ناحية مرت بها الحرب , هناك ثلاثة مخيمات إضافية غير" رسمية " حسب تعريف الأونروا , على الرغم من أن الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب تعترف بها كمخيمات , تتضمن المخيمات غير الرسمية , عين التل " ويعرف باسم حندرات " واللاذقية     " المعروف باسم العائدين أو الرمل " في محافظة حلب واللاذقية على التوالي , ثالث هذه المخيمات غير الرسمية " مخيم اليرموك " حيث عاشت به الباحثة أناهيد الحردان لمدة ستة أشهر , يقع ضمن الحدود الأدارية لمحافظة دمشق , " مخيم اليرموك " بخاصة ضربته الحرب بشدة بسبب تسلل المعارضة المسلحة اليه , وموقعه الاستراتيجي كبوابة الى جنوبي دمشق , " مخيم اليرموك " كان مختلفا ً عن أي من المخيمات الأخرى في سورية , ولقّبه الباحثون والنشطاء المحليون بلقب " عاصمة الشتات " بسبب مكانته الجغرافية والاقتصادية الاستثنائية سابقا ً , ظهر هذا المخيم الى حيز الوجود رسميا ً في العام 1957 .

الفصل الثالث ( حركة حق العودة وذكريات من أجل العودة ) .

لقد تم تعريف حركة حق العودة بوصفها حركة احتجاج , مقوماتها مبادرات مختلفة مجتمعية المرتكز تسعى الى التنظيم والتعبئة سياسيا ً دفاعا ً عن حقوق اللاجئين , نشأت في سورية كما هو الحال مع مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين في الأماكن الأخرى , ونشأت في المقام الأول ردا ً على التهديد غير المسبوق الذي مثلته اتفاقيات اوسلو في العام 1993 لحق عودة اللاجئين المنصوص عليها وجوبا ً في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ( 194 ) , الا أن الكثير من النشطاء اعتبروا المحاولات الأمريكية – الإسرائيلية لفرض تسوية للوضع النهائي على مفاوضات منظمة التحرير الفلسطينية مع دولة اسرائيل في قمة كامب ديفيد في العام 2000 نقطت تحول ادت الى تكاثر مجموعات حركات حق العودة .

أفضت الرؤى التي تمت صياغتها في حلبة النضال الوطني الى التشديد على بناء ثقافة العودة للجيل الجديد من اللاجئين , ومن هنا كان النشطاء وهم يترجمون حلبة النضال الوطني الى ثقافة عودة , يعملون على ضمان أن تعي أجيال اللاجئين الأحدث حقها في العودة والحاجة الى ممارسته على حد سواء , ولهذا ما عملوا على صياغته وتعزيزه أساسا ً هو هوية سياسية مدركة ومطروحة بسبب تعذر العودة في الوقت الراهن , وبسبب تأثير مرور الزمن المحتمل على حقوق اللاجئين .

لقد أقام النشطاء بخطابات الذاكرة المشتقة من استنفارهم لذكريات النكبة كمعلم دال على أزمنة وامكنة مجتمعهم , فأصبحت النكبة تدّل على حدث استثنائي فريد من نوعه يرتكز على ظلم تاريخي بحاجة الى أن يعالج بالعودة , لقد ربطوا ذكريات جيل فلسطين عن النكبة وفلسطين قبل العام 1948 بشكل أكثر عمومية بالعودة .

الفصل الرابع : ( رواية حكاية فلسطين وتناقل فقدانها ) .

تدرس الباحثة أناهيد الحردان " الذاكرة الفلسطينية " كدائرة متماسكة ومتجانسة ولا اعتراض عليها , والتي تشكل " ذاكرة جمعية " هي على نطاق واسع نتاج تخيلات النشطاء للذاكرة " الفلسطيني " و " الذاكرة المضادة " , في هذه المخيلات عنصران أساسيان من عناصر فكرة أن الذكريات ضامنة لعودة في المستقبل , يضاف الى هذا ان وجه " الذاكرة المضادة " من ذكريات جيل فلسطين , وضمن ذلك أن قوام هذه الذكريات الأساس هو مقاومة , لا ينشأ إلا عن طريق قراءة ذكريات هذا الجيل على خلفية المحو والاستعمار الاستيطاني الصهيوني .

تسأل الباحثة أناهيد الحردان أفراد جيل فلسطين عما إذا كانوا قد قصّوا ذكرياتهم على أبنائهم وأحفادهم , وهو سؤال كان من الواضح أنه معني ضمنيا ً بدور هذا الجيل المتوقع بعد – أسلو من خطابات الذاكرة المتداولة , ولهذا ألقت الأجوبة على هذا السؤال المشحون بهذا المضمون الضوء على قيام الفكرة القائلة بأن هذا الجيل يروي ذكريات ابتغت في النتيجة استرداد فلسطين , أو ربما مقاومة الصهيونية , ومن تحدثت معهم من مختلف الأجيال في مقابلاتها التي أجرتها تحدثوا عن العائلة كموقع مهم لرواية الذكريات , إن حضور الأبناء والأحفاد في المناسبات العائلية حيث تروى الذكريات يتيح لأجيال فلسطين التالية التعبير عن فهم متناسق خاص بها وبماضي وحاضر عائلاتها ومجتمعاتها , ويتم إنشاء هذا الماضي والحاضر باتخاذ ذكريات جيل فلسطين التي هي حياتهم السابقة موضوعا ً له .

تؤكد الباحثة أناهيد الحردان أن الدور المركزي في جميع مقابلاتها التي أجريت معهم من الجيل الثالث يعود الى الجدة كراوية للذكريات والأكثر أهمية حديثهم عن حضور الجدة في المناسبات العائلية التي تجمعها بأحفادها , ان الذكريات التي تروى خلال مناسباتهم العائلية كان موضوعها العوالم التي تم تدميرها خلال النكبة , وتتضمن مشاعر حزن وحسرة وندم زألم , ويرافقه شعور بالحنين ولكن على خلاف الحسرة , كان الحنين يذُكر بوصفه القوة الدافعة وراء رواية جيل فلسطين لذكرياته بدلا ً من أن يكون القوة التي تكون حيث يتجمع افراد هذا الجيل , لهذا أن يحّن المرء معناه أنه يستحضر ذكريات الخسارة , تماما ً مثلما يعتبر التذكر تعبيرا ً عن الحزن أيضا ً .

الفصل الخامس : ( جماعات جيل فلسطين وذكريات النكبة ) .

التقت الباحثة أناهيد الحردان بجماعات جيل فلسطين عبر ذكرياتها المشتركة وأتضح لها من هذه اللقاءات أن افراد جيل فلسطين لا يشكلون جماعة ذاكرة منفردة ومتلاحمة فحسب , بل ويشكلون جماعات متنوعة ذات ذكريات مشتركة ويستمد ّ التعدد وجوده من جماعات هذا الجيل في فلسطين التي عنى اقتلاعها انها تقاطعت وتداخلت في سورية مع جماعات فلسطينية مقتلعة اخرى , خالقة بذلك مجتمعات لاجئين فلسطينيين في سورية مع ذكريات وتواريخ مشتركة .

امتلك كل فرد من افراد جيل فلسطين رجلا ً كان أو امرأة , ذكريات قصصية خاصة به عن الموت والدمار والتشريد , بعضهم نجا من مجازر , وفقد اطفالا ً وأزواجا ً وإخوة وأخوات , وافرادا ً آخرين من افراد العائلة , وخاصة الذين شاهدوا مجتمعاتهم تحُرق وتسُوّى بالأرض , وبعض من أجرت معهم مقابلات تعرض لإطلاق رصاص وجرح , وآخرون سردوا ذكريات عن مجازر مروّعة وقتل بلا تمييز خلال احتلال مدنهم وقراهم , وآخرون نهبتهم الميليشيات الصهيونية الغازية وجردتهم من كل ما يملكون اثناء عملية تجميعهم من أجل طردهم , وكان هنالك من نجو من القصف الجوي لقراهم , أو شهدوا القصف الجوي لقرى آخرى , وعانى الكثيرون الانفصال عن عائلاتهم , بعضهم تم لم شمل عائلته وآخرون لم يتم شملهم , احدى ذكريات الموت والتدمير والتهجير التي صادفتها الباحثة أناهيد الحردان مرارا ً وتكرارا ً كانت تلك التي تحُكى عن امرأة تركت طفلها وراءها جراء الاحداث الكارثية التي كثرت خلال النكبة , وصادف هذه الذكرى باحثون آخرون ايضا ً , وحكاية الطفل الذي يتركه أهله وراءهم هي الحقيقة مصدر الهام رواية قصيرة مهمة هي " عائد الى حيفا " التي كتبها الكاتب الفلسطيني الشهيد "غسان كنفاني " في اعقاب حرب حزيران 1967 . بعض الذكريات يمكن تصنيفها تحت الأسم الجامع " ذكريات بطولية " , إحدى هذه الذكريات القصصية المميزة , وموضوعها رجال القرية الذين اشتروا بنادق ليدافعوا عن انفسهم رغم الصعوبات الهائلة من أموالهم الخاصة , أو يبيع بقراته , يبيع غنماته , لمقاومة اليهود , والملاحظ أنه على الرغم من الهجوم الذي تعرضوا له فإن تعبير " غادروا وستعودون " يغفر لجيل فلسطين في الحصيلة النهائية مغادرته الجماعية .

الفصل السادس : ( ذكريات الجيل الثاني والثالث التابعة عن فلسطين                                                                                                                                                  

                             ورواياته عن ذكرى النكبة ) .

