مأساة العبيد

أبو بكر تفاوا بليوا

مأساة العبيد

أبو بكر تفاوا بليوا

قصة من أدب الهوسا الإسلامي ، عنوانها (الشيخ عمر) وتدور أحداثها حول تجارة العبيد ، وكيف كانت تتم الإغارة على القرى الآمنة ، فتثير الرعب في قلوب سكانها ، وكيف كانوا يعيشون مهددين في كل وقت ، فأثر هذا في حياتهم تأثيراً كبيراً !! وكيف كان يستهين المغيرون بحياة من يقتنصون ، حتى إذا دبّ الخلاف بينهم على غلام واحد اقتنصوه ، قام أحدهم بتقطيعه إرباً كما تقطع أوصال الدجاج ليوزعها على رفاقه أشلاء ممزقة ! وما يعانيه الرقيق في الطريق عبر الصحراء الكبرى من سوء الأحوال الجوية والعواصف الرملية ، كما تصف المعاملة غير الإنسانية التي يلاقيها هؤلاء من مختطفيهم ومن مالكيهم .

وملخص هذه القصة أن تلاميذ الشيخ عمر قد استرعى انتباهه طلاقته في اللغة العربية ، وعدم وجود شبه بينه وبين أهل المدينة التي يدرس فيها ؛ فانطلق الشيخ يحدثهم عن نشأته وأصله ويتمه ، وكيف حطّت به الرحال في بلدهم ؛ فقد كان طفلاً يتيماً تزوجت أمه من رجل فاضل اسمه " ماكو " ، اضطر إلى ترك دياره بعد ما أوقع المغرضون بينه وبين أمير المنطقة ؛ فسافر وتغرب حتى وصل إلى منطقة استطاع أن يدبر فيها عملاً في الزراعة ، وهو يأمل أن تلحق به زوجاته وأولاده ، وكانت زوجته أم الطفل (عمر) قد ذهبت لتزور أهلها في مدينة أخرى ، وبعد عودتها علمت أن أحد اللصوص سرق ابنها ليبيعه في سوق الرقيق ، فلم يقر لها قرار وهي تجهد في البحث عنه ، وأصبح من نصيب " جميزو " الذي باعه لرجل عربي قادم من مصر (عبدالكريم) ، يريد أن يحرره ، ويقدمه إلى زوجته ليكون لها ابناً ، فخشي عمر أن يكون سفره إلى مصر سبباً في ترك بلاده بشكل دائم ، وفقد الأمل في لقاء أمه ، لكن عبدالكريم وعده أن يحضره معه كل عام!

فرحت زوجة عبدالكريم بقدومه واعتنت به وبعثت به إلى الشيخ مسعود ليتعلم القرآن والكتابة ؛ فحفظ القرآن في عامين وأصبح مضرب المثل في الذكاء والخلق الكريم ، فقربه الشيخ وصار نائباً ثم شيخاً للتلاميذ بعد وفاته .

واستطاعت أمه أن تصل إلى جميزو فهدّأ خاطرها وأعلمها بمكانه ، فتلحق بإحدى القوافل المتجهة من (كانو) إلى صعيد مصر ، فيخدعها قائد القافلة ويبيعها في الطريق ، ثم تباع من تاجر إلى تاجر ، وتتحمل ألوان العذاب سنين ، حتى تلتقي بابنها فجأة بعد خمسة عشر عاماً في طرابلس ، وهو في طريقه إلى مدينة كانو للبحث عنها !

وبعد عدة أيام تتوفى الأم ، فيتابع عمر طريقه مع قافلة ، ويفاجؤون بعاصفة رملية تهلك كل من في القافلة وتدفنهم في الرمال ، ووجد عمر نفسه وحيداً ، وقد نفد ما معه من الماء ، فأوى إلى مكان ينتظر فيه الموت ، وفي اليوم الرابع فتح عينيه فوجد جمله يقبل عليه ، فأخذ الماء وشرب وانطلق الجمل به وكأنه يعرف الطريق ، حتى وصل إلى بئر ، فوجد جماعة من المسافرين متجهين إلى بلده ، وفي الطريق مات الجمل ، فاتجه سيراً على الأقدام ، وفي مدينة (روتا) علم أن ماكو قد مات ، ولم يبق له أقارب هناك ، فمكث فيها ينشر العلم ، وعرف التلاميذ حين انتهى من قصته سبب إقامته في بلدهم .

أثارت هذه القصة قضية الاسترقاق التي كانت سائدة قبل أكثر من مائة عام ، وموقف الإنسان المسلم منها ، من خلال التاجر المسلم عبدالكريم ، الذي عامل عمر معاملة الابن ، فيما كان الأوربيون يسوقونهم سوق البهائم رجالاً ونساءً .

كما يلاحظ تأثر الأدب الهوساوي بالأدب العربي في تلك الفترة ـ 1934م ـ فيقوم الراوي برواية الأحداث وهو يجلس بين المستمعين .

ويظهر أثر الثقافة الإسلامية : قرآنية وحديثية في الألفاظ والأفكار ، فتقترب القصة في حادثة فقد الطفل وبيعه من قصة يوسف عليه السلام ، كذلك في أمل الأم التي لم تيأس يوماً من لقائه ، وفي عودة جمله وعليه أحماله على غرار ما ورد في الحديث الشريف الذي وصف فرحة الله بتوبة عبده " لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة ".