قراءة في كتاب " السهم المرتد " للصحفي الإسرائيلي رفيف دروكر

يتناول هذا الكتاب أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي انفجرت في 28 سبتمبر 2000 احتجاجا على زيارة شارون إلى المسجد الأقصى ، وتعبيرا عن غضب شعبي فلسطيني واسع وعميق من إخفاق اتفاق أوسلو في إحداث أي تطور سياسي لصالح الشعب الفلسطيني ، ومن سوء الأحوال الداخلية الفلسطينية التي انتشر فيها الفساد من تفرد في الحكم ومحسوبية وفصائلية وعشائرية وانفلات أمني . ويقول دروكر إن كتابه " يحاول أن يوضح من خلال النظر إلى الوراء أين أخطأنا ليكون من الممكن ألا نخطىء خلال الحرب القادمة " . ويجتهد في رسم رؤية متوازنة لأحداث الانتفاضة يبين فيها أخطاء الإسرائيليين وما رآه أخطاء للفلسطينيين . ويبدو في عرضه لتطور الأحداث روائيا يقدم لنا مشهدية هذه الأحداث ،ويطلعنا في وضوح أخاذ على الأحوال النفسية للأشخاص الذين شاركوا في هذه الأحداث ، فيشعر القارىء بأن الكاتب يعرف هذه الشخصيات خاصة الإسرائيلية معرفة معاشرة وقرب . فإذا نقل كلاما لشارون الذي صار رئيس وزراء إسرائيل في مارس 2001 تحس أنك تسمع شارون يتكلم قربك ، وترى دخيلة نفسه . وهكذا سائر الشخصيات مثل شاؤول موفاز الذي تولى وزارة الدفاع في الفترة من 2002 إلى 2006بعد فؤاد إليعيزر . والاثنان ، شارون الجورجي الأصل ، وموفاز الإيراني الأصل ، عدوانيان كارهان للعرب كرها متقدا يتماوج لهبه ، ويتواثب شرره . قال شارون لسكرتيره العسكري الذي أخبره باغتيال إسرائيل للقائد الحمساوي صلاح شحادة في يوليو 2002 بقصف جوي لمنزله : " ايتني بمزيد من هذه البشائر ! " . وموفاز كان دائم الإلحاح  على قادة وحدات جيشه لقتل المزيد من الفلسطينيين ، ويصفه الكاتب بأنه " كان رمزا للحقد الأكبر على الفلسطينيين " . ومع ما اشتهر به شارون من تصلب في مواقفه إلا أن الكاتب يخبرنا : " أنه ليس لديه مشكلة في التراجع دون أن يرف له جفن عن الأمور التي قالها قبل يوم فقط " . ومثلٌ على هذا تراجعه عن كل ما قاله عن أهمية المستوطنات في غزة حين وصف إحداها ، نيتساريم ، بأنها مثل تل أبيب . ويذكر الكاتب أن قتل المقاومة الفلسطينية لمجندتين في هذه المستوطنة في أكتوبر 2003 عزز التأييد الشعبي في إسرائيل للانسحاب من غزة . ونجد خيطا سببيا وزمنيا بين قتل المجندتين وبين إعلان شارون عن فكرة  الانسحاب من غزة في مؤتمر هرتسليا في ديسمبر 2003 . ويتوغل الكاتب في فكرة هذا الانفصال أعمق حين يطلعنا على اقتراح من شارون في 1988 على مسئولين في منظمة التحرير الفلسطينية للانسحاب من غزة مقابل مساعدتهم في إطلاق سراح الطيار الإسرائيلي رون أراد الذي أسقطت طائرته في جنوب لبنان في 16 أكتوبر 1986 ،وقبضت عليه حركة أمل ، وصار مصيره بعدئذ مجهولا إلى اليوم . ويختصر الكاتب شخصية شارون بأنه " رجل أفعال لا استراتيجية " . ولا يظهر دروكر الإعجاب من بين  كل المؤسسات الإسرائيلية إلا للجيش ، ففي حكمه : " الجيش الإسرائيلي بشكل عام هو الهيئة الوظيفية الأكثر تنظيما من كل الهيئات العامة في إسرائيل " . ويصف الانتفاضة ب : " أطول حرب في تاريخ إسرائيل " . ويطلعنا الكتاب على سهولة وسرعة شيوع الرعب والقلق في المجتمع الإسرائيلي ، وما يصاحب الرعب والقلق من شائعات مثل شائعة موت فؤاد إليعيزر وزير الدفاع العراقي الأصل بالسكتة القلبية بعد سماعه نبأ مقتل عشرة جنود إسرائيليين في كمين للمقاومة الفلسطينية في مخيم جنين ، وموت نائب رئيس الأركان لذات السبب . وفي هذا السياق لم يكن مستغربا أن يؤيد 85 % من الإسرائيليين توجه دولتهم إلى التفاوض مع الفلسطينيين بحثا عن حل يوقف مسلسل الأحداث التي أرعبتهم ونغصت عيشتهم في الانتفاضة . ونرى في الكتاب حيرة القادة الإسرائيليين في تحديد دور عرفات في الانتفاضة :هل هو المحرض عليها ؟! وهل هو قادر على إيقافها ؟! وهل يحسن التخلص منه ؟! واقتربوا من الإجماع على التخلص منه لولا خوفهم من ردة فعل عربية وعالمية غاضبة ، ويورد أن دولة عربية وافقت في رسالة سرية على إبعاده . ومن طرق التخلص التي اقترحوها قصف مبنى  المقاطعة بقنبلة كبيرة ، أونقله بمروحية إلى مكان في الخارج . وموته بعد ذلك في نوفمبر 2004 امتداد ونتيجة لرغبة إسرائيل في التخلص منه .  

                                           *** 

الكتاب آلة تصوير تطلعنا في مشهدية متحركة متدفقة على أحداث وأحوال وشخصيات ونفسية وسلوك مجتمع عدو في الانتفاضة الثانية . ويجب أن نقر بإعجابنا بأسلوب تعامل القادة الإسرائيليين في ما بينهم مهما اختلفوا في أرائهم ومواقفهم حتى في الجيش الذي هو في كل العالم يعتمد على الطاعة التراتبية من الأعلى إلى الأدنى . في الجيش الإسرائيلي قد يعارض القائد الأدنى رتبة قائده الأعلى دون أن يمسه سوء . وهذا مصدر قوة كبيرة لما يفتحه من إمكانات ومجالات متعددة لمختلف الآراء والاجتهادات التي تتم المفاضلة بينها في موضوعية ودون حساسية من القائد الأعلى نحو القائد الأدنى . في الجيش الإسرائيلي قد لا ينفذ ضابط  أمر قائده إذا رأى أنه مخطىء وخطر ولا فائدة عسكرية منه .  

وسوم: العدد 922