تبحث الباحثة أناهيد الحردان ذكريات جيل اللاجئين الفلسطينيين الثاني والثالث التابعة , وبُنى روابطهم وانتاجها بدراسة علاقة هذه الذكريات التابعة بموضوعات ذكريات جيل فلسطين عن الفقدان , لأن هذه بعد كل شيء , هي شظايا الذكرى الوحيدة الباقية عن العوالم والمجتمعات والحياة التي فقدت بالنسبة لاولئك الذين جرى تشريدهم من فلسطين في العام 1948 , بلغ افراد جيل اللاجئيين الفلسطينيين الثاني في سورية سن الرشد في ظل تأثيرات النكبة اللاحقة واوضاعها المادية المباشرة , ويفسر هذا الواقع تباينات روايات النكبة من جيل الى آخر , روايات افراد الجيل الثاني تروي كيف أن عائلاتهم كانت لا تزال تكافح لإعادة بناء حياتها من لا شيء , وتدور رواية من روايات الجيل الثاني الشائعة عن ذاكرة النكبة حول دور العرب في العام 1948, وتوظف ذكريات جيل فلسطين البطولية جزئيا ً ايضا هذه الروايات تتركز دائما ً تقريبا ً على خيانة العرب ومكائدهم ضد فلسطين والفلسطينيين , وكانت النكبة كخيانة عربية , جزءا ً مهما ً ايضا ً من منطق خطاب النكبة العربي إثر زوال الأنظمة القديمة التي كانت مسؤولة عن ضياع فلسطين .

تروي الباحثة أناهيد الحردان عن لقاءاتها للذين أجريت معهم مقابلات من الجيل الثالث جميعا بلا استثناء , أنهم سألوا أجدادهم وجدّاتهم أو فكروا بسؤالهم             " لماذا غادرتم ؟ " . وأحد التفاسير الممكنة لظهور وشيوع هذا السؤال وما تضمنه من لوم , هو وجود المسافة الزمنية الفاصلة بين روايات هذا الجيل وذكريات جيل فلسطين , الجيل الثاني يرى النكبة ممتدة في حياته بالأضافة إلى أن قربه الزمني من جيل فلسطين وذكريات هذا الجيل عن النكبات يعني أن رواياته توظف هذه الذكريات , وهو يشكل معنى النكبة بشكل مباشر ومتعاطف معه بشكل قوي , على النقيض من ذلك يعني بُعد الجيل الثالث الزمني عن ذكريات جيل فلسطين أنه يمنح العدد الكبير من دلالات النكبة الوطنية والقومية الأولوية حيث يعبّر عن أشكال فهمه للعام 1948 , وباستحضارها لأولئك الذين ظلوا هناك , وللفكرة الضمنية عن       " النكبة المتواصلة " في فلسطين المحتلة , تتحدى روايات الجيل الثالث عن ذكرى النكبة دور افراد جيل فلسطين الذي ينسبونه لأنفسهم بقدر ما يتعلق الأمر بقضية المغادرة على وجه الخصوص .

افراد جيل فلسطين يمثلون حراسا ً للذاكرة , هو الجيل الوحيد الذي يحمل ذكريات فلسطين والنكبة في وقت واحد معا ً , ومع ذلك ونظرا ً للطبيعة الاجتماعية لعملية صياغة الذاكرة روى افراد جيل فلسطين ذكرياتهم في حوار مع معاني النكبة المتنوعة في هذا الكتاب الأكثر أهمية , أن الذكريات المشتركة المتداولة في أوساط جماعات الذاكرة والفقدان التي يشكلها جيل فلسطين , هي شهادة ايضا ً على معنى آخر للنكبة اليوم , معنى ً تجسد في قدرة جماعاتهم ذاتها على تحقيق وجودها في ضوء دمار العام 1948 الكامل وعلى الرغم منه واليوم دمرت الحرب جماعات جيل فلسطين ومزقتها للمرة الأخيرة , وسيروي الزمن وحده ما الذي سيحدث لمجتمعاتهم الأكبر , مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين في سورية .

     ( خاتمة )

مخيم اليرموك ليس هو الموقع الفلسطيني الوحيد في سورية , ولكنه كان من عدة نواحي قلب الفلسطينيين الاجتماعي والثقافي والسياسي بل وحتى الرمزي , لهذا يصبح هذا المخيم رمزا ً دالا ً على نكبة الفلسطينيين في سورية الذين لا تنجو منها مجتمعاتهم ولا تتعافى , بعد أن غادرت المخيم غالبية سكانه من كانون الأول 2012 , لم يكن من الممكن التعرف على الساحة والمخيم حتى بالنسبة لأولئك الذين عرفوا كل زقاق من أزقة المخيم وكل زاوية , الحطام وخرائب المباني المقصوفة بالقنابل , والأهمال الجوعي والمتعبين , والأزقة والشوارع التي أصبحت مسكنا ً للأشباح هي البقايا المؤلمة لمجتمع تمزق .

وسوم: العدد 909